- بتريليون دولار ” السعودي 2025″ يفرض نفسه بين اقتصاديات الكبار
- “الرؤية السعودية” فرضت نفسها على مجموعة الـ 20
- حصة الصادرات السعودية من السلع غير البترولية الى نحو أكثر من 10 مرات مع حلول 2025
- السعودية في 2025 تتحول الى منصة تصنيع تستهدف دول المنطقة والعالم
- السلع السعودية في 2025 ستكتسح أسواق المنطقة
- رئاسة السعودية لمجموعة العشرين في 2020 داعم كبير لزيادة جذب الاستثمارات والثقة في نمو اقتصاد المملكة
8 يوليو 2019
قسم أبحاث المركز (MenaCC)
تقرير
ملخص التقرير : بفضل توقع زيادة انتاج صناعات متطورة على غرار الدول المتقدمة كالسيارات والمحركات والآلات الحديثة والصناعات التحويلية والتكنولوجية والعسكرية والغذائية، فضلاً عن تعزز آفاق الخدمات المصرفية والتعليمية والسياحية والصحية، تراهن السعودية على أحداث طفرة في إيراداتها غير النفطية الى جانب توقعات بتعزيز الاستثمار في السياحة بسبب سياسات الانفتاح على قطاعات الخدمات والترفيه الصديقة للبيئة، مع استمرار أهمية إيرادات النفط ومشتقاته. وبفضل ذلك من المرجح أن يتخطى حجم الناتج الإجمالي السعودي عتبة التريليون دولار في 2025، وستقود القطاعات غير النفطية الطفرة المتوقعة لإيرادات المملكة. وبفضل ذلك سيتعزز موقع السعودية في الساحة الدولية على المدى القريب والمتوسط كقوة اقتصادية عالمية نامية على مسار التحول السريع الى مصاف الاقتصاديات المتقدمة على المدى البعيد.
وحسب دراسة استشرافية لتوقعات مسار نمو القوة الاقتصادية السعودية في المستقبل أعدها فريق مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) اعتمادا على أرقام واحصائيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية وبيوت الخبرة في العالم، فان التحسن التدريجي لبيئة الاعمال في السعودية واستمرار مكافحة الفساد عززت ثقة المستثمر المحلي والعربي والأجنبي بمستقبل الاقتصاد السعودي الذي من المرجح أن يصبح وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية خصوصا على مستوى (سوق الأسهم) التي باتت تستقطب أكثر من نحو ربع تريليون دولار قيمة استثمارات أجنبية. ومن المرجح أن النمو المستقبلي لحجم الاقتصاد السعودي قد ينافس اقتصادات أوروبية وآسيوية عريقة بحلول 2025 على غرار اسبانيا واندونيسيا، وقد يتغلب على حجم الاقتصاد التركي، ويتفوق بشكل أسرع على توقعات نمو الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من تبعات عزلته الاقتصادية والسياسية الحالية.
وقد فرضت رؤية التحول الاقتصادي العملاق للمملكة عل المدى المتوسط نفسها بين أهم خطط النمو الاقتصادي الإيجابي على المدى المتوسط لدول مجموعة العشرين التي سترأسها السعودية في 2020. وبفضل تسارع وتيرة انجاز رؤية السعودية 2030 والقائمة على جذب الاستثمارات الخارجية في قطاعات غير نفطية، من المرجح أن يزيد حرص قادة العالم على دراسة تجربة التحول الاقتصادي للمملكة وتعزيز الشراكات والمصالح معها خلال ترأس الرياض لاجتماعات G20 في ديسمبر المقبل. وهذه المناسبة ستكون الأولى من نوعها يحتضنها بلد عربي، وستكون فرصة لتعزيز ترويج الفرص الاستثمارية المستقبلية بالمملكة.
رئاسة السعودية لمجموعة العشرين في 2020 ستكون بمثابة الفرصة الذهبية لازدهار الاقتصاد السعودي واستفادته من شراكات مع كبرى مؤسسات القوى الاقتصادية العالمية وستمنح البيئة الاقتصادية للمملكة ثقة أكبر لدى المستثمرين في العالم.
ومن المتوقع أن “مملكة الغد قد تكون مختلفة عن اليوم”، حيث تتسارع الخطى والإجراءات لزيادة تطوير السعودية بداية من البنى التحتية التعليمية وصولاً الى البنى التحتية لقطاعات واعدة غير نفطية ومدن صناعية وخدماتية واستثمارية ذكية. وبانتهاء الأشغال، قد تُحدث مثل هذه الاستثمارات الضخمة القائمة على الاستثمار المحلي والأجنبي تحسناً كبيرا في إيرادات المملكة ونوعية حياة أجيالها في المستقبل. ولذلك فان رؤية السعودية المستقبلية التي يروج لها في المحافل الدولية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحظى باهتمام المجتمع الدولي نظرا للخطى الجادة التي تقوم بها المملكة لتنويع اقتصادها وايراداتها ومنافسة كبار اقتصاديات العالم على المدى المتوسط خصوصا باستقطاب أكبر للتكنولوجيات الحديثة التي ستنقل السعودية الى مصاف الدول المتقدمة.
ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو حجم الناتج الإجمالي المحلي السعودي بنحو أكثر من 2.4 في المئة[1] خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو ما سيجعل السعودية أول بلد عربي يدخل مجموعة كبار اقتصادات العالم بناتج يفوق تريليون دولار[2] في 2025. هذا النمو ستحفزه منصات ومدن الإنتاج الصناعي المستقبلية، مع محافظة المملكة على مكانتها بين كبار منتجي الطاقة في العالم الى عام 2050.
وقد تعززت آفاق نمو حجم الاقتصاد السعودي بوتيرة أسرع من التوقعات العالمية بفضل زيادة الثقة في مسارات التنمية السعودية وسياسات الانفتاح والإصلاح التي تقوم بها الحكومة، والتي دفعت الى تحسن نسبة تدفق الاستثمار الأجنبي الى المملكة من 829 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي (2018) لتقفز الى نحو 1.249 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري[3].
وبفضل توقع نمو الاستثمارات في القطاعات الصناعية، من المنتظر أن تتحول السعودية الى قطب عالمي في الصناعات التحويلية كالبلاستيك والاسمنت والألومنيوم. كما يعد تطوير البنية التحتية العامة بالإضافة إلى تغيير في السياسات الحكومية لدعم إنشاء صناعات جديدة إلى جانب الاستثمار في قطاعي الطاقة والطاقات المتجددة من العوامل الرئيسية لاستشراف نمو صناعات السيارات والمحركات الكهربائية في المملكة. وقد دفع تراجع أسعار النفط في عامي 2015 و2016، الى تغيير السياسات الحكومية وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة والتوسع في أنشطة غير نفطية كصناعة السيارات بالإضافة إلى تعزيز نمو صناعة البتروكيماويات، مما سيساهم في تحقيق إيرادات رئيسية في المستقبل في موازنة المملكة[4].
كما أن مستقبل الاقتصاد السعودي سيستفيد من زيادة إيرادات الصناعات الدفاعية والعسكرية المتطورة. فشركة “السعودية للصناعات العسكرية” قد تكون احدى أفضل 25 شركة دفاع عالمية بحلول عام 2030[5].
والى جانب تطوير الصناعة وجذب الاستثمار الأجنبي تراهن المملكة على المدى المتوسط لدعم إيرادات قطاع السياحة. وحسب احصائيات لغرفة تجارة جدة تتوقع الحكومة زيادات الاستثمار في القطاع بنحو 40 مليار دولار بحلول عام 2025 من أجل تطوير المنشآت السياحية تحسباً لزيادة الاقبال على السياحة في المملكة في المستقبل. ومن المرجح أن تظل السياحة الدينية هي المحرك الرئيسي للقطاع، فضلاً عن توقعات نمو السياحة التجارية والصحية. كما تستمر الحكومة السعودية في الاستثمار بكثافة في مشروعات الترفيه والفنادق الجديدة وتجديد المواقع الدينية التاريخية. ويقدر إجمالي مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 7.7 في المئة في عام 2014، ويتوقع أن ترتفع إلى 9 في المئة بحلول عام 2025[6].
ولا يمكن استشراف نمو قطاع السياحة أو قطاعات غير نفطية أخرى الا باستمرار تحسن بيئة الاعمال التي بدأت الحكومة السعودية خطوات جادة في تعزيزها وتقليص سلبياتها وفي مقدمتها محاربة الفساد.
تحسن تدريجي لبيئة الاعمال ومحاربة الفساد
بفضل دعم سياسات تحسين بيئة العمل التنافسية ومحاربة الفساد بإنشاء لجنة مكافحة الفساد السعودية التي شكلت بأمر ملكي والتي يرأسها ولي العهد، تحسن مؤشر الثقة في أداء الاقتصاد السعودي وآفاقه وبصفة خاصة القطاعات غير النفطية. وانعكس تحسن مؤشر الثقة والشفافية إيجاباً على تعزز جاذبية السوق السعودية للاستثمارات الأجنبية خصوصاً على مستوى سوق الأسهم. وتعتبر سوق الأسهم السعودية اليوم أكبر وجهة عربية وإسلامية في الشرق الأوسط والعالم العربي جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في الأسهم. حيث ارتفعت قيمة الاستثمارات الأجنبية في سوق الاسهم السعودية من 176 مليار دولار الى نحو 233 مليار دولار في 2017[7].
ومن المرجح أن يتعزز تدريجياً تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات تشغيلية خارج سوق الأسهم، خصوصاً بعد أن سجل تراجعاً في السنوات الأخيرة بسبب عدم استقرار الأوضاع في المنطقة، حيث اجتذبت المملكة نحو 12 مليار دولار في عام 2012 كاستثمارات أجنبية مباشرة لتسجل لاحقاً تراجعاً الى نحو 1.4 مليار دولار[8] في 2017. لكن منذ العام الماضي بدأت مؤشرات تدفق الاستثمارات الأجنبية في التحسن خصوصاً بعد الإعلان عن جملة من الإصلاحات شملت إجراءات ممارسة الاعمال التي ستكون أكثر سلاسة للمستثمر الأجنبي تزامناً مع اعلان السعودية عن رؤيتها لمشروع “نيوم” الضخم. حيث أصدرت السعودية اللائحة التنفيذية لقانون التحكيم، لتعزيز بيئة أعمالها.
وفي هذا الصدد، كانت هيئة أسواق المال السعودية قد أعلنت عن تدابير لتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في يناير 2018. وتبدو الحكومة السعودية اليوم أكثر ترحيباً بصفة خاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر القادر على نقل التكنولوجيا وتوظيف وتدريب القوى العاملة الوطنية وتعزيز التنمية الاقتصادية وتعزيز المواد الخام المحلية. كما حررت المملكة العربية السعودية الاستثمار الأجنبي بالكامل في قطاعات الخدمات الهندسية والخدمات الاستشارية المرتبطة بها[9]. وتوازياً مع تحسن التشريعات والقوانين المحفزة للاستثمار مع حملة مكافحة الفساد، تسارع المملكة الخطى أيضاً لاستكمال مرحلة تأهيل البنى التحتية للمشروعات غير النفطية المستقبلية.
اقتراب استكمال مرحلة تأهيل الاقتصاد السعودي لتحول ضخم
قاربت السعودية على الانتهاء من استكمال مرحلة أكبر عملية تأهيل للقطاعات النشطة والكوادر البشرية استعدادا لتحول اقتصادي ضخم ضمن رؤية 2030 سينقلها الى مرحلة كبار المصدرين في المنطقة والعالم العربي للمنتجات غير النفطية وذات القيمة المضافة العالية. ومن المرجح أن تتضاعف حصة الصادرات السعودية من السلع غير البترولية الى نحو أكثر من 10 مرات مع حلول 2025.
وتتجه المملكة الى دعم تبادلها التجاري مع المنطقة العربية خصوصاً، فضلاً عن الأسواق الدولية، وسيترتب عن ذلك اتساع دائرة شركاء السعودية التجاريين. وقد كثفت المملكة في الفترة الأخيرة خصوصا بعد الإعلان عن “رؤيتها التنموية 2030” في 2016، من جهود تحديث البنى التحتية وتأهيل القطاعات أبرزها التعليم والصناعة وتحسين مهارات القدرات البشرية وبناء مدن مستقبلية للخدمات والصناعات المستقبلية ستكون جاهزة مع حلول 2025، وبالتالي فمن المرجح أن يزيد تدفق السلع السعودية بعد نحو 6 سنوات الى الأسواق العربية والإقليمية والعالمية بمعايير وجودة تنافسية لتدخل في تنافس مع أكبر شريك تجاري للدول العربية وهي الصين وأوروبا خصوصا على مستوى المنتجات الصناعية والزراعية والتكنولوجية والأمنية. في المقابل تبقى مبيعات النفط والغاز والمشتقات البترولية مهمة في صادرات المملكة مستقبلا.
لكن من المتوقع أن تنخفض حصة النفط والغاز في إجمالي الصادرات من 65.8 في المئة إلى 19.5 في المئة خلال الخمس سنوات المقبلة، نتيجة لارتفاع متوقع لمساهمة الصادرات غير النفطية من 34.2 في المئة إلى 80.5 في المئة حسب مخطط التنمية التاسع للمملكة[10]. وسترتفع مساهمة الصادرات غير النفطية بين 2018 الى 2025 بنحو 10 أضعاف تقريباً وصولا لتسجيل قيمة متوقع أن تناهز نحو أكثر 627.3 مليار دولار. وستكون حصة الصادرات غير النفطية بنحو أكثر من 3 أضعاف الصادرات البترولية بحلول 2025 والتي ستبلغ قيمتها نحو 204 مليار دولار[11]. علما أن قيمة الصادرات السعودية غير النفطية في 2018 ارتفعت الى نحو 63 مليار دولار[12] بزيادة قدرها 22 في المئة عن 2017، وهذا ما يعكس تسارع جهود تنويع اقتصاد المملكة من اجل التعويل تدريجيا على قطاعات تشغيلية منتجة وواعدة خارج مدار النفط. وستسهم الإجراءات الحكومية المشجعة لزيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية في زيادة إنتاجية الشركات السعودية وتنوع السلع التصديرية الى العالم العربي والدولي.
ويسهم التحول الاقتصادي الكبير الذي يشرف عليه ولي العد السعودي الأمير محمد بن سلمان وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمستقبل السعودية في اشعاع مكانة المملكة العربية السعودية إقليميا ودوليا وتعزيز دورها المستقبلي على خارطة التجارة الدولية، وبالتالي ستتحول الى واحة خضراء تجذب استثمارات تمكنها من زيادة التنمية غير النفطية وتعزيز مساهمة صادراتها غير البترولية الى دول المنطقة والعالم. وهو ما سيعود بالنفع على تحسن مؤشرات الحياة للمواطن السعودي على المدى القريب والمتوسط.
مسار التنمية الذي تسير فيه المملكة من خلال تنويع الاقتصاد وبناء مدن ذكية ومدن اقتصادية وعلمية بقدرات إنتاجية ضخمة ومواصفات عالية وتنافسية قد يجعلها في حال توسع أدائها التجاري منصة تجارية ضخمة في السوق العربية على غرار الصين في السوق الاسيوية. كما ان تركيز رؤية السعودية التنموية المستقبلية على توطين بعض الصناعات المتطورة في المملكة كصناعة السيارات والمنتجات العسكرية والتكنولوجية سيجعلها بمثابة صين عربية جديدة في الأسواق العربية التي ستستفيد من الزيادة المتوقعة لتنافسية مواصفات منتوجات المملكة المتنوعة الصناعية والخدماتية والفلاحية واللوجستية وحتى الأمنية. ومن المرجح في 2025 مع تسارع وتيرة إعادة تأهيل القطاعات النشطة والمنتجة وتنفيذ المشاريع العملاقة ضمن رؤية السعودية 2030 على غرار مدينة “نيوم” أن تزيد صادرات المملكة الى العالم العربي في مرحلة أولى لتنافس صادرات اهم الشركاء التجاريين للدول العربية سواء من آسيا او من أوروبا، خصوصا ان السعودية تبحث تعزيز مواصفات المنتوجات بمعايير عالمية وبأسعار تنافسية قد تغير موازيين حركة التجارة الإقليمية في المدى المتوسط.
تسارع وتيرة نمو الصادرات غير النفطية
تلعب التجارة الخارجية دورًا مهمًا في الاقتصاد السعودي. ومن بين الاتجاهات التجارية الأكثر إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة الزيادة النسبية في الصادرات غير النفطية من المملكة العربية السعودية كنسبة مئوية من إجمالي نشاط التداول. ومع ذلك، وبغض النظر عن المسار المستقبلي لأسعار النفط، فإن تصميم المملكة العربية السعودية على تنويع نشاطها الاقتصادي يعني أن صادراتها غير النفطية من المرجح أن تستمر في النمو. ويمثل قطاع الكيماويات نقطة انطلاق مفيدة للحكومة.
وتشمل القطاعات التي تتمتع فيها المملكة العربية السعودية بمستوى مفيد من نشاط التصدير كـ(المعادن الأساسية والمواد الغذائية والمشروبات الجاهزة والحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية والآلات والمعدات الكهربائية والمنسوجات ومصنوعات الحجر والجص والاسمنت والخزف والأواني الزجاجية).
ويتميز موقع المملكة العربية السعودية بوجوده على طرق التجارة التقليدية بين الشرق والغرب. وساعد الإطار العربي والدولي للاتفاقيات التجارية بين السعودية ودول العالم او التكتلات الاقليمية والدولية على توافر إمكانات للمملكة للوصول إلى أسواق دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[13].
وقد قفزت الحصة التصديرية لبعض القطاعات غير النفطية في المملكة العام الماضي وبداية العام الجاري مقارنة مع 2017. وتركزت الطفرة الملحوظة في الصادرات غير النفطية على الصناعات التحويلية والكيماوية. حيث كان الملح والكبريت والحجر والاسمنت الأسرع نموًا بين أفضل 10 فئات للصادرات السعودية، بزيادة 371.6 في المئة خلال عام 2018 مقارنة بعام 2017. وأتت في المرتبة الثانية صادرات الأسمدة التي تحسنت بشكل كبير مرتفعة بنحو 157.1 في المئة مقارنة مع 2017. كما سجلت شحنات الحديد والصلب في المملكة العربية السعودية ثالث أسرع زيادة في القيمة بنسبة 80.6 في المئة.
وتعمل المملكة على تلبية حاجة ماسة إلى إنشاء بعض الصناعات التحويلية الكبرى لخلق فرص العمل وتوليد إيرادات من القطاعات غير النفطية. ويعد قطاع السيارات أحد هذه القطاعات حيث يكون الطلب مرتفعًا للغاية في المملكة. ويمكن للصناعات المحلية أن تخلق الكثير من الوظائف والإيرادات. اذ يوجد طلب محلي واقليمي قوي على السيارات. ويمكن الاستفادة من ذلك إذا تم تأسيس منصة إنتاج، وهو ما سيؤدي إلى تطوير قطاع صناعي جديد بالكامل[14].
تقدم مسار تحسين جودة المنتج السعودي غير النفطي
بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الضخمة المتوافرة في جغرافيا السعودية الواسعة والتي تنتشر فيها الأراضي الصالحة للزراعة بنسب تصل الى 80 في المئة، برز اهتمام حكومي أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ببناء مزايا تنافسية للمنتج السعودي من خلال الاستثمار في قاعدة قوية للعلوم والتكنولوجيا، وموارد بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا، وقدرات مادية ومؤسسية حديثة، وتحديد مجالات التميز التي يجب التركيز عليها، واستراتيجية واضحة وخطة شاملة لتحقيق الأهداف المحددة[15]. ومن اجل زيادة رفع مواصفات المنتج السعودي تكثف مراكز الأبحاث المتخصصة في المملكة لزيادة تحفيز مستويات الجودة والصحة والامن للمنتجات. وتركز جهود البحث العلمي في السعودية على تعزيز منتجات التكنولوجيا أسوة بالدول المتقدمة. ويتم العمل جديا على بناء اقتصاد قائم على المعرفة لدعم استدامة النمو الاقتصادي. والتنمية هو التحدي الرئيسي للجهود التي تهدف إلى تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وإمكاناته التصديرية[16].
مدن صناعية ضخمة
نجحت المملكة في فترة قصيرة في تطوير بنيتها التحتية وبناء مدن صناعية متخصصة. حيث أثبتت المدن الاقتصادية المتكاملة التي تأخذ في الاعتبار الميزة المحتملة والنسبية لكل منطقة أنها مناسبة وفعالة وناجحة، على الصعيدين المحلي والدولي[17]. على صعيد آخر، بدأت المملكة فعلاً في أعمال البناء في مشروع “نيوم” الذي تناهز قيمته نحو 500 مليار دولار. وسيتم الانتهاء من العمل في المرحلة الأولى من خليج نيوم، وهو مشروع حضري في عام 2020. وبامتدادها على 26.500 متر مربع، ستكون “نيوم” بمثابة مركز للتكنولوجيا، وخلق فرص عمل ومركز للاستثمار الأجنبي، وهو عنصر رئيسي في أجندة رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد. وتعتبر مدينة “نيوم” بمثابة حلم ولي العهد في الصحراء، حيث ستكون سيكتمل بناء منطقة الأعمال بالكامل بحلول عام 2025. كما سيقدم مشروع “نيوم” تكنولوجيات الجيل القادم في مجال التنقل وخلق نظام بيئي حضري ذكي به بنية تحتية متطورة.
الصناعة الدفاعية والأمنية قد تكون بين أهم المنتجات التصديرية السعودية
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي خامس أكبر مستورد عالمي للأجهزة العسكرية، الا ان البلاد تخطط لتطوير صناعات دفاعية محلي في إطار رؤية 2030، ومن المتوقع أن يقتصر الإنتاج على الأسلحة الصغيرة وخدمات الصيانة والدعم. ففي مايو 2017، كشفت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عن مركبة صقر 1 الجوية بدون طيار والتي يبلغ مداها 2500 كيلومتر وتتميز بنظام اتصالات عبر الأقمار الصناعية[18].
وستشهد صناعة الدفاع السعودية نمواً قوياً في العقد المقبل، وفقاً لتقرير حمل عنوان “الدفاع والأمن والطيران” والذي نشره مجلس الأعمال الأمريكي السعودي. وحسب التقرير من المتوقع أن يساهم القطاع بإضافة نحو 61.6 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020 مع توفير 2.52 مليون وظيفة في القطاع الخاص وفي الدفاع بحلول عام 2028. وذكر التقرير أيضا أن الأمن السيبراني كان واحدا من أسرع القطاعات نموا في هذا القطاع. وتتقدم المملكة نحو أهداف توطين الصناعات الكبرى والتكنولوجية ضمن الرؤية 2030 مع الاستمرار في توسيع الفرص للقطاع الخاص عبر خدمات التدريب.
ولا تزال صناعة الدفاع المحلية السعودية محدودة، تاركة القوات المسلحة في البلاد تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات المعدات العسكرية. وفي الوقت نفسه، تكثف الحكومة السعودية جهودها لتوطين بعض الصناعات العسكرية على أراضيها لتوفير الطلب المحلي وفي قت اللاحق الطلب الإقليمي. ومع إنشاء شركة قابضة دفاعية جديدة ستتسارع خطوات التصنيع المحلي وخلق فرص العمل.
وتشير الخطة أيضًا إلى أن شركات الدفاع السعودية الحالية تميل إلى التركيز على العمليات الأقل تعقيدًا مثل توفير قطع الغيار وبناء المركبات المدرعة وتصنيع الذخيرة الأساسية. وتخطط رؤية 2030 لتصنيع معدات عسكرية أكثر تعقيدًا وأعلى قيمة، مثل الطائرات، مدعومة بتطوير شبكة وطنية متكاملة من الخدمات والصناعات. وبحلول عام 2030 من المرجح ان يزدهر قطاع الصناعة العسكرية مستخدما أحدث التطورات في التكنولوجيا ويعمل بها خبراء سعوديون قادرون على إنتاج معدات للسوق المحلية والتصدير[19].
توقعات بزيادة النفوذ التجاري للمملكة بفضل سياسات تنويع الاقتصاد
على مدار الأعوام الستة المقبلة، من المرجح أن تمتلك المملكة العربية السعودية قوة مهيمنة بلا منازع في عالم التجارة، مما يجعلها أكبر مصدر للموارد غير النفطية في العالم العربي. وبفضل سياسات المملكة وثروتها النفطية، كسبت نفوذا في العالم مستفيدة من وجود علاقة وثيقة للغاية مع القوى الكبرى وهو ما مكنها من فرصة غير محدودة لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ونظرا لإدراك المملكة مسبقا بتراجع أهمية سوق الطاقة تدريجيا خلال العقود المقبلة سعت الى تمويل برامج تنويع اقتصادها وربطه بالتنمية المستدامة وجودة الحياة المثالية والصحية للمواطن السعودي في المستقبل. في غضون ذلك، من غير المرجح أن تنحرف أسعار النفط كثيرًا عن اتجاهاتها الحالية. وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية، اذ سيستمر نمو الطلب على النفط في مساره الثابت خلال تلك الفترة، مدفوعًا بشكل أساسي بالطلب البحري وشركات الطيران. في المقابل سيتباطأ الطلب على البنزين مع تحول المستهلكين في الأسواق الأكثر تطوراً إلى السيارات الكهربائية والمركبات ذات الكفاءة العالية في استهلاك الوقود[20].
وفي ظل التطورات الاقتصادية العالمية والجيوسياسية في المنطقة، يبدو أن لا خطرا محدقا بالمملكة العربية السعودية أو أسرتها الحاكمة. وبغض النظر عن أي شيء يحدث على مدى السنوات الست المقبلة، فمن الواضح أن المملكة ستبقى دولة مهمة للغاية مع قدر كبير من القوة الناعمة[21].
وتشير بعض مكاتب الدراسات العالمية[22] الى ان مستقبل المملكة يافع ومستدام. اذ لا يزال موقع القوة الجيوسياسية الحالي للمملكة يعتمد بشكل أساسي على دورها داخل أوبك، بصفتها المنتج الرئيسي للنفط. الا انه مع السنوات المقبلة وبداية من 2025 سينتقل ثقل القوة معتمدا تدريجيا على الدور التجاري المتنامي للسلع غير النفطية وخصوصا التحويلية.
في الوقت نفسه، تشهد المملكة تغييرات كبيرة، حيث يتم تنفيذ الرؤية السعودية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقد بدأ التغيير الحاد والهيكلي في المجتمع واقتصاد البلاد. وتشهد البلاد مشروعات تنموية ضخمة وطموحة.
وتضع الرياض استراتيجية تنويع اقتصاد المملكة للحد من التعويل على النفط والغاز، في محاولة لتغيير البلاد من دولة ريعية إلى مجتمع متنوع ومستدام في المستقبل. وفي مواجهة التغيرات المتزايدة داخليًا كتسجيل معدلات بطالة مرتفعة نسبيا بين الشباب، ونقص الشركات الصغيرة والمتوسطة، هناك حاجة واضحة لتوليد كميات كبيرة من الوظائف، ودعم إدماج النساء، وتوليد إيرادات إضافية غير بترولية. ومع زيادة انفتاح البلاد على الاقتصاد، تتطلع المملكة بشكل متزايد إلى المنطقة العربية والى الشرق. اذ أن تعاونها المتنامي مع روسيا والصين والهند، لن يؤدي فقط إلى تحولات جيوسياسية وشيكة للتحالفات الاقتصادية والعسكرية التاريخية، ولكن أيضًا سيفتح الأسواق المحلية لمزيد من المنافسة الدولية. في المقابل ستزيد فرص التصدير، حيث أن الاقتصاد آخذ في التنوع بوتيرة سريعة بفضل تطوير البنية التحتية والمطارات والموانئ واعتماد التكنولوجيا الفائقة وتطوير سياسة زراعية وغذائية وتعزيز الاستثمار في مجالات الثروة المائية والدفاع والأمن[23].
وعلى صعيد آخر، من المتوقع ان تستفيد المملكة من جهودها الديبلوماسية من اجل احياء التكامل العربي والتعاون الخليجي. حيث ان تحقيق العى مستويات التكامل سيمكن المملكة من زيادة تعزيز مبادلاتها التجارية مع الدول العربية.
وقد شهدت العقود القليلة الماضية تقدمًا ملحوظًا في التعاون الاقتصادي، في الخليج والمنطقة العربية ككل، حيث لعبت المملكة دورًا حاسمًا في تفعيل وتطوير مشاريع التعاون للتعامل بجدية مع تحديات العولمة والتشكيل المصاحب لتكتلات إقليمية قوية. خلال المرحلة المقبلة، ستواصل المملكة جهودها لدعم المسيرة المشتركة لدول الخليج العربي نحو أعلى مستويات التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. بالإضافة إلى ذلك، ستكثف المملكة جهودها لتنمية التعاون الاقتصادي والتجارة مع الدول العربية الأخرى البلدان في المصالح المشتركة لجميع الأطراف. كما ستعمل المملكة بالتعاون مع الدول العربية الأخرى لتسريع تنفيذ المشروعات الاقتصادية المشتركة التي تم تبنيها، بما في ذلك السوق العربية المشتركة[24].
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)
[1] أنظر تحديث منصة البيانات الاقتصادية الدولي CEICDATA، مبنية على أرقام صندوق النقد الدولي، https://www.ceicdata.com/en/indicator/saudi-arabia/forecast-real-gdp-growth
[2] H. Plecher, Statista, Saudi Arabia: Gross domestic product from 2014 to 2024 (in billion U.S. dollars), May 14, 2019, https://www.statista.com/statistics/268059/gross-domestic-product-of-saudi-arabia/
[3] أنظر تحديث منصة البيانات الاقتصادية الدولي CEICDATA، مبنية على أرقام صندوق النقد الدولي، https://www.ceicdata.com/en/indicator/saudi-arabia/forecast-real-gdp-growth
[4] Saudi Arabia Electric Motor Market 2019-2025: Market Revenues are Projected to Grow at a CAGR of 5.2% – ResearchAndMarkets.com.
[5] Anita Hawser, Saudi Arabia Forms New Defence Company, defenceprocurementinternational, 23 May 2017, https://www.defenceprocurementinternational.com/news/land/saudi-arabian-military-industries
[6] David Simpson, Saudi Arabia forecast for 20 million arrivals by 2020, CABI, 24 October 2016, https://www.cabi.org/leisuretourism/news/25263
[7] UNCTAD, Wolrd investment report 2018, investment and new industrial policies, https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/wir2018_en.pdf
[8] UNCTAD, Wolrd investment report 2018, investment and new industrial policies, https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/wir2018_en.pdf
[9]
[10] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf
[11] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf
[12] انظر تقرير الصادرات والواردات للمكلة العربية السعودية فبراير 2019، الهيئة العامة للإحصاء، https://www.stats.gov.sa/sites/default/files/merchandise_exports_and_imports_of_the_kingdom_of_saudi_arabia_-february_2019ar.pdf
[13] Oxford Business Group, Saudi Arabia well placed to take advantage of its trade and investment strengths, report, https://oxfordbusinessgroup.com/overview/centre-stage-kingdom-well-placed-take-advantage-its-strengths
[14] Mohammad Rumzi Tausif, Mohammad Imdadul Haque, Market dynamics and future prospects of the automobile industry in Saudi Arabia, article, Volume 16 2018, Issue #4, pp. 246-258, Thursday, 22 November 2018, https://businessperspectives.org/component/zoo/market-dynamics-and-future-prospects-of-the-automobile-industry-in-saudi-arabia
[15] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf
[16] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf
[17] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf
[18] Research and Markets, Future of the Saudi Arabian Defense Industry – Market Attractiveness, Competitive Landscape and Forecasts to 2024, report, March 2019, https://www.researchandmarkets.com/research/vhxmnk/future_of_the?w=4
[19] Oxford business Group, Diversification efforts localise arms manufacturing in Saudi Arabia, report, https://oxfordbusinessgroup.com/overview/evolving-defence-diversification-efforts-drive-localisation-arms-manufacturing
[20] David Hundeyin, Howdy Arabia! U.S. to Overtake Saudi Arabia as World’s Biggest Oil Exporter by 2025, CNN, News, U.S. Business News, U.S. Politics, march 2019, https://www.ccn.com/u-s-supplant-saudi-arabia-worlds-top-oil-exporter
[21] David Hundeyin, Howdy Arabia! U.S. to Overtake Saudi Arabia as World’s Biggest Oil Exporter by 2025, CNN, News, U.S. Business News, U.S. Politics, march 2019, https://www.ccn.com/u-s-supplant-saudi-arabia-worlds-top-oil-exporter
[22] Verocy consultance report, https://verocy.com/regions/saudi-arabia/
[23] Verocy consultance report, https://verocy.com/regions/saudi-arabia/
[24] انظر مخطط التنمية السعودية التاسع، https://www.mep.gov.sa/en/AdditionalDocuments/PlansEN/9th/Ninth%20Development%20Plan%20-%20Chapter%203%20-%20Long%20Term%20Straregy%20For%20The%20Saudi%20Economy%20.pdf