8 مايو، 2019


بقلم المستشار أنور الرشيد  – رئيس مدارك للاستشارات السياسية والاستراتيجية :

لم يكن مفاجأً لي أن تبلغ نسبة الذين قالوا بأن ليس هناك حُريات في دول الخليج نحو 63.76% من أصل 1145 مشارك خليجي في استطلاع أجراه مركز مدارك للاستشارات السياسية والاستراتيجية. فالحُرية في دول الخليج تظل محدودة وهذا ما خلصت اليه دراسة قام بها مركز مدارك في شهر نوفمبر في عام 2018.

الجدير بالاهتمام بأن النسبة الكبيرة لخريجي التعليم العالي الذين شاركوا في الاستطلاع والتي بلغت 76.69%، وهي نسبة عالية جداً وتعكس مدى تطلع هذه الفئة الى الحرية. صحيح أن هناك حُريات اجتماعية واقتصادية متفاوتة بين دول الخليج ولكن فيما يتعلق بحُرية الرأي والمشاركة السياسية فهي محدودة للغاية.

وعلى الرغم من أن دول الخليج لديها امكانات مالية هائلة بفضل الفوائض المالية التي تُجنيها من بيع البترول مقابل عدد سكانها المحدود والمساحات الجغرافية الهائلة، إلا أنها بحاجة ماسة لتطوير نفسها ذاتياً حتى تتواكب مع مستجدات العصر الحديث الذي يعتبر الحُريات العامة والشخصية وتداول المعلومة وحُرية الرأي والتعبير وحُرية الصحافة ودولة الدستور والقانون والمجتمع المدني الحُر من أساسيات تطوير المجتمعات، لابل لا يخلو مجتمع متطور من تلك الأساسيات التي تبنتها دول كثيرة في العالم. وبات ربط استقرار أي مجتمع بتوفر هذه الأساسيات.

المجتمعات الخليجية تتصادم مع الواقع

من يتابع التطورات في المجتمعات الخليجية لا شك بأنه يلاحظ أمرا غاية في الأهمية، وهو ازدياد عدد معتقلي الرأي، فاليوم لا يخلو تقرير دولي حقوقي من الإشارة إلى سجناء الرأي في دول الخليج من الأكاديميين والمثقفين وأصحاب الرأي. كما تعرضت بعض الناشطات الخليجيات الى بعض الانتهاكات او التضييق عليهن.

ومنذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011 تفاعلت جل المجتمعات الخليجية مع حراك التغيير والديمقراطية التي رفعت شعارها ثورة الياسمين في تونس الخضراء، والتي فجرت غضب الشارع العربي لاحقا، خصوصا انه وصف بانه الشارع السياسي الذي يعاني من نقص الحُرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. فضلا عما عرفته بعض الأنظمة العربية من مظاهر انتشار الفساد وسوء الإدارة. ونظرا لأن بعض الأنظمة العربية لم تولي أهمية بتعزيز مكتسبات حقوق شعوبهما كالحُرية والكرامة الإنسانية، تفجرت ثورات الربيع العربي بكل مكان رغم القبضة الأمنية.

في الكويت التي طالما اعتبرت الواحة الديمقراطية وسط التصحر الديمقراطي في المنطقة، تم سن بعض القوانين مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وهي الاتفاقيات التي وقعت وصادقت عليها مما يفترض بأن تُعدل تشريعاتها الوطنية لتتواكب أكثر مع المواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان.

وفي ظل مسار القوانين التي نجم عن تطبيقها تضييق للحريات، فان المطالبات بالمزيد من الحقوق مُستمرة. ففي ظل تطبيق تلك القوانين زاد سجناء الرأي الى أكثر من أربعين سجين، وزاد الأمر سوءاً الى أن أصبح هناك طالبي لجوء سياسي وبلغ عددهم 13 طالب لجوء كويتي موزعين ما بين فرنسا وبريطانيا وتركيا والبوسنة والهرسك وكندا وأمريكا، ولَم يقتصر الأمر على الشباب الكويتي وإنما أيضاً كان نصيب المرأة الكويتية من ذلك لا بأس به فثلاث سيدات وطفله أي أربع أناث من أصل 13 يعني نصيب المرأة من طالبي اللجوء السياسي بلغت 30.8% تقريبا وهي نسبة عالية جداً إذ ما قارنا المستوى المعيشي الذي تحظى به المرأة الكويتية وأيضاً الرجل. وهذا ما يدل على تصاعد وتيرة المطالبة بالحُريات والأسوأ من ذلك ووفق ما رصدناه من أحكام على أصحاب الرأي وصلت لأكثر من خمسة قرون.

ويبدو أن تضييق الحريات سيستمر في عام 2019، حيث من المتوقع ان تُصدر احكام في نحو  4096 قضية رأي تم تسجيلها عام 2016، مما سيشكل ضربة قاسية للحريات في الكويت والتي نتوقع على أثرها ازدياد عدد طالبي اللجوء السياسي للخارج نتيجة لتلك الأحكام. ونتوقع أيضاً بأن تزيد عن خمسة قرون لتُضاف لأحكام الخمسة قرون التي صدرت بالفعل.

كما ان دول الخليج على موعد مع المطالبات بالتغيير الديمقراطي. حيث لم يهدأ حراك الشباب في المطالبة بمزيد الحريات. وقد يكون لذلك عواقب وخيمة على أمن واستقرار الخليج، ولاشك بأن بعض دول الخليج قادرة على التماهي مع التطورات ولديها القدرة على ضبط جرعات الحُرية، إلا أنها مع الأسف لازالت مُصرة على أن تُدير مجتمعاتها بعقلية خمسينيات وستينيات القرن الماضي، غير عابئة باحتياجات شعوبها للتطور وغير متعاونة وليس بها حتى مرونة لتفهم احتياج الأجيال الجديدة، أجيال الثورة التكنولوجية التي كسرت احتكار المعلومة واخفائها والسيطرة عليها.

فهل تستوعب بعض دول الخليج حاجة الحُرية لشعوبها، أم أنها اختارت التصادم مع واقعها؟

 

المقال يلزم صاحبه فقط ولا يعبر اطلاقا عن رأي ورؤية المركز او أهدافه.