-
النظام الايراني مهدد بالعزلة بعد تراجع التأييد الشعبي له في الداخل والخارج
-
البروباغندا الإيرانية تفشل شعبيا في المنطقة
-
النظام الإيراني مرتبك في التعامل مع الاحتجاجات في العراق ولبنان
-
حركات التغيير في المنطقة قد تدفع إيران لتغيير سياساتها
-
إيران ستقمع أي محاولات للانقلاب على حلفائها بهدف إيقاف حلم التغيير كي لا يلتقفه الإيرانيون الغاضبون
-
زيادة احتمالات عودة الغضب الشعبي الإيراني من استشراء الفساد وهدر المال العام في التوسع والتسلح
7 نوفمبر 2019
قسم أبحاث مركز (MenaCC)
ملخص التقرير : تزيد احتمالات انتقال موجة الاحتجاجات خلال الفترة المقبلة الى إيران في حال نجحت الانتفاضات الشعبية في لبنان والعراق في فرض مطالب التغيير. وبذلك فان إيران ليست في منأى عن مسار تغيير مقترب يفرضه الشعب وقد يطال في طريقه دولاً أخرى شرق أوسطية. اذ تسجل دول منطقة الشرق الأوسط عموماً أعلى معدلات لمدركات الفساد عالمياً توازيا مع زيادة معدلات البطالة وتعثر التنمية، وهي الدوافع المشتركة لاحتجاجات العراقيين واللبنانيين وقد تكون الحافز لتجدد الغضب الشعبي الايراني.
ويرجح رصد قسم توقع المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)، ان تستمر الاحتجاجات في لبنان والعراق وان ستخفت وتيرتها بعض الشيء. ولكن قد يؤدي تأخر تحقيق مطالب المحتجين أو تعنت السلطات في التجاوب مع مطالب التغيير الى صدام داخلي بين الشعب ومؤسسات الدولة وهو ما يرجح احتمالات الفوضى والحرب الاهلية، على غرار اليمن. لكن في حال استجابة الأنظمة لمطالب التغيير فسيكون ذلك أكبر تهديد لإيران المتخوفة من انتقال عدوى الاحتجاجات اليها. ومع زيادة وتيرة الانتقادات الشعبية لسياساتها التي صدرت من محتجين في مناطق نفوذها (لبنان والعراق)، من المتوقع أن يتجمد مشروع إيران التوسعي في المنطقة وقتيا بعد فشله ومقاومته شعبيا، وقد يكون اجراء ضروري من أجل ترتيب البيت الداخلي أولا وإعادة تصحيح علاقات النظام المتوترة مع الشعب الايراني الذي يتهم جزء منه النظام بهدر المال والفساد بين نخب الحرس الثوري الضيقة.
وحسب رصد المركز فان النظام الإيراني مرتبك في طريقة تعامله مع مآلات الاحتجاجات في العراق ولبنان. ويبدو أن لا خيار للنظام الا زيادة دعم غير مباشر للنخب السياسية والاقتصادية والدينية في هذه الدول التي تدين له بالولاء وتحصينها من احتمالات التغيير الشامل الذي يطالب به المحتجون. ومن المرجح أن تدعم إيران بشدة قمع أي محاولات للانقلاب على حلفائها في السلطة في العراق ولبنان بهدف إيقاف حلم التغيير كي لا يغري الإيرانيين أيضاً في الداخل وينتفضون مثل جيرانهم ضد فساد مستشري على الرغم من تسجيل تراجع طفيف في السنة الأخيرة.
وتأتي توقعات اندلاع احتجاجات إيرانية قريبة بعد توفر كل العوامل الدافعة الى تجدد الحراك الشعبي الإيراني الغاضب خاصة ضد هيمنة رجال الدين على السياسة والاقتصاد وكذلك ضد الفساد المستشري وسياسات الحكومات المتعاقبة التي فشلت في رفع مستوى العيش والتنمية المحلية.
وحسب رصد مؤشرات التوتر الداخلي في إيران لم يعد النظام في مهرب من مواجهة قريبة مع الشعب الغاضب. فعلى الرغم من سلسلة الإصلاحات التي أعلنتها الحكومة منذ عام تهدف لدعم مقومات العيش والتوظيف الا أن نتائجها محدودة في ظل انتقادات بزيادة هدر المال العام الإيراني على نفقات الحرس الثوري والنخبة الحاكمة والتسلح وتوسيع نفوذ النظام في المنطقة وكلها تكلف إيران سنويا مليارات الدولارات دون استفادة الشعب منها.
ومن المرجح أن يتعرض النظام الإيراني لزيادة الضغوط الشعبية لتفعيل المحاسبة على المال العام، حيث يمثل الانفاق على الحرس الثوري والتوسع الإقليمي عبئاً على ميزانيات البلاد الى تواجه احتمالات حصارها أكثر اقتصاديا وماليا بسبب التدخل في شؤون دول الجوار. وهو تدخل باتت قطاعات شعبية في دول الجوار (لبنان والعراق) تنبذه وتستهجن أي دور لإيران التي باتت محرجة أمام هذه الشعوب وأمام شعبها الذي ذاق ذرعا بانشغال بلاده بقضايا دول الجوار أكثر من الاهتمام بأولويات قضاياه الداخلية.
وحسب مؤشرات حساب عوائد المبادلات التجارية في السنوات الأخيرة بين إيران وحلفائها في دول الجوار، فبدى من الواضح أن استراتيجية توسيع إيران لنفوذها والمتمسكة بها منذ قيام الثورة في نهاية السبعينات لم يستفد منها الإيرانيون اقتصاديا بقدر ارتدادها سلبيا على حياة الإيرانيين في الداخل فضلاً عن تسببها في زيادة عزلة النظام الايراني اقتصاديا وحصاره ديبلوماسيا وصولا الى نبذه شعبيا في الداخل وأيضا من قطاعات واسعة ممن كانوا يصنفون بالمتعاطفين معه في مناطق نفوذه كلبنان والعراق. اذ استهجن عدد من المتظاهرين العراقيين واللبنانيين خاصة من الشباب وبينهم من معتنقي المذهب الشيعي وبجرأة غير مسبوقة تدخل إيران في شؤونهم الداخلية.
وعلى صعيد آخر، نظرا لترابطات مصالح متشابكة بين مسؤولين في النظام الإيراني ونخبة من القيادات السياسية في الدول الحليفة كلبنان والعراق، زاد التأثير الإيراني في القرار الوطني في هذه الدول التي تشهد احتجاجات. هذا التأثير الايراني الممتد لمؤسسات الدولة في كل من لبنان والعراق يؤثر سلبا على إمكانية انشاء حالة توافق وطني في حكومات هذه الدول، وهو ما مثل أهم عقبة معطلة لإحداث توافق حكومي يستجيب لكل تطلعات الشعب بمختلف مكوناته. هذا التعطيل أسهم في عدم استقرار الحكومات وزيادة عدم الانسجام بين مؤسسات الدولة وتعطيل المشاريع وتأخر تنفيذ استحقاقات تنمية الشعوب وتلبية مطالب السواد الأعظم من هذه الشعوب المتمثل في الشباب، حيث يعاني الجزء الكبير منه (سنة وشيعة ومسيحيين) من التحديات نفسها التي دفعته الى التظاهر والاحتجاج. وخلال الاحتجاجات تفوقت المطالب الوطنية على الفوارق المذهبية والطائفية، وباتت الرؤية للتغيير منسجمة بين مختلف مكونات الشعب سواء في العراق او لبنان ومتمثلة في فرض الإرادة الوطنية ودعم استقلالية سيادة دولتيهما والخروج من الوصاية الإيرانية.
وفي مقابل تعزز الشعور بالوطنية وبالدولة القطرية وليس الإقليم، انجلت مظاهر بداية تقلص الولاء الشعبي للنظام الإيراني في مناطق نفوذه التاريخية، وتقلص شعبية النظام أمر ينكره قادة إيران أنفسهم، لكنه قد يحرجهم في الداخل قبل احراجهم مع حلفائهم. حيث تزيد موجة الانتقادات من المحتجين في الشارع العراقي واللبناني لتتفاعل أكثر على منصات التواصل الاجتماعي. ومثل هذا التطور السلبي في تعاطي شعوب الأنظمة الحليفة لطهران مع سياسات إيران، قد يبعث برسائل تحريضية تؤجج الغضب الشعبي الإيراني ضد حكومته المرتبكة في تحديد الأولويات بين الداخل والخارج.
على غرار العراقيين، زيادة وعي الإيرانيين بضرورة التغيير المصطدم بهيمنة الحرس الثوري على السياسة والاقتصاد
يعي النظام الإيراني جيدا تهديدات عودة الاحتجاجات بين صفوف المنتقدين لتردي الأوضاع المعيشية والفساد، وذلك ما انتفض ضده الإيرانيون سابقا لكن تم قمعهم. ويعي طيف واسع من الإيرانيين خاصة الشباب المتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي مع الاحتجاجات في العراق ولبنان أن سياسات الحكومات الإيرانية لم تنصف مطالب الشباب الباحث عن عمل وحرية وزيادة انفتاح على المشاركة في الحياة السياسية. وكانت انتقادات واسعة وجهتها مجموعات شبابية إيرانية لسياسات الحكومة بسبب تردي الأوضاع المعيشية وغياب تنمية محلية.
وبدل دعم الانفاق على تنمية حقيقية، تفقد إيران مليارات الدولارات سنوياً بسبب زيادة النفقات المرصودة للتسلح والاستخبارات1 والبروباغندا وتوسيع نفوذها في الجوار ودعم الأنظمة الموالية لها لكن دون تسجيل مردود يذكر يعود بالنفع على الشعب الإيراني. حيث أن الاستفادة من التحالفات الإيرانية مع كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن يصب في مصلحة نخبة محدودة من رجال الاعمال المقربين من الحرس الثوري. وقد ساعد احتكار المصالح من نخبة ضيقة في إيران على توفر بيئة حاضنة للفساد الإداري وهدر المال العام ومخالفة القانون.
وبسبب تدخل الحرس الثوري ورجال الدين في شؤون السياسة والاقتصاد بقي مؤشر مدركات الفساد مرتفعا على الرغم من جهود حكومية أخيرة لمحاربته. حيث يستمر ترتيب إيران دوليا عند (138 من 180 بلدا في العالم) وهو ما يعزز المخاطر لاندلاع احتجاجات شعبية ضد تأخر تحقق وعود الحكومة والرئيس. حيث تستمر معلات البطالة والفقر والتهميش والاقصاء السياسي وانتهاك الحريات في الارتفاع. فأكثر من 30 في المئة من الشباب الإيراني عاطل عن العمل2 على الرغم من تراجع مؤشر البطالة في 2019.
كما أن أفق التغيير مصطدمة بهيمنة الحرس الثوري على السياسة وعلى أكثر من نصف حجم الاقتصاد. هيمنة قمعت أي محاولات للتغيير. لكن زيادة الانتقادات الشعبية لسياسات إيران خاصة التوسعية في دول مثل لبنان والعراق واليمن من المرجح أن تجلب امتعاض الشعب الإيراني من سياسات حكومته التي تهدر ملايين الدولارات سنوياً في نفقات التوسع بلا فائدة اقتصادية كبرى، حيث أن زيادة النفوذ في العراق ولبنان واليمن لم يحقق طفرة في تبادل المنفعة بين إيران وحلفائها بقدر ما هو نفوذ يحقق اهداف أيديلوجية للنظام. ونظرا لأن نخبة محدودة من المستفيدين الإيرانيين المقربين من الحرس الثوري من يستفيدون من التبادل التجاري مع حلفاء النظام في العراق ولبنان وسورية واليمن وهو تبادل يميل لصالح النظام الإيراني، الا أن هذه الأموال التي تجنيها النخبة الإيرانية المقربة من النظام لا تنتفع بها في النهاية الشريحة العظمى من الشباب الإيراني الذي يقبع جزء كبير منه في البطالة وتحت خط الفقر. اذ رصدت بعض المؤسسات الرسمية الإيرانية في 2017 نحو أكثر من 11 مليون إيراني أي ما يعادل 14 في المائة من السكان -يعيشون تحت خط الفقر3. وتعيش إيران أزمة اقتصادية كبرى بقدر ما هي بسبب سياساتها الاقتصادية السيئة بنفس قدر تأثير العقوبات الأمريكية4.
زيادة وعي شعوب المنطقة بدور إيران في استشراء الفساد
وعلى ما يبدو أنه في ظل زيادة وعي الشعوب خاصة الشباب في كل من لبنان والعراق بعدم استفادة اللبنانيين والعراقيين من التقارب والتحالف مع إيران لا سياسياً ولا اقتصادياَ من جهة، ومن جهة أخرى زيادة إدراك الفساد المستشري بين النخب السياسية والاقتصادية التي تنتفع بالمصالح المشتركة الضيقة مع إيران، خرج الانتقاد الشعبي للنظام الإيراني في كل من العراق ولبنان عن السيطرة وباتت لهجته أشد خاصة من الطائفة الشيعية التي تروج إيران انها حاميتها. حيث يعاني ملايين من الشباب العراقي واللبناني من الطائفة الشيعية التهميش والبطالة بسبب عوامل كثيرة أبرزها الفساد الحكومي وهدر المال وتعنت السلطة في تلبية تطلعات الشعب.
هذا التعنت يفسر زيادة الغضب الشعبي الذي قوبل بالقمع. فحسب منظمة العفو الدولية، زاد عدد المحتجين الغاضبين في لبنان والعراق المنددين بالظلم في تحدّ للقمع العنيف الذي تمارسه السلطات. وعلى الرغم من اختلاف المطالب التي نادى بها المحتجون إلا أن هذا الغضب العارم قام على قاسم مشترك بينها: الفساد وسوء الإدارة المالية للحكومات5. ورصد المركز ان الدول التي تشهد من احتجاجات تعاني من ارتفاع مؤشرات الفساد حسب تصنيف منظمة العفو الدولية6 كلبنان (ترتيب 138 على 180 دولة في 2018) والعراق (168 عالميا).
فشل آلة الدعاية الإيرانية في الحفاظ على الولاء الشعبي لسياسات النظام
يلاحظ رصد المركز ان ادارة الدعاية والبروغاندا لسياسات النظام الايراني مثلما فشلت في الحفاظ على الولاء الداخلي للحكومة الإيرانية، أثبتت فشلها أيضا في التسويق لشرعية سياساتها في المنطقة وفقدت جزء كبيرا من التعاطف التاريخي مع رمزية المقاومة والثورة والتي صدرتها الجمهورية الإسلامية الى العالم الإسلامي وحلفائها منذ قيام الثورة الإيرانية فضلا عن رمزية دفاعها عن حقوق الشيعة في المنطقة.
ويبدو أن سياسة افتعال الازمات الخارجية وزيادة النفوذ في المحيط الإيراني بفرض بروباغندا القوة والمقاومة من اجل كسب الولاء والتعاطف الشيعي أفلست وباتت محدودة التأثير على الشباب خاصة. اذ لم تستطع طهران التغطية على عيوب النظام الداخلية في عجزه على تحقيق تطلعات الشعب كما أخفق راسموا السياسيات الإيرانية بداية من المرشد في المحافظة على التعاطف الداخلي والخارجي مع رمزية الثورة الإيرانية حيث تزيد الانتقادات الشعبية الداخلية له وصولا الى تقلص نسبة الولاء الشعبي له في مناطق نفوذه في لبنان والعراق واليمن. وهو ما يهدد شرعية وقدرة رجال الدين في نظر الشباب على إدارة البلاد التي يتعرض فيها أكثر من 30 في المئة7 من المكونات الشبابية للتهميش والفقر والبطالة.
ومثل هذه القضايا الذي احتج من أجلها طيف واسع وغير متجانس من الشعب الايراني أغلبه من الشباب في مناسبات عدة في السنوات الأخيرة، تتشابه الى حد كبير مع القضايا التي دفعت المحتجين اليوم في كل من لبنان والعراق الى التظاهر وطلب التغيير. وتمثل احتجاجات اللبنانيين والعراقيين ذريعة مناسبة قد تلهم الإيرانيين إعادة المناشدة بالتغيير ولكن هذه المرة قد يعلو سقف مطالب المحتجين خاصة إذا نجح العراقيون في تقليص نفوذ إيران ورجال الدين في السلطة الاتحادية.
النظام الايراني يصر على سياسة افتعال الازمات الخارجية لاستجداء الولاء الشعبي المتراجع
يبدو ان النظام الإيراني أخفق جزئيا في فهم التغييرات الحاصلة في وعي الشعوب في الداخل وفي المناطق المحيطة به. ولذلك فان مظاهر السخط والتذمر ضد النظام الإيراني داخليا وخارجيا خصوصا في مناطق نفوذه كلبنان والعراق يثبت جليا أن حالة التعاطف التاريخية مع شرعية النظام الإيراني كمدافع عن الشيعة وعن المسلمين والمقاومة والثوريين لم تعد كما هي عليه، حيث أثرت الصراعات المتعاقبة في العراق على وعي الشعب وتطلعاته. اذ أن خوض الشعب العراقي لصراعات وفتن طائفية أرهقته تدفع شريحة واسعة من الشباب اليوم للبحث عن حلول توافقية وغير مسيسة او طائفية.
فقد اثبت مؤشرات دولية زيادة قمع السلطات الإيرانية للمطالبين بالتغيير وهو ما يعيه جيدا الشباب الإيراني وأيضا شباب الأنظمة الموالية جزئيا لإيران في لبنان والعراق. صورة القمع دحضت رمزية إيران الثورية التي أصبحت من الماضي. ويبدو أن النظام الايراني يعي جيدا درجة التذمر والغليان الداخلي في ايران خاصة من الشباب المهمش والعاطل ويستبق منذ سنتين احتمالات اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة من خلال الإسراع في تفعيل استراتيجية تنفيس الغضب الداخلي عبر إصلاحات اجتماعية محدودة، وأيضا عبر تعمد إيجاد حالة تصادم بين ايران ودول الغرب تجعل الشعب يتضامن مع النظام أمام احتمالات واهية لحرب يروج لها النظام قبل الغرب، لكنه لا يتعمد القيام بها في النهاية فهي تصنف من بين ذرائع النظام التقليدية المتبعة ضمن سياسة خلق أزمات خارجية للتغطية على أزمات داخلية وبهدف إيجاد حالة تضامن شعبية مستمرة تجدد شرعية سياسات النظام المغلق والراديكالي.
الا أن مسار سياسات طهران التي يتحكم فيها رجال الدين باتت مكشوفة ويعيها جزء كبير من الشباب الذي باتت شريحة منه غير ملتزمة بالدين وتوجيهات القيادات الدينية أصلاً، وهو ما قد يخلق تدريجيا بوادر انتفاضة مجددة في إيران تحمل شعارات التغيير مستلهمة شرارتها من الشارع العراقي واللبناني المنتفض والمطالب بالتغيير الشامل.
ولذلك تتضح سياسات واشنطن في تقليص فرص استفزاز إيران واحراجها مع الداخل من خلال تعمد خنقها اقتصاديا وهو ما يدفع الى تسريع موجات الغضب الداخلي من تردي الأوضاع. وبذلك قد تكتفي الولايات المتحدة بتوفير العوامل المناسبة لإضعاف النظام نفسه بنفسه وخاصة شعبيا.
ازدواجية السياسات الإيرانية تستفز الشباب الثائر في المنطقة
باتت سياسة الكيل بمكيالين في سياسة إيران الخارجية تستفز الشباب خاصة المتحمس للتغيير. اذ بات جلي انحياز النظام لدعم حركات الاحتجاج والثورات في بعض دول الربيع العربي ما عدى الدول الحليفة لها كسوريا ولبنان والعراق، في المقابل قاوم النظام الإيراني بشدة كل محاولات الاحتجاج والتغيير ضد حكوماته التي يتهمها طيف واسع من الإيرانيين بسوء أدائها في تحسين مؤشرات التنمية والاقتصاد والقضاء على الفساد المستشري، حيث تعتبر إيران من بين أكثر دول العالم تسجيلا لمعدلات الفساد المرتفعة.
ونظرا لزيادة نمو الوعي والثقافة السياسية والولوج الى المعلومة، فان إدراك الكثير من شباب الشرق الأوسط لازدواجية الخطاب الإيراني وسياساته التي تقمع مطالب التغيير في الداخل وتساندها في بعض الدول غير الحليفة معها في الخارج، بات من الطبيعي ان يؤثر على التعاطف مع النظام في طهران.
كما ان تدخله الواضح في شؤون دول مجاورة كالعراق ولبنان ومحاولة التأثير على سياساته الداخلية كشف عيوب سياسات النظام الإيراني ازاء شعوب هذه الدول. حيث ان النظام الإيراني ضخم نسبة التعاطف معه شعبيا باعتباره كما يصور لنفسها دائما كونه محور المقاومة والاصطفاف مع مطالب الشعوب، ليتضح لاحقا وجليا ابتعاده عن هذه الشعوب في مقابل زيادة اقترابه من النخب والأنظمة التي بدورها بعيدة عن تطلعات شعوبها. وبقدر كسبه لنفوذ كبير بين دوائر القرار في لبنان والعراق، خسر النظام تأييد شعوب المنطقة لتحيز إيران علنا للأنظمة وليس للشعوب في دول معينة على عكس دول أخرى انحازت إيران فيها لمطالب الشعوب كمصر ودول المغرب العربي واليمن وليبيا.
المصدر: قسم رصد المخاطر بمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)
1 Saeed Ghasseminejad, Tzvi Kahn, New Iranian Draft Budget Slashes Military Spending, January 8, 2019 | Policy Brief, FDD, https://www.fdd.org/analysis/2019/01/08/new-iranian-draft-budget-slashes-military-spending/
2 أنظر بيانات منصة tradingeconomics حول تحديث ارقام البطالة في ايران، https://tradingeconomics.com/iran/unemployment-rate
3 “11 Million People Are below the Poverty Line/6 Million People Lacks Insurance,” Mehr News Agency, February 26, 2017, http://www.mehrnews.com/news.
4 Anthony H. Cordesman, Iran: More War(s) In the Middle East? There Still May Be Options,
June 20, 2019, csis, https://www.csis.org/analysis/iran-more-wars-middle-east-there-still-may-be-options
5 مصطفى رعد، ل سيشعل الفساد المستشري فتيل الخريف العربي؟، أكتوبر 2019، منظمة العفو الدولية، https://www.transparency.org/news/feature/will_rampant_corruption_spark_an_arab_autumn_AR
6 أنظر مؤشر 2018 لمدركات الفساد حسب منظمة العفو الدولية، https://www.transparency.org/cpi2018?gclid=Cj0KCQiAtf_tBRDtARIsAIbAKe0CikNVfvXpe0RTFtYHrrrZ2GwNdontqAuFfmEF1b-fpQNuFV9-z7waApLpEALw_wcB