ساسة… الكافيار!

تقدير موقف

8 مايو، 2019


بقلم محمد الحايك – اعلامي وباحث لبناني :

 

على وقع استعارة أجواء التجربة اليونانية المُرّة، تحاول الحكومة اللبنانية جس نبض الشارع تجاه إمكانية طرح خطة تقشّف «صعبة للغاية».

تُوزّع حكومة الحريري الابن، الأدوار بين مكوناتها بطريقة مدروسة جداً، فتارة يخرج وزير من هذا الفريق ليقول إن الأوضاع الاقتصادية تنذر بأزمة خطيرة جداً، وتارة يطل نائب عن محور وتكتل آخر ليتحدث عن ضرورة الالتزام بما جاء في مقررات مؤتمر «سيدر» الملزمة، قبل أن يلحق به مستشار كبير يعمل لصالح جبهة ثالثة ليتناول الخيارات المؤلمة في سبيل الخروج من عنق الزجاجة.

وبين حديث الأول، وتكهنات الثاني، وخيارات الثالث، تستعر حمى التسريبات الإعلامية التي تكشف بعضاً مما تحفل به جعبة الساسة اللبنانيين “الأفذاذ” من تصورات للشروع في عمليات جراحية معقدة تستهدف بالدرجة الأولى تخفيض رواتب ومخصصات موظفي القطاع العام والمتقاعدين وتعويضاتهم.
بيد أن التسريبات التي يؤكدها طرفٌ، وينفيها آخر في تكتيك محبوك وموزون من أجل امتصاص الشحنة الأكبر من غضب الناس والقطاعات العريضة التي سيطولها مشرط التخفضيات، لم تُشرْ لا من قريب ولا من بعيد إلى ضرورة إقفال أبواب الهدر والفساد، والسرقات السياسية، ومزاريب المناقصات المليارية المشبوهة.

تناولت التسريبات بدقة متناهية كيفية اقتطاع نسب محددة من أجور ومعاشات الموظفين، ولكنها لم تلمح إلى تخفيضات تطول الرواتب، والمخصصات، والمزايا المهولة للرؤساء، والوزراء، والنواب، والسفراء، ومحافظ البنك المركزي ونوابه، والمديرين العامين، وكل موظفي الفئة الأولى، والثانية، وحتى الثالثة (وما أكثرهم).

فعلى سبيل الطُرفة مثلاً، يتقاضى الرئيس الأميركي (زعيم أهم دولة بالعالم) 400 ألف دولار سنوياً، أي نحو 33.3 ألف دولار شهرياً. اللطيف في الأمر أن سيد «البيت الأبيض» يدفع 34 في المئة من راتبه لمصلحة الضرائب، ليصبح إجمالي صافي ما يتقاضاه أقوى رئيس في العالم 264 ألف دولار.
المفارقة المضحكة المبكية، ليس فيما يتقاضاه الرئيس الأميركي، أو يدفعه لمصلحة الضرائب، وإنما فيما يتقاضاه الرئيس اللبناني.

يتقاضى الرجل 12500 دولار شهرياً، أي 150 ألف دولار سنوياً (لا يدفع سنتاً واحداً منها للضرائب). وعلى غرار رئيس الجمهورية، يمضي رئيسا مجلس النواب والحكومة بمعاشات مخيفة تثقل كاهل الميزانية، وجيوب المواطنين الفقراء والمعدمين.

ورغم فداحة هذه الأرقام، يريد هؤلاء الساسة أن يُصدّق اللبنانيون “صدق” نواياهم بشأن تقليص العجز، وهم أنفسهم المسؤولون عن وصول مديونية البلد إلى أكثر من 100 مليار دولار؟

كيف يمكن للبنانيين أن يثقوا بهذه الطبقة الحاكمة التي استغلت “بازار” الكهرباء عاماً بعد آخر لتضخيم حساباتها المصرفية الداخلية والخارجية؟

كيف يمكن للمسلمين والمسيحيين أن يقتنعوا بخوف المسؤولين “غير المسؤولين” على مستقبل البلد، الذي تحوّل بفضلهم إلى جبل قمامة، وبحر أمراض وأوبئة، ونهر جريمة، وسهل سرطان، وسماء حقد وكراهية، وأرض فقر وبطالة وعوز وأمية؟

بدأنا المقال بالحديث عن التجربة اليونانية، حيث نجح الإغريق في تجاوز الأزمة الاقتصادية العصيبة بكثير من التنازلات المؤلمة على مستوى القادة والشعب، ولكن هذا السيناريو غير مرجح في بلد لا يسمح “برستيج” زعمائه بأكل البيض وترك… الكافيار حتى حين!