قمة الرياض تحدد مصير الهوية الخليجية

أهم اختبار تاريخي لتماسك الخليجيين ومجلسهم أحداث مهمة

9 ديسمبر، 2019


9 نوفمبر 2019

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير : يعتبر مصير الانتماء للهوية الخليجية الموحدة على المحك. اذ تواجه الهوية المشتركة تحديات كبيرة خاصة بين أجيال الشباب والمستقبل على إثر ما احدثته الازمة الخليجية من تصدعات مقلقة شارك الاعلام في تأجيجها.

ويواجه مجلس التعاون الخليجي احتمالات أزمة ثقة شعبية في دوره وقدرته على حل الأزمات الداخلية بين الدول الاعضاء. فتدويل الأزمة الخليجية وربط أطراف حلّها بالقوى الخارجية يؤسس لعادة غير محمودة بين دول المجلس. اذ أن اللجوء الى وساطات القوى العظمى من شأنه، إذا كان هو فعلاً الحاسم في حل الازمة، أن يقلص مستقبلاً من فعّالية دور الأمانة العامة ومؤسساتها وآلياتها في حل النزاعات الداخلية، وهو ما قد يترتب عنه في النهاية خيبة أمل شعبية وتقلص الثقة في قدرة المجلس الذاتية على تخطي الأزمات وتحقيق هدف التكامل والوحدة.

وقد خلص تحليل لفريق مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) الى ان قمة الرياض ستكون محددا مفصليا لمسارات الثقة في دور ومستقبل مجلس التعاون الخليجي ككيان منظم. فالمشاركة الكاملة في القمة واحتمال حل الازمة الخليجية ستعزز الثقة في منظومة التعاون، اما في حال التعثر التوصل الى حل شامل، فهناك توقعات بزيادة تراجع الثقة في إمكانية استمرار المجلس وتماسكه.

وتعتبر قمة الرياض لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أهم اختبار حقيقي في تاريخ المجلس منذ انشائه على قدرة منظومة التعاون على التماسك وتجاوز أكثر الازمات الخلافية بين الأعضاء والتي تهدد ان استمرت على المدى المتوسط الكيان الخليجي الطامح للوحدة. فاحتمال نجاح قمة الرياض في الخروج بخارطة طريق لإنهاء الخلاف بين كل من السعودية و الامارات و البحرين من جهة و قطر من جهة أخرى، سيعطي دفعة كبيرة لتحسن مؤشر الثقة الشعبية في كيان المجلس ويعزز الانتماء بين الأجيال للهوية الخليجية.

وقد رصد مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) تراجع مؤشر الثقة الشعبية في مستقبل تماسك منظمة مجلس التعاون من خلال تحليل نوعي لمحتوى منصات التواصل الاجتماعي والاعلام التقليدي الأكثر استخداماً بين مواطني دول المجلس، وذلك على ضوء استمرار الأزمة الخليجية بدون حلول تذكر لأكثر من نحو عامين. فمنذ بداية الخلاف الى اليوم زاد تبادل مفردات و”تريندات” التي تعني (الإحباط وعدم التفاؤل) حول قدرة مجلس التعاون في رأب الصدع بين الدول الأعضاء. كما أسفر تحليل كمي ونوعي لنشاطات وتصريحات الأمين العام للمجلس عن تقلص فعالية دور الأمانة العامة في لعب دور الوساطة في إيجاد آلية ديبلوماسية بين الدول الأعضاء لمناقشة الأزمة داخلياً ومنع تدويلها، وهو الأمر الذي يثير استفهاما حول فاعلية دور الأمين العام مستقبلاً.

حل الأزمة أصبح اولوية قطرية

تعتبر مبادرات الرياض و الكويت لحل الأزمة منذ انطلاقها، والتي رفضت قطر شروطها، حافزا هاماً لدعم شرعية منظومة عمل المجلس والحفاظ على آليات حل الأزمات داخل البيت الخليجي. الا أن إصرار الدوحة على تدويل الأزمة مهّد لتداعيات مستقبلية تضع الأمانة العامة وميثاق المجلس في مسارات مقلقة وترجئ مرحلة التكامل والاندماج الى أمد بعيد بعد أن قارب تحققها.

لكن التحركات الأخيرة التي بادرت بها قطر من خلال استضافتها لكأس الخليج ودعوتها لجميع المنتخبات الخليجية واستقبال المشجعين السعوديين والاماراتيين والبحرينيين لأول مرة منذ بداية الازمة مع كل من السعودية والامارات والبحرين في 2017، توحي بزيادة الضغوط المباشرة وغير المباشرة على الدوحة من أجل التسريع في إيجاد حل للقطيعة مع دول الخليج الثلاث. قطيعة من شأنها ان استمرت أن تؤثر بشكل سلبي على قدرة الدوحة في إنجاح فعاليات تنظيم كأس العالم 2022. اذ أن الإمكانات اللوجستية القطرية تبقى محدودة على الرغم من الاستثمارات الضخمة المرصودة.

وعلى صعيد آخر، فان حالة النفور الشعبي المرصودة في المنطقة من تدخلات إيران وحلفائها في الشؤون الداخلية للدول يبعث بمؤشر واضح على المدى القريب بفشل المحور الايراني في كسب تأييد شعبي للتأثير على مسارات سياسات دول الشرق الأوسط، وهو ما قد تكون الدوحة أدركته جيدا بتفضيلها البقاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي على الرغم من خروجها من منظومة أوبك التي تضم جل دول المجلس. فمظلة الامن القومي الخليجي الموحد المشترك تتمسك به قطر أكثر من الدول التي تختلف معها.

وتدفع التطورات الأخيرة في التوتر السياسي والأمني في محيط دول الخليج ضغوطاً على دول مجلس التعاون كتحالف سياسي وأمني طويل الأمد.[1] وهذه الضغوط اغلبها أمنية. فالصدع بين دول الخليج هو نتيجة لعملية تصور أمني استمرت لعقود في المنطقة أصبحت أكثر فأكثر فرديةً. وعلى الرغم من تبادل الاعتبارات الجيوسياسية المماثلة، إلا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد أعلنت انزعاجها لسنوات من شبكة الحلفاء القطريين (بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين)[2].

وعلى صعيد آخر، وان استطاعت قطر تجاوز حدة تداعيات الازمة بدافع تدفق الاستثمارات بفضل تنظيم كاس العالم وتعديل قوانين كثيرة محفزة للمستثمر الأجنبي[3]، الا انها تواجه تحد جدي يرتقي الى نظرة مقلقة حول إمكانية التنظيم اللوجيستي لكاس العالم في ظل استمرار الازمة. حيث ان قطر يبدو انها تراهن على عامل الوقت الذي بدأ يضيق مع اقتراب فعاليات المونديال.

وفي ظل انفتاح قطري على مناقشة حلول إعادة العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع بقية الدول، يبدو ان ذلك يلاقي ترحيبا سعوديا واماراتيا بهدف التسريع في توحيد الصف الخليجي. وبذلك فمن المرجح أن يعود مسار الثقة في مجلس التعاون للتعزز في الفترة المقبلة مع وجود توقعات برغبة إقليمية ودولية بحل يلوح في الأفق للازمة لتفادي تداعيات الخلاف اقتصاديا حيث ترتبط خطط تنموية مستقبلية لدول خليجية بتفعيل الاتفاقيات المشتركة والحيلولة دون تجمد مشاريع التكامل وتفعيل السوق المشتركة وشبكة النقل الإقليمية وتعزيز الامن الجماعي.

الثقة في منظومة رهن طبيعة الحل للازمة

من المرجح أن أي فشل لمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تسهيل المفاوضات لحل الأزمة الحالية قد يضعف من احتمال بقاء كيان المجلس الحالي متماسكا في المستقبل، وهو ما قد يهدد الاستقرار الإقليمي على المدى القريب والمتوسط ويدفع بالدول الأعضاء الى خيارات صعبة.

ويبقى احتمال تعزز الثقة في منظومة مجلس التعاون الخليجي رهن طبيعة الحل للازمة. اذ رصد مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية زيادة احتمال تعزز مناخ الثقة بين دول مجلس التعاون في حال حضور جميع زعماء دول المجلس في قمة الرياض المقبلة والاعلان عن بداية لاتفاق يحل الازمة بين الدول الأربعة.

وعلى ضوء ما ستفرزه قمة الرياض من المتوقع أن يتأثر عامل الثقة المشترك بين الدول الخليجية بشكل كبير إيجابا اذ بقي حل الازمة في البيت الخليجي في ظل وساطة الكويت المتمسكة بان يكون الحل خليجيا وليس بتأثير قوى خارجية. ففي حال تم خيار التفاهم بين أعضاء المجلس على حل أسباب الخلاف بينهم، سيوفر ذلك ضمانة كبيرة في المستقبل لتعزز اليات حل النزاعات داخل منظومة مجلس التعاون وليس خارجها. اما في حال تبلور رؤية الحل بتدخل وسطات القوى العظمى على راسها الولايات المتحدة او أوروبا، فمن المرجح أن تتأثر سلبياً منظومة التعاون بين الدول الأعضاء وسير التكامل، حيث قد يواجه العمل الخليجي المشترك تحديات تراجع مسارات التكامل الاقتصادي والأمني.

أولوية للتعاون العسكري وإصلاح جوهري لمنظومة التعاون في المجلس

من المتوقع أن تسهم رؤية حل الازمة الخليجية في تصور إصلاحات جوهرية قد تطال منظومة مجلس التعاون ومستقبل التكامل. اذ يبدو أن المخاوف الأمنية الخارجية حول العمليات السرية لإيران في المنطقة والتي لا تزال تبرز على نطاق واسع في الخطاب الأمني ​​لدول الخليج، لم تعد تشكل الدافع الموحد للتكامل الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي. فالمنظمة الخليجية ان استطاعت ان تحل الازمة الجارية ستبرز مطالب بتعزيز آلياتها واستقلاليتها في المستقبل. ومن المتوقع أن يتم النظر في مقاربة مختلفة لمستقبل التعاون بناء على استيعاب الاختلافات السياسية بين الدول الأعضاء لكن بشكل لا يهدد الامن الجماعي. وكانت عدد من الدول الأعضاء قد أبدت قلقها على إثر الازمة الخليجية حول مستقبل الضمانات التي توفرها العضوية في المجلس.[4]

وفي ظل تراجع ولو كان محدودا في سياسات التعاون المشترك بين دول الخليج، زاد الاختلاف في سياسات دول الخليج التي زادت أولوياتها بسياساتها الوطنية على حساب سياسات التكامل. ومن المرجح ان مجلس التعاون في حال تجاوزه الخلاف الخليجي سيعطي أولوية لتعزيز التحالف العسكري، والذي يشجعه المخاوف الجماعية من الهيمنة الإقليمية الإيرانية وضمانات الأمن الأمريكية الضعيفة. ومع ذلك، يبدو من غير المحتمل أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من العودة بالكامل إلى العمل كالمعتاد، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمزيد من أشكال التعاون الاقتصادي والثقافي[5].

 

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

[1] Máté Szalai THE CRISIS OF THE GCC AND THE ROLE OF THE EUROPEAN UNION, MENARA Future Notes No. 14, September 2018, https://www.iai.it/sites/default/files/menara_fn_14.pdf
[2] Máté Szalai THE CRISIS OF THE GCC AND THE ROLE OF THE EUROPEAN UNION, MENARA Future Notes No. 14, September 2018, https://www.iai.it/sites/default/files/menara_fn_14.pdf
[3]  أنظر تقرير UNCTAD حول الاستثمار العالمي في 2019، https://unctad.org/en/pages/PublicationWebflyer.aspx?publicationid=2460
[4] Abdullah Baabood, The Future of the GCC Amid the Gulf Divide, March 2019, https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-981-13-6314-6_10
[5] Geral Bult, GCC moves to mend Qatar rift, Petrolium Economist, Nov 2019, https://www.petroleum-economist.com/articles/politics-economics/middle-east/2019/gcc-moves-to-mend-qatar-rift