التحديات الأمنية والاقتصادية لمونديال قطر 2022

تقرير يرصد توقع زيادة المخاطر الأمنية المصاحبة لكأس العالم في الدوحة في حال استمرار الأزمة الخليجية أحداث مهمة

31 يوليو، 2019


  • مخاطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية

  • الحاجة الى نحو متوسط 100 ألف رجل أمن وعسكري لتأمين المباريات

  • اللجوء الى الإنتربول والناتو، وماذا عن درع الجزيرة والقوة الأمنية الخليجية؟

  • إنفاق ضخم بدون مردود اقتصادي قريب المدى

  • توقعات بتراجع إيرادات السياحة القطرية إذا استمرت الازمة الخليجية لعام 2022

  • نصف ملاعب قطر تفتقد الاستغلال الأمثل بعد نهاية كاس العالم

 

31 يوليو 2019

قسم أبحاث المركز (MenaCC)

تقرير

ملخص التقرير : مع استمرار الأزمة الخليجية وعدم تشارك عمان والكويت مع قطر في استضافة كأس العالم 2022، زادت توقعات مخاطر تكبد قطر خسائر اقتصادية جراء تنظيم فعاليات المونديال بمفردها وذلك لتوقع انخفاض عدد الزوار والسياح الأجانب خلال شهر المونديال، بالإضافة الى زيادة احتمال تحديات الأمن، فضلاً عن احتمال بقاء نصف ملاعب قطر المخصصة لكأس العالم والمنشأة خارج الدوحة خصوصاً خاوية بعد نهاية البطولة.

وحسب رصد قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (menacc) فان تنظيم قطر بمفردها لفعاليات كأس العالم تحدٍ وان نجحت الدوحة في الظفر به لكنه يطرح مخاطر عالية على البلاد إذا انفجر صراع إقليمي ضد إيران، أو في حال صحوة التنظيمات الإرهابية، أو إذا تطورت حدة الأزمة الخليجية. وخلال الثلاث سنوات الفاصلة عن موعد تنظيم كأس العالم، تبقى هذه المخاطر قائمة على الرغم من استبعاد احتمال الحرب ضد إيران.

1-   التحديات الأمنية

تبدو قطر مثلها مثل بقية دول الخليج ليست في مأمن من التغيرات الجيوستراتيجية التي قد تحدث في المنطقة وخصوصاً فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب والتطرف التي خفتت ولكنها لم تختفي على الأرجح، فهي مرتبطة باستمرار لهيب النزاعات وخطاب الكراهية والطائفية في دول الشرق الأوسط (سوريا واليمن والعراق) والتي تمثل حزام الخليج. والذي يمثل خطراً حقيقياً الى جانب شبح الإرهاب هو احتمال انفجار صراع مسلح ضد إيران قد يذكي مشاعر النزاعات الطائفية والانتقامية، ويعطي غطاء لتجدد الإرهاب في أشكال جديدة قد تطال تداعياته دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تكون حينها قطر مضطرة لمضاعفة تأمين كأس العالم، كأن تضع شرطياً على كل زائر أو مقيم مثلاً مخافة عودة ظاهرة الذئاب المنفردة التي هددت ملاعب فرنسا في 2015 حين حدثت ثلاثة تفجيرات انتحارية في محيط ملعب فرنسا في ضاحية باريس الشمالية وتحديداً في سان دوني.

لكن إشكالية تأمين كأس العالم قد تجد حلولاً كثيرة بغض النظر عن المتغيرات الإقليمية، ومن بين الحلول توفر جهود جماعية من دول مجلس التعاون لتأمين فعاليات المونديال إذا حُلّت الأزمة الخليجية وعادت العلاقات القطرية الخليجية الى سابق عهدها ما قبل الأزمة. وبالتالي فان تفعيل منظومة درع الجزيرة والاتفاقية الأمنية الخليجية ستسمح بتقليص مختلف التهديدات الممكنة التي قد تواجه أكبر تظاهرة شعبية في العالم تنظم في أول بلد عربي في تاريخ فعاليات المونديال. الى ذلك تبرز الحاجة الملحة لرفع مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول الخليج لمنع أي اختراق أمني للمونديال.

وحسب أحدث تقييم للفيفا في 2013 للمخاطر التي قد تواجهها الدولة المستضيفة لكأس العالم، فان أهمها تمثل في التوترات السياسية على المستوى الوطني أو الإقليمي، العداوة التاريخية بين الفرق أو أنصارهم، السيطرة على الحشود، والكوارث الطبيعية، والتهديدات الإرهابية.

جهود مكافحة الإرهاب تتطلب زيادة جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول الخليج والمنطقة

التظاهرات الدولية على غرار كأس العالم تحتاج إلى توحيد عالمي تدريجي لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب والشغب والأعمال غير القانونية التي قد تصاحب الأحداث الرياضية الضخمة. ونظرا لأن قطر ليست لديها تجارب في تنظيم أحداث رياضية ضخمة على غرار كأس العالم، تولي الإدارة المنظمة اهتماماً خاصاً بالتهديدات الأمنية وتأمين الدعم الكامل من السلطات المحلية والإقليمية والدولية المختصة. وقد يترتب عن ذلك ضرورة الأخذ بمشورة الخبراء وتبادل المعلومات الاستخباراتية خصوصاً فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية.

ويبدو أن قطر استبقت ذلك بالاتفاق مع “الانتربول الدولي” و”حلف الناتو” من أجل تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتأمين فعاليات كأس العالم. وقد لا يكون الغطاء الأمني الدولي كافٍ لتعزيز الأمن خصوصاً أن التعاون الإقليمي تحت مظلة مجلس التعاون يبدو مُلحاً وحيوياً، وهذا ما أظهرته مسيرة دول المجلس في مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والنجاح في استباق أحداث الإرهاب العابر للحدود.

ويمثل أكبر رهان بالنسبة للدوحة هو إنجاح المونديال لنقل صورة مشرقة ومعاصرة عن قطر ودول العرب داحضة صورة التخلف والتطرف ومعبرة عن ثقافة التسامح والتطور الذي بلغه العربي اليوم. وبقدر تكاتف الجهود الخليجية والعربية مع قطر لإنجاح هذه التظاهرة بقدر احتمال تراجع المخاطر والتهديدات. لكن في حال استمرار علاقات القطيعة بين قطر وثلاث دول خليجية ومصر، فقد يصبح جهد قطر لتأمين كأس العالم مضاعفاً خصوصاً في ظل محيط إقليمي متوتر.

وتتألف جهات المصالح المتداخلة مع تنظيم كأس العالم من ممثلين عن القطاعات العامة والخاصة والتطوعية على المستويات المحلية والاقليمية والدولية. وتشمل أجهزة الاستخبارات الوطنية والدولية، وإدارات الأمن الداخلي، ووكالات الاستخبارات أو الشرطة المخصصة لتنظيم الأحداث الدولية، وشرطة الحدود والهجرة، وقوات الشرطة العادية، والعسكريين، والشركات العسكرية الخاصة، ووكالات الأمن المعينة من قبل منظمي الحدث[1]. على سبيل المثال اعتمدت جنوب أفريقيا في استضافتها لكأس العالم 2010 على الجهات الأمنية الفاعلة المحلية والخارجية التي تعكس الطابع فوق الوطني والدولي للأمن. وتم توثيق جهود متطلبات التخطيط لمنع الهجمات الإرهابية والتكاليف المرتبطة بذلك. ويشير رصد حركة الأموال المدفوعة للإرهاب إلى أن الإطار العالمي للأحداث الرياضية الضخمة يمثل أهدافاً مفضلة للإرهاب[2]. وهذا ما قد يجعل قطر مستهدفة كونها وجهة قريبة من مناطق النزاع التي تؤوي خلايا نائمة ونشطة من المتطرفين خصوصاً تنظيما “القاعدة” و”داعش”.

ومن الصعب في بعض الأحيان التعرف على شخصية الإرهابيين بين نصف مليون زائر دفعة واحدة وتوقع ملايين السياح خلال العام نفسه الذي سيشهد تنظيم المونديال. وتمثل فعاليات كأس العالم والازدحام المصاحب لها فرصة لتسلل الإرهابيين. فعلى سبيل المثال هدد تنظيم “داعش” بالقيام بأعمال إرهابية خلال مونديال روسيا 2018[3]. كما أن الاستخدام المكثف لقطاعات الضيافة والسياحة والحفلات المرتبطة بالحدث والتي تقع خارج الملاعب، (على غرار مناطق مشاهدة الجماهير خارج الملاعب)، فضلاً عن الفنادق والمطاعم، كلها أماكن يمكن أن يستغلها الارهابيون لتكون مكان وقوع حادث إرهابي. ولمواجهة هذه المخاطر خارج الملاعب، نصت الفيفا في 2013 على أنه: “يُمنع منعًا باتًا الترويج أو الإعلان عن الرسائل السياسية أو الدينية أو أي أعمال سياسية أو دينية أخرى، داخل الملعب أو بالقرب منه مباشرةً بأي شكل من الأشكال قبل وأثناء وبعد المباريات”[4]. وهذا ما يفرض توفر قوة دعم أمني ولوجيستي كبيرة.

وفيما يتعلق بتحديد التفويضات الأمنية لكأس العالم، تميل أجهزة الأمن والشرطة في الدولة المضيفة إلى تركيز اهتمامها على منع التهديدات من الجريمة، والأنشطة غير القانونية، والفوضى والمتطرفين المحليين أو الدوليين. كما يشترط هناك وجود عسكري وطني ودولي واسع النطاق خلال الفعاليات، يزداد بما يتماشى مع “الحرب على الإرهاب”.  لذلك اهتمت قطر بالاستعانة بقوات من بعض الدول العربية والإسلامية كباكستان[5]. لكن هناك تحد يتمثل في أن تؤدي الرقابة الأمنية المشددة أو التطبيق الصارم للوائح المقيدة بشكل مفرط، إلى توترات بين مختلف الجماهير، مثل المتفرجين الذين قد يشعرون أن بعض تدابير السلامة والأمن التقييدية تقيد تمتعهم بالحدث[6].

تركز الأنشطة في الدوحة يضاعف التحديات الأمنية

من المتوقع أن تؤوي الدوحة وضواحيها على الأرجح ان لم تتشارك معها دول أخرى في احتضان فعاليات كأس العالم 2022 أكثر من متوسط نصف مليون زائر من المتفرجين على امتداد شهر كامل لفعاليات التظاهرة الكروية الأكثر شعبية على كوكب الأرض فضلا عن ألاف السياح الذين سيقصدون الدوحة خلال الشهر نفسه. وبمقارنة مساحة الدوحة الصغيرة وكثافة الزوار ستكون العاصمة الأكثر اكتظاظا على مر تاريخها وهو ما سيضاعف التحديات الأمنية. اذ أن أي حادث إرهابي قد يكون كارثيا نظرا للكثافة العددية التي ستشهدها جل المناطق القطرية وخصوصا الدوحة.

ونظرا لأن الدوحة وضاحيتها الرئيسية الريان، تؤوي ما نسبته 83% من عدد السكان، كما تعد المركز التجاري والثقافي للبلاد[7]، فان كثافة تنقل الزوار والمتفرجين أثناء فعاليات كأس العالم ستتركز بالعاصمة، وهوما يمثل تحد ضخم لتنظيم تنقل ومأوى الزوار وتأمينهم وضمان أمن البلاد والمرافق الحيوية المتركزة بدورها في الدوحة.

مثل هذه التحديات التي سعت السلطات القطرية تطمين الفيفا بشأنها خصوصاً من خلال توقع انتشار أمني كثيف والاستعانة بشرطة الإنتربول ودعم منظمة حلف الشمال الأطلسي “الناتو”، قد لا تكون كافية عملياً خصوصا أن متوسط تقديرات حجم القوات القطرية (36 ألف[8]) لا يكفي لمتوسط حجم أفراد الأمن الذي وفرته الدول المضيفة لكأس العالم في العشرية الأخيرة، حيث كان حضور معدل الشرطة والقوات العسكرية بمتوسط 100 ألف بين شرطي وعسكري (كأس العالم بروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا).

وإذا افترضنا أن قطر بحاجة للعدد نفسه التي وفرته هذه الدول لتأمين كأس العالم فيترتب على الدوحة الاستعانة بنحو (65 ألف عنصر أمن اضافي) من خلال الاتفاق مع قوات عربية ودولية أو اللجوء الى شركات أمن خاصة أو توظيف وقتي لحراس أمن من دول أخرى. لكن ما هو مثير للجدل هو عدم ذكر أي معلومة لحد اليوم عن مدى استعانة قطر بالقوات الأمنية الخليجية أو قوات درع الجزيرة توازياً مع الانتربول وقوات الحلف الشمال الأطلسي.

تحديات التطرف والهجرة غير الشرعية والقرصنة

وان اعتبرت قطر من بين أكثر دول العالم أماناً، ومن بين الأقل تسجيلاً للجريمة وفقًا لتقرير حول التنافسية في مجال السياحة والسفر الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي[9] فان ذلك لا يمنع من الوقوف عند تحديات تفرضها طبيعة كأس العالم الدولية كونها منافسة قد تستقطب دولاً بينها حساسية أو توتر سياسي، وهو ما يجعل مخاطر تأمين الجماهير والمرافق العامة عالية. ونظرا لمواقف قطر السياسية إزاء بعض الدول والقضايا كالربيع العربي والنزاع في سورية واليمن وعلاقتها المتوترة مع بعض الدول العربية، فان احتمالات المخاطر على قطر قد تزيد إذا ظلت التوترات على حالها وقد تكون لها تداعيات سلبية خلال فعاليات كأس العالم قد تأخذ أشكال أعمال شغب وعنف وكراهية وسرقة. فنظرا لأن المجتمع القطري يعيش حالة رفاهية فان خطر حوادث السرقة يبقى ورادا على الرغم من أنها نادرة في المجتمعات السكنية الخاضعة للحراسة.

كما تبرز أيضا تحديات الهجرة غير الشرعية، فقطر تمثل وجهة هجرة مفضلة للعمل، وقد تمثل هذه الميزة تحد كبير تواجها السلطات القطرية، حيث سيرتفع احتمال مخاطر الهجرة غير القانونية. فاذا كان معدل زوار كأس العالم المتوقع عند نحو نصف مليون من خارج البلاد، فاحتمال أن يختار 1 في المئة من هؤلاء الاستقرار في البلاد بصورة غير قانونية من اجل العمل يمثل تحد ضخم للسلطات القطرية.

على صعيد آخر، تعتبر قطر دولة محافظة، وان تقيم على أرضها أجناس وطوائف مختلفة، الا أنها تأوي بعض الإسلاميين التي تتهمهم بعض الوكالات الأمنية الإقليمية أو الدولية بالتطرف. وقد يمثل وجود هؤلاء في الدوحة ان صحّ وجودهم تحد أمنى آخر. اذ أن احتمال استنكار بعضهم للأعمال غير الأخلاقية التي عادة ما تصاحب فعاليات كأس العالم، يبقى تحد وارد، كاحتمال التعبير عن رفضهم لها بشكل متطرف بدعوى أنها مظاهر غير مألوفة على البيئة الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع القطري المحافظ.

والى جانب كل هذه التحديات واحتمالات المخاطر، ينضاف اليها خطر القرصنة. اذ تتعامل قطر مع الأمن السيبراني على محمل الجد، وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، كانت ضحية للعديد من الهجمات الإلكترونية رفيعة المستوى التي تم الإبلاغ عنها علنًا على مواقع الحكومة والإعلام وعلى شبكات صناعة الطاقة. وتعد قطر واحدة من عدد قليل جدا من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي لديها تشريعات حول الأمن السيبراني[10].

2-   التحديات الاقتصادية

برز تحد كبير أمام قطر يتمثل في الإيرادات المحدودة المتوقعة من كأس العالم مقارنة بحجم الانفاق الضخم المقدر بنحو 200 مليار دولار. اذ يعد هذا الانفاق الأكبر في تاريخ بطولة كأس العالم. فمستوى إنفاق كل من روسيا والبرازيل وجنوب افريقيا لم يتعدى متوسط نحو 8 مليار دولار. لكن أغلب الدول المستضيفة لكاس العالم استفادت اقتصادياً وجنت أرباحاً تغطي انفاقها خصوصاً من ناحية تعزز الإيرادات السياحية.

لكن ونظرا لأن قطر بلد محافظ ولا تصنف بامتياز كوجهة سياحية حتى في ظل رؤيتها 2030 فمن المرجح ان لا تكون هناك استفادة كبيرة على مستوى الإيرادات السياحية، اذ لا يتوفر بقطر تنوع المنتوج السياحي او المعالم السياحية التي تدفع بالزوار الأجانب للقدوم خصيصاً من أجلها. فالدوحة لطالما تعتبر وجهة سياحة أعمال واستثمار بامتياز.

قطر الأقل استفادة من تنظيم كأس العالم مقارنة بالدول المستضيفة سابقا

تبلغ تكلفة تنظيم كأس العالم بقطر 2022 ما يقارب من 75 ضعف ما أنفقته جنوب أفريقيا في نسخة كأس العالم في عام 2010 ونحو 14 مرة أكثر مما انفقته البرازيل وروسيا لاستضافة البطولة.[11] وقال تقرير أصدرته شركة “ديلويت” للاستشارات في قطر إن الدوحة ستنفق 200 مليار دولار على مشاريع بناء لاستضافة كأس العالم 2022. وستذهب الغالبية العظمى من هذا المبلغ، حوالي 140 مليار دولار، إلى البنية التحتية للنقل، بما في ذلك مطار جديد وطرق ونظام مترو، لاستيعاب ما يقرب من نصف مليون زائر من المتوقع أن يحضروا فعاليات كأس العالم 2022[12]. في المقابل كلف البناء والإعداد لكأس العالم 2018 نحو 11.8 مليار دولار لروسيا. لكن يقول المنظمون إن روسيا حصلت على مبلغ 15 مليار دولار من كأس العالم[13]. وهذا ما يعني ان روسيا حصدت أرباحاً غطت حجم انفاقها.

وفي ظل عدم وجود أي أرقام نهائية حول مقدار ما كسبته جنوب إفريقيا إجمالاً من كونها البلد المضيف، قال التقرير إن كأس العالم ترك إرثًا غير ملموس من الفخر والوحدة بين جنوب إفريقيا، وغير صورة البلاد[14]. وتوقعت دراسة أجرتها شركة تحليل المخاطر والشؤون المالية جرانت ثورنتون زيادة قدرها 6 مليارات دولار على المدى المتوسط لاقتصاد جنوب إفريقيا نتيجة لكأس العالم[15]في مقابل حجم إنفاق محدود بلغ نخو 3 مليارات دولار.

وبذلك فان أغلب الدول المستضيفة حققت مكاسب اقتصادية من كأس العالم على المدى القريب، والمتوسط والبعيد المدى. أما في نموذج الانفاق القطري الضخم، فان توقعات تحقيق قطر لأرباح من كأس العالم ستكون على المدى الطويل وليس القريب. اذ أن معدل ما كسبته روسيا على سبيل المثال يمثل 7.5 في المئة من اجمالي تكلفة تنظيم قطر لكاس العالم.

منشئات ضخمة بدون أنشطة متوقعة وبدون فائدة اقتصادية عقب كأس العالم

بسبب فائض الملاعب عن حاجة الحجم الديمغرافي القطري الحقيقي المتركز بالدوحة، فان القدرة الاستيعابية لملاعب قطر بعد استكمال الملاعب السبعة المخصصة لكأس العالم ستناهز نحو 555 ألف مقعد، أي ما يفوق اجمالي عدد القطريين حسب آخر التقديرات الإحصائية لمواطني قطر[16]. وقد تكون الزيادة الكبيرة في عدد المنشآت الرياضية القطرية ذات فائدة وجدوى لأجيال قطر المستقبليين على المدى البعيد وليس القريب. اذ تضم قطر نحو 23 ملعبا موزعا على جل مناطق البلاد مع تركز غالبيتهم في الدوحة وضواحيها. ومن بين هذه الملاعب خصصت قطر ثمانية ملاعب ستحتض فعاليات كأس العالم قدرت سعتها بنحو 392 ألف متفرج، ومن بينها 7 ملاعب جديدة خصيصا لكأس العالم بسعة 352 ألف متفرج[17]. ومثلت هذه الطفرة النوعية في عدد الملاعب وحجمها استباقا لرؤية قطر 2030. لكن يبقى نمو القطريين بطيئا وقد لا تستغل كل هذه الملاعب في الأنشطة الرياضية والدوري المحلي الاستغلال الأمثل الا في حالة تنظيم قطر سنويا لتظاهرة كروية دولية أو إقليمية.

وتواجه نصف ملاعب قطر المخصصة لاستضافة كأس العالم تحديات محدودية الاستغلال خصوصا تلك الواقعة في مدن تقل فيها الكثافة السكانية او المدن المخططة الجديدة غير الآهلة بالسكان مثل لوسيل التي تحتضن أكبر ملعب خليجياً وقد يكون عربياً بسعة 86 ألف متفرج. هذه المدينة حديثة يتم تشييدها حالياً شمال مدينة الدوحة عاصمة دولة قطر وتبلغ المساحة الإجمالية لمدينة لوسيل 38 كيلومتراً مربعاً وتوجد بها 4 جزر و19 منطقة تجارية، ومخططة لتستوعب 450 ألف نسمة. وفي عام 2030، من المرجح أن يصل عدد سكان قطر إلى 3.7 مليون نسمة لكن سيظل صافي الهجرة المحرك الرئيسي للنمو السكاني، وهو ما يمثل 68.6 ٪ من هذه الزيادة. وسيشكل القطريون أقل من خمس مجموع السكان.[18]

وبالتالي فان جدوى استغلال مثل هذه الملاعب الضخمة ذات السعة الكبيرة محدودة على المدى القريب. وبعد انتهاء قطر من جل الملاعب الجديدة ستصبح الأولى خليجيا من حيث سعة ملاعبها. اذ تجاوزت قدرة استيعاب ملاعب قطر التي يقيم فيها نحو 2.7 مليون نسمة ضعفي قدرة استيعاب ملاعب تونس على سبيل المثال التي تعد 12 مليون نسمة. وبالتالي فان استفادة الموطنين او الدولة من ملاعب كلفت مليارات الدولار لن تكون مجدية الا في حالة استمرار استضافة قطر لأكثر من نسخة كأس عالم على التوالي على أرضها لمعادلة حجم انفاقها بأرباحها.

وتجدر الإشارة الى أن ملاعب قطر الضخمة بعد كأس العالم في بعض المدن خارج الدوحة لا تتناسب مع الكثافة السكانية الضعيفة مقارنة بالعاصمة حيث احتلت بلدية الدوحة المركز الأول من حيث عدد السكان حيث سجلت 956 ألفا و460 نسمة مستأثرة بنحو 39.8 بالمائة من إجمالي عدد السكان ثم الريان التي سجلت 25.2 بالمائة، فالوكرة بنسبة 12.4 بالمائة لتتوزع باقي النسب على بلديات الخور والذخيرة[19].

بسبب الأزمة الخليجية توقعات بمحدودية الإيرادات السياحية خلال كاس العالم

من المحتمل ان تتعرض إيرادات السياحة القطرية خلال 2022 الى انكماش في حال استمرار الازمة الخليجية. فقطر خصصت نحو 20 مليار دولار للبنية التحتية السياحية على هامش فعاليات كاس العالم متوقعة ارتفاع عدد السياح ليصل إلى 3.7 مليون سنويًا بحلول عام 2022[20]. لكن منذ اندلاع الأزمة الخليجية وعدد السياح في تراجع. فعلى سبيل المثال استقبلت قطر نحو 535 ألف زائر في الربع الأول من عام 2018، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 38٪ مقارنة بالربع المماثل من عام 2017. ويأتي هذا الانخفاض نتيجة للتطورات السياسية في المنطقة، الناجمة عن قطع أربع دول عربية لعلاقاتها مع قطر منذ يونيو 2017[21]. ووفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتنمية والإحصاءات القطرية فان نحو 1.8 مليون شخص زاروا قطر العام الماضي، وهذا العدد مدفوع بتدفق قوي للمسافرين من دول في آسيا وأوروبا. ومن إجمالي عدد الزوار، كان 41 في المائة من مناطق آسيا[22]. ولذلك يبدو أن هدف رفع عدد زوار قطر الى 3 أضعاف في غضون ثلاث سنوات فقط يعتبر تحدياً في ظل الازمة الخليجية الراهنة.

وعلاوة على ذلك، حذرت بعض التقارير من أن الملاعب ذات الاستيعاب المحدود عالمياً في قطر مقارنة بدول أخرى مثل البرازيل وروسيا تعني انخفاض الدخل من التذاكر ومبيعات شركات السياحة والسفر[23]. فعلى سبيل المثال وفقًا للأرقام الحكومية، زار مليون سائح أجنبي البرازيل خلال هذا الحدث الذي استمر لمدة شهر، وهو ما يتجاوز بكثير توقعاتها قبل كأس والتي بلغت 600 ألف زائر قادمين إلى البلاد من الخارج[24]. وفي أعقاب المباراة النهائية لكأس العالم بروسيا، أكدت الفيفا أن النسخة الروسية من كأس العالم قد استقبلت 7.7 مليون زائر بالمقارنة مع 5.2 مليون زائر في نسخة 2014[25] في إطار السياحة. وبذلك تبدو إمكانات منافسة الدوحة لمثل روسيا وغيرها من الدول المستضيفة لكاس العالم على مستوى جذب السياحة محدودة نظرا لمحدودية الجغرافيا، فقطر البلد الأصغر مساحة بين الدول التي استضافت نسخة المونديال على مر تاريخه، وأيضا الأقل تنوعاً جغرافياً وبيئياً وسياحياً. وبالتالي فان انتظارات قطر من كأس العالم قد تكون واعدة ولكن على المدى البعيد وقد تكون فرصة لتسويق إمكانات قطر الاستثمارية ضمن رؤية 2030.

 

المصدر: قسم الأبحاث في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية

 

 

[1] Tracy Taylor, Managing Security at the World Cup, Jan 2014, Researchgate, https://www.researchgate.net/publication/304860245_Managing_Security_at_the_World_Cup/download
[2] Tracy Taylor, المرجع نفسه
[3] Paul Antonopoulos, ISIS Threatens To Attack World Cup In Russia, 18 may 2018, https://www.fort-russ.com/2018/05/isis-threatens-to-attack-world-cup-in-russia/
[4] Tracy Taylor, مرجع سابق
[5]Tariq Panja, Football’s 2022 World Cup in Qatar likely to have Pakistan army guard
[6] Tracy Taylorمرجع سابق
[7]  أنظر بوابة وزارة الداخلية القطرية الالكترونية، المدن،
[8] 2017 Qatar Military Strength. Jump up to:a b “The SIPRI Military Expenditure Database”. Stockholm International Peace Research Institute. Archived from the original on 28 March 2010. Retrieved 1 January 2015.
[9] Qatar 2019 Crime & Safety Report, Political Violence; Crime; Terrorism, Qatar > Doha
2/26/2019, The current U.S. Department of State Travel Advisory at the date of this report’s publication assesses Qatar at Level 1, indicating travelers should exercise normal precautions, OSAC, https://www.osac.gov/Pages/ContentReportDetails.aspx?cid=25641
[10] Qatar 2019 Crime & Safety Report, المرجع نفسه
[11] DOHA NEWS TEAM, Time: Why Qatar is spending $200 billion on 2022. July 2013, https://dohanews.co/time-why-qatar-is-spending-200-billion-on-2022/
[12] DOHA NEWS TEAM, مرجع سابق
[13]Russia Received $15Bln Windfall From World Cup, Organizers Say, october 2018,
https://www.themoscowtimes.com/2018/10/16/russia-received-15bln-windfall-from-world-cup-organizers-say-a63203
[14] Gerald Imray, South Africa spent $3 billion on 2010 World Cup, washigton times, november 2012, https://www.washingtontimes.com/news/2012/nov/23/south-africa-spent-3-billion-2010-world-cup/
[15]Gerald Imrayالمرجع نفسه،
[16] Qatar Population 2019, http://worldpopulationreview.com/countries/qatar-population/
[17]  أنظر قاعدة البيانات المخصصة لملاعب كأس العالم قطر 2022، http://stadiumdb.com/tournaments/world_cup/2022
[18] Qatar in 2030: The Future Demographic, Feb 2017, Euromonitor International, https://www.euromonitor.com/qatar-in-2030-the-future-demographic/report
[19]  أنظر نتائج التعداد العام المبسط للسكان والمساكن والمنشآت 2015، قطر، وكالة الانباء القطرية، منشور في الشرق، أكتوبر 2015، https://www.al-sharq.com/article/20/10/2015/2-5-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-2015
[20] DOHA NEWS TEAM, مرجع سابق
[21] Tourism Performance Report Q1 2018, tourisme authority of qatar, 2018. https://www.visitqatar.qa/binaries/content/assets/corporate/statistics/en/2018/000444—tourism-performance-report-english-13-05.pdf
[22] 1.8 million travelled to Qatar in 2018, says Ministry, feb 2019, https://www.iloveqatar.net/news/travel/1-8-million-travelled-to-qatar-in-2018-says-ministry

[23] AP, World Cup spending, profits set to fall short of record sums

Published in USATODAY, June 5, 2018, https://www.usatoday.com/story/sports/soccer/2018/06/05/world-cup-spending-profits-set-to-fall-short-of-record-sums/35708503/
[24] Talia Marcopoto, Brazil claims ‘victory’ in World Cup, CNN, 16th July 2014, https://edition.cnn.com/travel/article/brazil-world-cup-tourism/index.html

[25] FIFA, 7.7 million football fans visit FIFA Fan Fest during Russia 2018, 19 july 2018, https://www.fifa.com/worldcup/news/7-7-million-football-fans-visit-fifa-fan-fest-during-russia-2018