1 ابريل 2020
قسم أبحاث مركز (MenaCC)
ملخص التقرير :
تواجه أغلب شعوب العالم احتمالات المكوث في أطول فترة حظر تجول في تاريخ البشرية المعاصر قد تمتد الى بداية فصل الصيف في حال انتقال أكثر الدول المصابة بالعدوى الى المرحلة الثالثة والرابعة على غرار دول أوروبية.
اذ من المرجح أن دولاً كثيرة بينها أقطار عربية من أجل الحد من تفشي الوباء قد تضطر لتمديد فترات الحجر الصحي العام حسب توصيات منظمة الصحة العالمية واحتمالات توسع انتشار العدوى المحلية في المرحلة المقبلة والتي وصفت بالمرحلة الأصعب والحاسمة في مصير انتشار الوباء.
ولم تشهد شعوب كوكب الأرض منذ أكثر من 1000 عام استمرار حالة حظر تنقل وحجر صحي شامل كما قد تشهده 95 في المئة من دول العالم. اذ أن أغلب الحروب في القرون الوسطى والأوبئة التي تخللتها أو أتت لاحقاً وصولاً الى مرحلة ما قبل الحربين العالميتين وما بعدها لم يتحبس أكثر من نصف سكان الأرض في بيوتهم لمدة أشهر متواصلة. فحتى في عصر الحروب الحديثة والقديمة كانت الناس تتعايش معها، ولم تشمل عبر التاريخ إجراءات ضرورة منع التجول جل مناطق الأرض كما شملتها تدابير اغلب دول العالم للوقاية من انتشار فيروس كورونا الغامض والقاتل خلال هذه الفترة.
الى ذلك لم يكن انتشار أغلب الأوبئة في تاريخ البشرية بالشكل الشمولي كما تشهده شعوب العالم اليوم، إذ أن أوبئة مثل الطاعون والأنفلونزا الاسبانية والملاريا وغيرها والتي صنفت من أخطر الجوائح وأشدها فتكاً بالبشرية لم تنتشر جغرافيا بالوتيرة والمدى نفسه كما يحدث اليوم. وترجح دراسات أن تفشي الفيروس تقريباً في جل دول العالم يعتبر سابقة في التاريخ، وقد يعود ذلك لزيادة حركة التنقل والسفر والتواصل بين سكان الأرض وهذا سهل سرعة انتشار العدوى. وقد تكون أضرار هذا الوباء مستقبلاً احدى اهم النتائج الكارثية للعولمة التي زادت من انفتاح سكان العالم على بعضهم البعض.
وحسب رصد مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) لاتجاهات انتشار عدوى الوباء في العالم وفي الأقطار العربية، قد تكون دول كثيرة بينها أغلب بلدان العالم العربي مجبرة على الاستمرار في الإجراءات الاحترازية وفرض قيود وقائية بشكل أوسع والحفاظ على حالة منع الجولان والإبقاء على حالة الطوارئ لأشهر مقبلة بدعوى منع المرور الى المرحلة الرابعة من العدوى المحلية والأفقية والتي تصيب أكبر عدد من السكان على غرار ما يحدث في ايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة. وهي حالة قد تكون بداية مرحلة ذروة تفشي الوباء التي لا تريد جل دول العالم الوصول اليها بسبب كلفتها البشرية الضخمة ناهيك عن توقع أضرار اقتصادية كارثية في حال تهاونت بعض الدول في إجراءات الوقاية الاستباقية ومسارعة تطويق العدوى قبل زيادتها.
وقد قررت فعلاً الولايات المتحدة وأغلب دول القارة الأمريكية والأوروبية والاسيوية وبعض دول القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمديد إجراءات التباعد الاجتماعي التي اشترطتها منظمة الصحة العالمية من اجل الحد من انتشار الوباء. وقامت اغلب دول العالم العربي بتمديد إجراءات الطوارئ الوقائية من اجل فرض التباعد الاجتماعي وتقييد حرية التنقل وفرض حظر تجول متفاوت الشمولية بين الدول العربية بهدف حماية شعوبها من احتمال مواجهة استفحال العدوى ومواجهة مصير كارثي. وتبقى اغلب دول العالم بما فيها البلدان العربية مجبرة على المدى القريب لمواصلة إجراءات الحجر الصحي من أجل تطويق الوباء المتفشي بسرعة متفاوتة بين الدول والمناطق مدفوعاً بعدم اكتشاف لقاح فعال يوقف عدواه القاتلة.
ومن المرجح أن المرحلة الأصعب التي سيشهدها العالم في مواجهة الوباء قد تكون بين شهري ابريل ومايو المقبل، حيث من المتوقع وفق بعض الدراسات العلمية وتقديرات الحكومات أن معدلات انتشار الجائحة في أغلب البلدان المصابة بالعدوى لم تصل ذروتها بعد على الرغم من اقتراب تسجيل مليون إصابة وزحف الوفيات تدريجياً الى نحو 50 ألف شخصاً عبر العالم بوتيرة أسرع من قبل خاصة في أوروبا والولايات المتحدة التي باتت بؤر تفشي الوباء محلياً. الا أن الخوف أن تتحول الى بؤر تفشي موجة عدوى ثانية الى دول أخرى قد تتوقف فيها العدوى قريباً، حيث ان الصين التي أعلنت منذ بداية مارس على توقف انتشار الوباء بدأت تسجيل بعد أسابيع من توقف تفشي العدوى ظهور إصابات جديدة نتيجة عدوة ظهور الفيروس بسبب حالات وافدة من بؤر الوباء الجديدة وهي الولايات المتحدة، إيطاليا إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وإيران، وهذه الدول تتعرض أكثر من غيرها لتسارع تفشي فيروس كورنا المستجد (covid 19).
وتواجه أهم الدول الصناعية الكبرى في العالم والأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية أكثر من غيرها عدوى تفشي فيروس كورونا. وقد تكون هي أكثر الدول التي ستضطر قبل غيرها في مواصلة إجراءات تقييد حرية التنقل وفرض الحجر الصحي. وفي حال تعافي دول أخرى من العالم النامي فقد تسجل بط كبيرا في وتيرة التعافي في انتظار الانتعاش الاقتصادي العالمي المرتبط فعليا بنهاية الوباء في البلدان التي تقوده خاصة أعضاء مجموعة العشرين الذين يتحكمون في حركة الأسواق العالمية.
وعلى الرغم من توقع تأثير أزمة جائحة كورونا في ظهور مسارات محتملة لبعض الدول لفك ارتباطاتها التقليدية بالاقتصاد العالمي والتعويل أكثر على اقتصاداتها القومية لتوفير حاجيتها وتطبيق الحمائية الاقتصادية تحت شعار الوطن أولا، الا أن أغلب دول العالم لكي تصل الى هذه المرحلة محتاجة لفترة طويلة من الوقت لتنسحب من منظومة التجارة والعلاقات الدولية ما قبل الوباء والتي تندرج تحت العولمة. فالعالم الرأسمالي التي تديره القوى العظمى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة ما يزال يربط مصير اغلب اقتصادات العالم بمركزية القيادة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والصين وأوروبا. فبركود اقتصادات هذه القوى او تجمد نشاطها تحت تأثير الوباء قد تصيب اقتصادات اغلب دول العالم النامي والعربي كسادا كبير أكبر من تبعات الازمة المالية العالمية أو الحرب العالمية الثانية. حيث من المرجح أن تتأثر اتجاهات الخارطة الاستثمارية العالمية وقيمة السلع الأساسية عقب انتهاء الازمة. وقد تتكبد دول معتمدة أساساً على صادرات لمنتجات وسيطة خسائر كبرى إذا تراجع الطلب على التوريد.
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)