4 مايو، 2019


قسم أبحاث المركز (MenaCC)

تقرير

ملخص التقرير : استطاعت دول الخليج خلال العشر سنوات الأخيرة منافسة أهم وجهات الهجرة لمواطني دول المغرب العربي، وباتت من بين أهم الوجهات المفضلة للعمل في هذه الدول. وتستقطب دول مجلس التعاون اليوم أكثر من نصف مليون على أقل تقدير من مواطني دول المغرب العربي الخمس حسب رصد قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC).

واعتمد الرصد في تقديره للمغتربين من مواطني دول المغرب العربي في منطقة الخليج على اخر الإحصاءات الرسمية المعلنة والمتوفرة لتعداد الجاليات المغاربية في دول الخليج. وقد التزمت بذلك أغلب الدول الخليجية برفع مستوى التعاون مع دول المغرب العربي في مجال تعزيز تنقل العمالة والاعتماد على الكفاءات المغاربية التي شهدت تسهيلات في إجراءات العمل والإقامة فيها منذ ان تعهد قادة مجلس التعاون ابان احتجاجات الربيع العربي التي بدأت من المنطقة المغاربية على دعم التنمية في هذه الدول وزيادة فتح أسواق العمل امام كفاءات ابنائها.

وباتت الدول المغاربية ودول عربية أخرى تعتمد بشكل كبير ومتفاوت على دول مجلس التعاون الخليجي لعوامل كثيرة أولها تحويلات المغتربين في الخليج الاخذين في الارتفاع، فضلا عن المعونات والاستثمار وإيرادات السياحة وهو قطاع لطالما مثل احدى اهم أولويات المستثمر الخليجي في المنطقة المغاربية.

وعلى الرغم من عائق البعد الجغرافي بين منطقة الخليج والمغرب العربي، أصبحت أسواق العمل في دول مجلس التعاون تنافس وجهات مثل اوروبا وامريكا التي لطالما مثلت المقصد الأول المفضل للمهاجر المغاربي. وقد نمى عدد العاملين من دول المغرب العربي بشكل مضطرد في السنوات الأخيرة وباتت الوجهة الخليجية المفضلة للكفاءات المغاربية.

وسجلت تحويلات المغتربين من دول المغرب العربي العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعا في السنوات العشر الماضية. اذ أتت بعض الدول الخليجية ضمن لائحة أكبر 20 دولة مرسلة للتحويلات في العالم عام 2014، وأتت السعودية ثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية حيث ذهب جزء كبير من التحويلات المرسلة من دول الخليج إلى الدول العربية بما فيها الدول المغاربية.

وكشفت الدراسات تسجيل تحولات نوعية وكمية لتوجه المهاجرين المغاربة في السنوات الأخيرة (مواطني دول المغرب العربي خصوصا التونسيون ومواطني المملكة المغربية)، وشملت التحولات تغير حركة الهجرة التقليدية التي كانت تستهدف أوروبا والتي كانت تستأثر بأغلبية نسبة المهاجرين المغاربة، لتستهدف في السنوات الأخيرة دول الخليج العربي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

واستأثرت المغرب بالحصة الأكبر لعمالها في دول مجلس التعاون حيث بلغوا نحو أكثر 300 الف[1]، ثم تونس بنحو اكثر 120 الف[2]، فالجزائر بنحو أكثر من 27 الف جزائري[3]، فموريتانيا بنحو أكثر من 45 الف موريتاني[4]. كما تناقلت تقارير عن زيادة تنقل الجالية الليبية نحو دول الخليج خصوصا بعد الإطاحة بالنظام وتردي الأوضاع الأمنية لكن ما من ارقام تحصي عدد الجالية الليبية في دول الخليج. وتجدر الإشارة الى ان كل هذه الأرقام تقديرية وقد تكون أكثر من ذلك نظرا لتسارع وتيرة تنقل العمالة المغاربية الى أسواق العمل في دول الخليج نظرا لتزايد الطلب على الكفاءات المغاربية في ميادين كثيرة لعل أبرزها قطاعات التعليم والصحة والصناعة والخدمات.

وتسهم زيادة التحويلات المالية لمواطني دول المغرب العربي العاملين في دول الخليج في إحداث تأثيرات واسعة على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية، وتسهم في تعزيز التنمية المحلية بهذه الدول ورفع مستوى المعيشة وتحسين الدخل الفردي ودعم معيشة الاسر خصوصا ان كل من تونس والمغرب وموريتانيا تشهد ظروفا اقتصادية صعبة.

ومنذ اندلاع أحداث الربيع العربي التي انطلقت من المنطقة المغاربية تحديدا من تونس وما لحقها من أحداث شهدتها بقية الدول المغاربية لعل أبرزها الصراع المسلح في ليبيا واستمرار هشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في اغلب هذه الدول جراء الانتفاضات وتغير الأنظمة، لم تقم في المقابل دول الخليج بحذر قدوم مواطني المغرب العربي الي اراضيها بدواعي الحذر الأمني الذي ارتفعت درجته بحدوث احداث إرهابية في بعض الدول المغاربية خصوصا بين 2013 الى 2015. واستمر على العكس تدفق مواطني دول المغرب العربي الى دول مجلس التعاون من اجل العمل، بل زادت وتيرة استقدام العمالة من دول المغرب العربي خصوصا من أصحاب الكفاءات. وباتت سوق العمل الخليجية جاذبة للمغاربة وبقية العرب نظرا للميزات المتوفرة والتي لا يجدها المهاجر المغاربي في أسواق العمل التقليدية التي يفضلها في أوروبا أو كندا او القارة الامريكية وخصوصا على مستوى عروض الأجور وتعزز هامش الربح من فارق العملة مقارنة بالعملات المحلية للدول المغاربية وهو ما شجع في زيادة نمو تحويلات المغاربة الى دولهم.

وتنتمي منطقة الشرق الأوسط عموماً إلى أبرز مصادر تدفق التحويلات المالية نحو الخارج؛ ويعود ذلك لأسباب وجيهة من بينها وجود عملاقي التحويلات المالية الإمارات والمملكة العربية السعودية، والحجم الهائل لهذا النوع من التحويلات في المنطقة. وفي الواقع، يحتضن الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، مغتربين وجاليات أجنبية من شتى أنحاء العالم.

وتلعب التحويلات المالية دوراً رئيساً في نمو اقتصاد الدولة عبر التأثير الإيجابي على الودائع المصرفية، والائتمانات المتاحة للقطاع الخاص، والودائع المصرفية بالعملات الأجنبية. كما يمكن أن يؤدي ارتفاع حجم التحويلات المالية من المغتربين إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. فالتحويلات المالية تسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، ودعم خطط التنمية في البلاد.

النظرة العامة للدول المستقبلة للتحويلات المالية في العالم العربي ودول المغرب العربي تبدو إيجابية للغاية. وبطبيعة الحال، ينبغي على حكومات هذه الدول إدراك مدى أهمية التحويلات المالية وبذل مزيد من الخطوات الكفيلة بتعزيز التفاعل مع مواطنيها في الخارج.

 

 

المصدر : مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

 

[1] أرقام وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، 2017، موقع هسبرس المغربي، https://www.hespress.com/marocains-du-monde/370387.html

[2] انظر تصريحات مدير عام ديوان التونسيين بالخارج حلمي التليلي في تصريح لـ”المصدر، رسميا/بالأرقام: هذا عدد التونسيين المقيمين بالخارج وخريطة توزّعهم في البلدان الأوروبيّة ودول الخليج، فبراير 2018، https://ar.webmanagercenter.com/2018/02/21/219501/%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82/

[3] إحصاء مبني على ارقام معلنة من مختلف السفارات الجزائرية وتم جمعها والتأكد من موثوقيتها

[4] آخر إحصاء للموريتانيين في الخارج عام 2008 حسب ما يفيد بذلك موقع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الموريتانية، https://med.mr/story/350