ادارة رصد المخاطر بمركز (MenaCC)
8 يناير 2020
ملخص التقرير : خطوط الأنابيب والمصافي والنقالات النفطية الخليجية خاصة السعودية والاماراتية باتت معرضة لزيادة احتمالات تهديدات طائرات إيرانية مسيرة متفجرة جوا وبحرا، وذلك في ظل تصورات الانتقام الإيراني ومتغيرات المواجهة مع واشنطن في المنطقة مستقبلاً. اذ طورت إيران طائرات صغيرة مسيرة “درون” حاملة للمتفجرات والصواريخ وقادرة على إصابة أهدافها عبر الجو أو في أعماق البحار.
والمقلق حسب بحث رصد المخاطر الذي أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) أن مثل هذه الطائرات الصغيرة (الغربان المتفجرة) يصعب رصدها حتى باستخدام التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة، وهو ما يشير الى وجود مكامن ضعف في حماية المنشآت الحيوية الخليجية الحساسة وخاصة النفطية والتي تعرض بعضها سابقاً وبشكل متكرر لهجمات سواء على يد الحوثيين بدرون إيرانية الصنع كما تؤكد الاستخبارات الأمريكية أو عن طريق البحر باستخدام “درون” تحت الماء على شاكلة الغام متفجرة تستهدف السفن والناقلات على غرار الهجمات التي استهدفت ناقلات امارتية في مياه الخليج ترجح واشنطن بأن الفاعل والاداة قد تكون ورائها ايران. وتزيد المخاوف من إمكانية استخدام تقنية الألغام البحرية الطائرة في مياه مضيق هرمز واستهداف سفن أو ناقلات نفطية.
وتمثل محدودية الحماية الشاملة للمرافق الحيوية الحساسة الخليجية خاصة المنشآت النفطية احدى أهم التحديات الكبرى للأمن القومي الخليجي على المدى القريب في حال حصول تهديد خارجي أو عدوان أو حرب إقليمية. اذ أن منظومة الرادارات العادية وأجهزة الاستشعار والكاميرات قد لا تكون كافية لكشف خروقات او هجمات “الدرون”.
ولا تزال البنية التحتية البترولية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج والشرق الأوسط الأخرى ذات الأهمية للاقتصاد العالمي عرضة لهجمات جديدة في المستقبل، سواء من إيران وحلفائها الإقليميين أو مجموعات أخرى. وكان خبراء الصناعة ومحللي الأمن والمسؤولين الأمريكيين قد حذروا من خطورة هجمات “الدرون” الإيرانية مستقبلا خاصة بعد تطوير إيران لمداها وقدرة القتالية، وحسب رأيهم فان المنشآت النفطية في الخليج والشرق الأوسط تثبت صعوبة الدفاع عنها، اذ أن الهجمات التي ضربت منشآت نفطية سعودية في سبتمبر الماضي لفتت انتباه العالم إلى أن البنية التحتية النفطية الخليجية مهددة[1].
وقد كشفت الهجمات المتكررة للحوثيين بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع عن خطورة هذا السلاح الذي طورته إيران وباتت تعول عليه في تنفيذ تهديدات نوعية قد تطال مصالح أمريكية أو منشآت حيوية في دول الخليج خاصة النفطية أو العسكرية. وأثبتت هجمات “الدرون” على عدد من المصافي أو خطوط الطاقة او الناقلات في دول الخليج جدية خطر (الطيور المسيرة) وإمكانية تحولها الى طيور متفجرة تستهدف أكثر المرافق الخليجية حيوية وحساسية والتي تمثل أهم شريان حياة اقتصادات المنطقة وهي المنشآت النفطية.
تسارع انفتاح إيران على تقنيات الحرب الالكترونية
تعمل إيران بجد على برنامجها الخاص للروبوتات والطائرات والذكاء الاصطناعي[2]. وتمضي قدماً أيضاً بقدراتها الخاصة في تطوير طائرات بدون طيار وغيرها من الروبوتات. في أكتوبر 2018، استضافت طهران مؤتمراً دولياً حول الروبوتات و(الميكاترونكس) قدم فيه أكاديميون أبحاثهم، تركز معظمها على تحسين مسارات الطيران، وتفكيك الطائرات بدون طيار وتجنب الاصطدام. كما تم الاهتمام بكيفية تطوير الذكاء الاصطناعي ليخلق تهديدات “للأمن النفسي” من خلال استخدام طائرات بدون طيار أو مركبات ذاتية التحكم في عمليات انتحارية[3].
وقد سلطت الهجمات الأخيرة التي شهدتها منشآت وناقلات نفطية خليجية، فضلاً عن حوادث تعرضت لها البحرية الأمريكية في الخليج بالإضافة الى حوادث أخرى أيضاً في سوريا واليمن والعراق، الضوء على الخطر المتنامي لعمل الطائرات بدون طيار الإيرانية (UAV). وإذا كانت الهجمات الأخيرة قد نفذت بواسطة طائرات مسيرة ايرانية، لابد ان تكون هذه الطائرات ذات تصميم مختلف جدا وذات مديات أكبر وموثوقية أعلى. وكانت إيران وضعت أول مخطط لتطوير طائرة بدون طيار في عام 1985، أي قبل عقد أو عقدين من ظهور هذا التوجه في العديد من دول المنطقة. ويحتفظ الحرس الثوري اليوم بعشرات من طرازات الطائرات بدون طيار المختلفة، يعمل أحدثها ليلًا ونهارًا، ويستخدم توجيه GPS، ويبقى محمولًا لمدة اثني عشر ساعة في كل مرة[4].
فجوات في منظومة تأمين المنشآت النفطية الخليجية المستهدفة
على مر التاريخ المعاصر للعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران، كل ما احتد التوتر بين الطرفين، لم يصل بهما إلى حد المواجهة المباشرة التي يمكن أن تؤدي إلى استجابة أمريكية مدمرة. واختارت إيران بدلاً من ذلك استهداف المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، حليف الولايات المتحدة، وهو مقترح ناقشه كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين في اجتماع شهر مايو 2019. هذا الاجتماع، الذي وصفه لرويترز ثلاثة مسؤولين على دراية بالاجتماعات ورابع مقرب من صنع القرار في إيران، هو الأول الذي يصف دور القادة الإيرانيين في التخطيط لهجوم سبتمبر على أرامكو السعودية[5].
وقد ارتفع مستوى المخاطر التي قد تتعرض لها المنشآت النفطية الخليجية لهجمات “الدرون” الإيرانية على المدى القصير لكن تبقى الأهداف غير واضحة. وتبقى “أرامكو” السعودية أكثر المنشآت استهدافا في الفترة الأخيرة من خلال “درون” إيرانية يطلقها الحوثيون. الا أن المملكة العربية السعودية وأرامكو لم تقدما أي بيانات تفصيلية عامة عن مستوى الضرر السابق الذي سببته هجمات “الدرون”. يذكر أنه في عام 2018، ألمح تقرير أصدرته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى الشبه الكبير بين طائرة الحوثيين المسيرة “قاصف-1” والطائرة المسيرة الإيرانية “أبابيل-تي”. واتهمت هذه اللجنة آنذاك إيران بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على اليمن وبتزويد الحوثيين بطيف واسع من الأسلحة. وأثبتت منظمة البحوث في اسلحة الصراعات المستقلة في دراسة ركزت على مساعدة إيران للحوثيين في مجال الطائرات المسيّرة تشابه النتائج التي توصلت اليها لجنة الخبراء.
وعلى صعيد متصل، بدت النظرة المستقبلية مقلقة حول احتمالات الحرس الثوري الايراني التخطيط لمزيد من الضربات بطرق ترفع مستوى الضرر بالمنشآت النفطية الخليجية كالحد من الإنتاج، وتطيل في الوقت نفسه مدة اصلاح أضرار هذه المنشآت[6]. وفي هذه الحالة يمكن توقع تداعيات اقتصادية سلبية على دول الخليج النفطية إذا تضررت منشآتها بفعل هجمات “درون” ايرانية في المستقبل.
ولتفادي مثل هذه التحديات، أنفقت على سبيل المثال المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات لحماية بنيتها التحتية النفطية، لكنها لم تستطع وقف الهجوم الإيراني بطائرات بدون طيار وصواريخ تطير على ارتفاع منخفض. وكشفت هجمات “الدرون” المتكررة الفجوات في تأمين المنشآت النفطية التي فشلت حتى الأسلحة الأميركية الأكثر تطوراً في ردعها بشكل كامل. وبالنظر الى توقعات سيناريوهات الانتقام الإيرانية توجب على السعوديين وحلفائهم الأمريكيين معرفة كيفية منع تكرار هجمات “الدرون” ومنع حدوث الأسوأ كاستهداف منشآت تصدير النفط والغاز أو محطات تحلية المياه في منطقة الخليج[7]. وما يزيد من خطورة أي هجمات مستقبلية للـ”درون” هو حرص ايران على التطوير المستمر لقدراتها الحربية الالكترونية. لكن يبقى الانفتاح المحدود على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي يقلص من تسارع هذا التطور.
المصدر: إدارة رصد المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)
[1] Ian Talley, Mideast Petroleum Facilities Prove Difficult to Defend, Wall Street Journal, sep 2019, https://www.wsj.com/articles/petroleum-installations-massive-and-numerous-prove-difficult-to-defend-11568840295
[2] Michael Rubin, Iran’s Coming Military Revolution, National Interest, Nov 2019, https://nationalinterest.org/blog/buzz/irans-coming-military-revolution-100522
[3] Michael Rubin, المرجع نفسه
[4] Michael Rubin, المرجع نفسه
[5] Reuters Staff, Special Report:‘Time to take out our swords’ – Inside Iran’s plot to attack Saudi Arabia, Nov 2019, https://www.reuters.com/article/us-saudi-aramco-attacks-iran-special-rep/special-reporttime-to-take-out-our-swords-inside-irans-plot-to-attack-saudi-arabia-idUSKBN1XZ16H
[6] Anthony H. Cordesman, The Strategic Implications of the Strikes on Saudi Arabia, CSIS, September 16, 2019, https://www.csis.org/analysis/strategic-implications-strikes-saudi-arabia
[7] Robert Burns, Saudis couldn’t stop oil attack, even with top US defenses, AP, sep 2019, https://apnews.com/44d47f54f8e14d5291b68c70028e2c77