حزب النهضة الاسلامي ينقلب مرتين على التونسيين

تقرير يرصد سعي حركة النهضة الاسلامية ضمن الانتخابات المقبلة للسيطرة الناعمة على الرئاسة والبرلمان أحداث مهمة

28 أغسطس، 2019


  • تشتت الليبراليين يغري إسلاميي تونس للهيمنة على السلطة

  • النهضة وسياسة المرحلية: هل ينجح الإسلاميون في التفرد بالحكم في تونس؟

  • سياسات النهضة تشي بسعي الإسلاميين لجعل الغنوشي مرشد الثورة التونسية

 

28 أغسطس 2019

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير : تواجه تونس التي ستنتخب رئيسا جديدا لها بعد نحو أسبوعين سيناريوهات صادمة قد تدفع بالحزب الإسلامي المتأثر فكرياً بمدرسة حركة الاخوان المسلمين الى سيطرته ضمنياً على أهم مؤسسات البلاد الحيوية بعد دخول نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية السباق الرئاسي المبكر سبقه قرار مشاركة رئيس الحركة راشد الغنوشي على رأس قائمة حزبه للانتخابات التشريعية في طموح لترأس مجلس النواب. ولا يمكن استبعاد سيناريوهات احتمال سيطرة النهضة على الرئاسة والبرلمان في تطور ملحوظ يعكس حالة تشتت معارضي التيار الإسلامي المتمدد في تونس. وان لم تتعزز جبهة معارضي النهضة بالتحالفات الممكنة، فقد لا يكون مستغرباً أن تستقبل تونس أول رئيس إسلامي في تاريخها.

وحسب بحث أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) تناول بالدراسة تطور مواقف حركة النهضة الإسلامية إزاء الانتخابات الرئاسية المبكرة والتشريعية الوشيكة، فان حزب النهضة بترشيحه نائبه للانتخابات الرئاسية وزعيمه للانتخابات البرلمانية يعيش حالة ثقة مبالغ فيها ويمر بمرحلة غرور سياسي مستفيد من تفتت خصومه بعد انهيار حليفه في السلطة الحزب الحاكم (نداء تونس) وتفككه وتشتت بقية خصومه السياسيين وضعف شعبيتهم. وضع تشتت خصومه دفع حزب الإسلاميين للانقلاب مرتين على ناخبيه ناقضاً عهوده التي مكنته من كسب تعاطف شعبي آخذ في التقهقر تدريجياً منذ نجاح ثورة الياسمين.

انقلاب حزب النهضة على وعوده لناخبيه

الانقلاب الأول والذي أثر على شعبية النهضة تمثل في تنصل الحزب من أهدافه التاريخية كالالتزام بمبادئ ثورة الياسمين والقطع مع النظام القديم، فضلا عن غموض مواقف الحركة إزاء تحقيق اهداف تأسيسها كالمحافظة على القيم الإسلامية وتطبيق شعار “الإسلام هو الحل”. فبعد تمكن الإسلاميين طيلة سنوات ما بعد الثورة من توسيع نفوذها في الإدارة والمؤسسات الدولة، سارع للتنصل من هويته الإسلامية وإعلان تحوله الى حزب أقرب من العلمانية ظاهريا. لكن قد يكون هذا التحول عكس ما يبطن ويكون فقط للبروباغندا وقبول الحزب دولياً وكسب ثقة الراي العام المحلي والعربي والدولي. وهناك تشكيك في أن حزب النهضة غير ملتزم تمامًا بقطعه الارتباط الديني وان التحول كان مجرد عرض صورة من شأنها إرضاء العلمانيين التونسيين وحلفائهم في الغرب[1].

ونظرا لاعتقاد النهضة الراسخ ان صفة إسلامي باتت توحي الى الراديكالية والتطرف، سعت بكل قوة الى التنصل من صفة الإسلامية ووصف أعضائها بالإسلاميين، وشرعت خلال السنوات الأخيرة بتجديد نفسها وهويتها وتبني العمل الحزبي المدني. لكن هناك تخوف ان يكون هذه التغيير والانقلاب على الصورة النمطية هو مجرد مسايرة ومجاراة للوضع العام والاحداث ثم ما ان تتمكن من مقاليد السلطة قد تعاود تنفيذ رؤيتها الأصيلة التي كان أساس نشأة الحركة والتي يمكن اختزالها في الإصلاح وفق رؤية الإسلام.

لكن تبقى غايات التحول مبطنة ولا يمكن معرفتها الا على المدى المتوسط إذا تمكنت حركة النهضة من بسط قوتها الناعمة على مفاصل السلطة في تونس تدريجياً وهذا ما يلاحظه المتابعون بارتفاع سقف طموحات الإسلاميين الى حد السعي لإدارة الرئاسة والبرلمان والحكومة.

أم الانقلاب الثاني فتمثل في نقض قيادات النهضة الإسلامية لوعودهم وخاصة زعيم الحركة راشد الغنوشي الذي تعهد في أكثر من تصريح عقب ثورة الياسمين أنه لا يسعى للمناصب بقدر خدمة الشعب وتحقيق مبادئ الثورة. وفي حين أكد مرار انه يرتضي ان يبقى زعيماً لحزب بدون منصب في الدولة، انقلب مرة واحدة على تصريحاته ليقحم بنفسه ونائبه للتنافس على منصب رئيس البرلمان ورئيس البلاد في رغبة واضحة لكسب السلطة. وتبدو بذلك خطوة الإسلاميين للسيطرة على السلطة وان تأخرت الا انها توصف بكونها أنضج من خطوة حركة الاخوان في مصر لإدارة السلطة عقب الثورة. لكن مخطط النهضة على ما يبدو قد يصطدم بغضب شعبي قد يعبر عنه الناخبون في مكاتب الاقتراع وذلك بسبب ضعف سجل إنجازات النهضة الشعبية والاقتصادية كونها حليف في السلطة. ولمواجهة هذا الاحتمال قد تراهن حركة النهضة على توقع عزوف على الانتخابات وهو ما قد تستفيد منه في حال تشتت الأصوات لخصومها مقابل امتلاكها لأكبر قاعدة انتخابية مستقرة وملتزمة نسبياً بالولاء لقيادات الحركة وخيارتها.

تسويق الإسلاميين لزعيم حركة النهضة كمرشد للثورة التونسية

على صعيد آخر، بعد وفاة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي نهاية الشهر المنصرم، يسعى مريدو الإسلاميين في تونس (في الداخل والخارج) الى تصوير زعيم حركة النهضة الغنوشي كونه عراب وحكيم ومرشد ثورة الربيع العربي التي انطلقت من تونس في 2011 والتي أطاحت بالنظام العلماني الذي حكمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وسبقه الحبيب بورقيبة.

وكان الغنوشي والسبسي والرئيس الانتقالي السابق منصف المرزوقي من أكثر الشخصيات التي لمع نجمها في مرحلة الانتقال السياسي عقب الإطاحة بنظام بن علي. وتعمل حسابات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي الى جانب بعض منابر الاعلام الداخلي والخارجي والمتضامنة مع الإسلاميين الى تلميع صورة “النهضة الإسلامية” كونها الفريق السياسي الوحيد المتآلف والمنظم وغير المنقسم والقادر على إدارة شؤون البلاد. غير أن الأرقام والاحصائيات أظهرت فشل حكوميتين ادارهما قياديين في النهضة في تحسين مؤشرات الاقتصاد المتراجعة منذ 2011 رغم بعض التحسن الطفيف والمتراوح لعدد من القطاعات المستفيدة من عودة الامن كقطاع السياحة.

النهضة تنتهز فرصة تفتت خصومها وتطمح في السلطة الكاملة

بترشيح الحركة لرئيسها للتنافس التشريعي ونائبه للرئاسة، تعاود النهضة استنساخ طموح حركة الاخوان المسلمين في مصر لبسط الهيمنة على السلطة. وبدا أن دخول الإسلاميين للتنافس التشريعي والرئاسي يأتي بعد حسابات وتحليلات دقيقة للواقع السياسي المضطرب في تونس. حيث لا تسجل الحياة السياسية أي تكتل سياسي شعبي قوي يمكن أن يضاهي البناء الحزبي لحركة النهضة المنسجم ظاهريا والمتصدع داخليا. وبذلك فان قرار الحركة دخول التنافس على المناصب الرفيعة لإدارة شؤون البلاد في تونس لا يأتي متسرعا كما جرى مع اخوان مصر ولكن في توقيت مدروس بعد زيادة الانقسامات السياسية وتفتت المعارضين وضعفهم سياسيا وشعبيا في ظل زيادة اتهامات بعض المرشحين بتهم فساد او شكوك تحوم حول قدرتهم في العبور بتونس من أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة.

وخلافاً لوعودها بالتمسك بالمشاركة في الممارسة السياسية من قبة البرلمان فقط، فاقت طموحات النهضة الحديثة في العمل السياسي في تونس قدراتها على التغيير الذي يتطلع اليه التونسيون. وبدا اهتمامها بالسباق الرئاسي والتشريعي يعكس حالة انتهازية لعدم تماسك المكونات السياسية الاخرى والمعارضة لها بصفة خاصة، حيث تشير أرقام بعض مراكز استطلاعات الراي في تونس الى أنه وان تراجعت شعبية النهضة الا انها تبقى في ذهنية جزء من الناخبين التونسيين الحزب القوي على الأرض من ناحية التمويل والتنظيم وعدد المنتمين والأعضاء والمتعاطفين.

وقد بلغت حركة النهضة الاسلامية حالة من الغرور السياسي اذكاها استمرار توسع نفوذ النهضة القاعدي في جل التراب التونسي في ظل انهيار حليف النهضة العلماني ثاني أكبر حزب سابقا (نداء تونس) والذي تفكك وتصدع باستقالات اعضائه بعد رجيل زعيمه السبسي. ويعتقد الغنوشي ان حزب النهضة، أحد أكثر الأحزاب السياسية نفوذاً في العالم العربي ليعلن في وقت سابق تجاوز أصوله كحزب إسلامي معتنقاً بالكامل هوية جديدة سوقها كحزب من الديمقراطيين المسلمين[2].

وفي ظل عدم تمكن أي من الأحزاب الجديدة أو القديمة من تكوين جبهة متآلفة وقوية وممثلة بشكل واسع في التراب التونسي، يبقى حزب النهضة الأكثر تمثيلا في الجمهورية والأكثر امتلاكا لقواعد جهوية تمثل خزانا انتخابياً مستقرا رغم تراجع عدد المتعاطفين معه وخاصة الذين لم يستفيدوا من الوعود الكثيرة التي أطلقتها النهضة خلال الانتخابات السابقة والمتعلقة خصوصا بالتشغيل وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية الاخذة في التدهور سنويا مع حالة تضخم غير مسبوقة.

ومع استمرار حالة انقسام الأحزاب العلمانية وضعف الأحزاب الوليدة وكثرتها وعدم انسجاماها قياداتها، تراهن النهضة على استغلال الفرصة والظفر بأكثر النتائج وكسب السلطة بطرق سلمية وديمقراطية.

يذكر أن بدايات العمل السياسي لحزب النهضة عقب الإطاحة بنظام بن علي رفعت شعارات اسلامية أشار لها منذ البداية أمين عام الحزب السابق، حمادي الجبالي وتركزت على إطلاق وعود واهداف شعبوية تلامس عواطف النسبة الكبيرة من الشعب الداعية للمحافظة على القيم في ظل زيادة انفتاح على الغرب أثر على بعض القيم والعادات. الا أن هذا الانفتاح قد زاد على عكس توقعات ناخبي النهضة في السنوات الأخيرة وفي ظل وجودها في الحكم.

وكانت الشعارات الأولى لأعضاء الحركة بعد اول ممارسة للسياسة منذ أكثر من ربع قرن من المنع في ظل نظام بن علي السابق متجانسة مع أهداف تأسيس الحركة. فعقب الإطاحة بنظام بن علي أطلق أعضائها وقياديوها شعارات أبرزها كان طموح الحركة في تأسيس دولة بمعايير الخلافة سرعان ما نفت هذه المزاعم لاحقا، ثانيا زيادة الجمعيات الإسلامية ونشاط الإسلاميين في النسيج الاجتماعي وهو ما زاد في تفريخ حالات تطرف بلغ اوجها بمشاركة الاف التونسيين في عمليات قتال في سورية والعراق وليبيا، ثالثا، زيادة الاحتجاجات والاعتصامات المحرضة على التطرف[3].

ويذكر أن أحد قيادات النهضة اعترف أخيرا لإحدى القنوات الدولية انه الحزب الإسلامي في صورته الجديدة لا يسعى للتغول على السلطة بترشيحه رئيس الحركة ونائبه لمناصب قيادة البلاد. فعلى حد اعتبار عامر العريض قيادي النهضة فان الحزب يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية ويسعى بكل حرية الى المشاركة في المنافسات الانتخابية مثله بقية الأحزاب. لكن اختيار كل من زعيمه راشد الغنوشي ونائبه عبد الفتاح مورو للترشح الى التنافس على المناصب القيادية في الدولة (الرئاسة والبرلمان) يراعي قواعد الديمقراطية وليس هناك نية للتغول بل هناك رغبة لرفع مستوى المنافسة والتشجيع على المشاركة السياسية والاقبال على الانتخاب. لكن تبقى الإعلانات والتصريحات تخدم تسويق الصورة الجديدة للحزب المتنصلة من الهوية الإسلامية لكن قد تعكس جدية التنافس على قيادة البلاد وممارسة السلطة نوابا الإسلاميين على المدة المتوسط. فشعار تأجيل تنفيذ رؤية النهضة اعترف به رئيس الحركة الغنوشي منذ 2011.

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية(MenaCC)

 

 

 

[1] FABIO MERONE, Politicians or Preachers? What Ennahda’s Transformation Means for Tunisia, Carengie, Jan 2019,https://carnegie-mec.org/2019/01/31/politicians-or-preachers-what-ennahda-s-transformation-means-for-tunisia-pub-78253
[2] Rached Ghannouchi, From Political Islam to Muslim Democracy,The Ennahda Party and the Future of Tunisia, September/October 2016, https://www.foreignaffairs.com/articles/tunisia/political-islam-muslim-democracy
[3] انظر تقرير ويلسون،  chronology 2010-11 https://www.wilsoncenter.org/tunisia