– البحرين الأولى والكويت الثانية وعمان الثالثة خليجياً في ترتيب نسبة التعافي من الوباء
– قطر الأخيرة خليجياً في نسبة الشفاء من كورونا
ادارة أبحاث مركز MenaCC
7 مايو 2020
تحليل:
الملخص: في حين يكشف توسيع دائرة التقصي عن فيروس كورونا في دول الخليج عن زيادة عدد الحالات يومياً، أثبتت بعض الدول كفاءة ونجاعة في إدارة الطوارئ الصحية واحتواء زيادة الإصابات بالوباء الذي اعتبر أحدث وأصعب اختبار في التاريخ المعاصر لقدرة ونجاعة المنظومات الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم العربي.
وبفضل توفر بنية تحتية وطواقم طبية ذات كفاءة، نجحت خاصة كل من الكويت والبحرين في إدارة أزمة تفشي الفيروس على مستوى ضمان نسبة أكبر من العلاج. حيث مثلت نسبة الشفاء العالية للمصابين بالفيروس في كل من البحرين والكويت دليلاً واضحاً على نجاح سياسات احتواء الوباء في هذه البدلين، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض الاختلالات والنقائص لعل أبرزها محدودية التنسيق لتنفيذ توصيات التباعد الاجتماعي والتقليص من التجمعات في بداية ظهور الجائحة.
وحسب احصاء قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) اعتمادا على بيانات منظمة الصحة العالمية ومصادر أخرى موثقة، حلّت البحرين في المرتبة الأولى خليجياً وعربياً على مستوى نسبة الشفاء من الفيروس، في حين أتت الكويت في المرتبة الثانية خليجياً، فعمان في المتربة الثالثة، والامارات في المرتبة الرابعة فالسعودية في المرتبة الخامسة وقطر في المرتبة الأخيرة خليجياً. وفرضت أغلب دول الخليج إجراءات متفاوتة الصرامة خاصة فيما يتعلق بالالتزام بتدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي للحد من تفشي العدوى.
وبفضل التدخل الطبي الموجه نجحت البحرين في رفع نسبة الشفاء، في حين تمكنت الكويت من ضمان أكبر نسبة ممكنة من شفاء المصابين بالفيروس بفضل سرعة التدخل لإسعاف المصابين والحرص على امتثالهم للحجر الصحي، وتمكنت بخبرات وطنية في زيادة توفير العلاج لأكبر عدد ممكن من المصابين التي تعكرت حالتهم ونقلوا الى المستشفيات. أما سلطنة عمان فقد راهنت على التقصي الموجه للمحتمل إصابتهم بالفيروس والمخالطين لهم، وتمكنت من إيجاد خلية فاعلة لإدارة الأزمة بالتعاون مع كافة الأجهزة لعدم انفلات الأمور وبقاء العدوى تحت السيطرة. أما الامارات فهي الأقرب عالمياً لاحتواء الوباء نظرا لرهانها على التقصي الوبائي الشامل لأكثر نسبة ممكنة من المقيمين على أراضيها من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تفعيل كامل قدراتها الأكثر تطورا عربيا في المجال الصحي لمحاصرة العدوى. بل تعدت الامارات الى مرحلة متقدمة أكثر من ذلك تمثلت في تفعيل مختبراتها ومراكز البحث العلمي لمراقبة وفهم التحول والتطور الجيني للفيروس داخل الامارات، كما مكنها توافر الأجهزة الطبية اللازمة لضمان أكبر عدد ممكن من نسبة شفاء من تعكرت حالتهم في المستشفيات. أما السعودية فنجحت في الاغلاق الموجه لجميع مرافق الدولة وأماكن التجمعات وغلظت عقوبات خرق الإجراءات والتجمع وحرصت السلطات على تنفيذ خطة مرهقة للتباعد الاجتماعي في جميع محافظات المملكة. وفي حين اعتمدت السعودية سياسة توسيع التقصي الوبائي، عززت في الوقت نفسه من التنسيق بين القطاعين الخاص والعام للتعامل مع كل احتمالات ذروة تفشي الوباء من اجل استيعاب أكثر عدد ممكن من المصابين وضمان أكبر نسبة من الشفاء. وبذلك تمكنت البلاد من التعامل مع أزمة زيادة عدد المصابين بفضل توافر خبرات طبية ومختبرات ومستشفيات قادرة على التعامل مع حالات الطوارئ كالأوبئة.
أما قطر التي تذيلت الترتيب، فقد استطاعت إدارة الأزمة الى حد ما على الرغم من تقلص نسبة شفاء المصابين فيها بالفيروس مقارنة مع جيرانها. وهو ما قد يعود الى ضعف جودة الخدمات الطبية أو سرعة الاستجابة أو توجيه المصابين للحجر الصحي الناجع. كما قد يكون هناك نقص في إمكانية التعامل مع الأزمات والطوارئ أو نقص في البنية التحتية الصحية.
وفي ترتيب أكثر دول الخليج قياماً بالتقصي الوبائي برزت الامارات في المرتبة الأولى فالبحرين في المرتبة الثانية، فالكويت في المرتبة الثالثة، قطر في المرتبة الرابعة، السعودية في المرتبة الخامسة وسلطنة عمان في المرتبة السادسة.
وفيما تكافح دول الخليج للسيطرة بنجاح على تفشي الفيروس وتعزيز مناعة شعوبها، تجنبت دول عربية أخرى مسارا كارثياً لأنظمتها الصحية في حال زيادة تفشي العدوى، حيث تبين أنه على الرغم من تباطء تفشي العدوى بها الا أنها حسب منظمة الصحية العالمية تعتبر غير مؤهلة لاستيعاب كثافة أعداد المصابين، في المقابل نجحت دول خليجية في ذلك، وهو ما يبين محدودية البنى التحتية الصحية في عدد من الدول العربية خاصة الفقيرة، ويدعو الى مزيد الاهتمام بالرعاية الصحية لمواطنيها وتحسين الخدمات الصحية وزيادة عدد المستشفيات المجهزة بخدمات الإنعاش في المستقبل القريب.
وتبين من خلال تقرير بحثي لسياسات دول عربية وخليجية لإدارة الأزمة الصحية المترتبة عن انتشار فيروس كورونا أن بعض دول الخليج تمتلك إمكانيات متوافرة لانجاح خطط الطوارئ الصحية أكثر من غيرها في الوطن العربي لكن مع بعض المحدودية في أساليب الإدارة والتنسيق. ففي حين تتبع أغلب الدول العربية ما عدى دول مجلس التعاون سياسة التقصي الوبائي الموجه والذي ينحصر في تقصي حالات بعينها، اعتمدت دول خليجية على التقصي الشامل أو الجزئي بزيادة عدد التحاليل المخبرية للكشف عن فيروس كورونا بطرق أسرع من غيرها وهو ما يفسر زيادة كشف أعداد أكبر من المصابين في الآونة الاخيرة. وفي حال قامت دول عربية أخرى بنفس استراتيجية التقصي والوقائية من الوباء فقد تصبح أنظمتها الصحية مهددة بالاستنزاف.
وكشفت دراسة اتجاهات تفشي الوباء في دول الخليج وبقية الدول العربية عن فوارق كبيرة بين الدول في نجاعة أنظمة الرعاية الصحة وكفاءة الطواقم الطبية وجودة الخدمات العلاجية والدوائية. ففي حين أظهرت الجائحة مدى صلابة النظام الصحي ومرونته في الوقت نفسه وجودة الطواقم الطبية وكفاءة العلاج وتوفر الأدوية في بعض الدول الخليجية وهو ما مكن من انقاذ مصابين كثيرين من فيروس كورونا، تبينت اختلالات كبرى في المنظومة الصحية المتهالكة والمستنزفة في دول أخرى خارج منطقة الخليج أُستنزفت أنظمتها الصحية المتواضعة على الرغم من عدم تعرضها الى ذروة تفشي الوباء.
وفي حين يتوقع أن دولاً مثل بلدان الخليج تمر بذروة الوباء خلافاً لدول أخرى، تتنافس دول خليجية في مقدمتها خاصة الكويت والبحرين في التميز عل مستوى كفاءة إدارة ازمة تفشي الفيروس وعلاج أكثر عدد من المصابين. حيث لم تستنزف الي اليوم الأنظمة الصحية الخليجية على الرغم من زيادة عدد المصابين في المقابل تزايد عدد حالات الشفاء بشكل سريع، الا أن هناك قلق ملحوظ حول إمكانية استيعاب عدد أكبر في المستقبل وخاصة الحالات الحرجة الوجهة لغرف الإنعاش.
البحرين: إمكانات قوية في التدخل والاسعاف من يدعم زيادة حالات الشفاء
نجحت البحرين في تقليص عدد وفيات كورونا من خلال اسعاف المصابين بسرعة وتقديم رعاية صحية متكاملة وهادفة. وبفضل القدرات والإمكانات الطبية المتوافرة تمكنت وزارة الصحة بالتنسيق مع مختلف المتدخلين في تطبيق جحر صحي تم احترامه الى حد بعيد فضلا عن نجاعة اجراءات وقائية مكنت من تقليص الانعكاسات الصحية للمصابين.
وقد نجحت البحرين أكثر من غيرها في تطبيق العزل الصحي وهو ما قلص تفشي العدوى ما نعكس على انخفاض أعداد المصابين أكثر من غيرها مقارنة بعدد السكان.
الكويت: دقة الكشف عن المصابين وسرعة الاستجابة وقدرة الكفاءات الطبية الوطنية والوافدة من عززت نسبة الشفاء المرتفعة
على الرغم من بطء تنفيذ خطة طوارئ صحية شاملة في البلاد والتي تأخرت الى نهاية فبراير بداية مارس، الا أن الكويت سرعان ما تداركت تأخر اتخاذ التدابير اللازمة خاصة على مستوى الإغلاق العام للمنافذ وتعطيل الأنشطة وتعقيم الأماكن والمرافق العامة. وفي مرحلة مقبلة مع منتصف شهر مارس زادت نسبة التنسيق والتعاون بين جميع المتدخلين في أزمة الوباء خاصة قطاع الصحة وقوات الأمن وتمكنوا في وقت قياسي من وضع خطة استيعاب استباقية لمرحلة ذروة تفشي الوباء والاستعداد لزيادة الضغط خاصة على مستوى الاقبال على المستشفيات أو زيادة مهمات التقصي الوبائي.
وتمكنت وزارة الصحة الكويتية على الرغم من بعض البطء في بداية الجائحة من تسريع إجراءات توفير ظروف مناسبة وصحية لعمل الطواقم الطبية وشبه الطبية في حالات الطوارئ في مقابل عدم ارباك وتيرة العمل اليومية للمستشفيات خاصة بالنسبة للمراجعين من أصحاب الأمراض المزمنة. وبعد تطبيق صارم للعزل الصحي واحترام أكبر عدد ممكن من المقيمين في الكويت لإجراءات العزل الذاتي، تحسنت مسارات ادارة الأزمة، وباتت وتيرة أعداد المتعافين تزيد بوتيرة سريعة في مقابل زيادة الكشف عن مصابين جدد. وتجنبت البلاد استنزاف المنظومة الصحية على غرار دول أخرى بفضل سرعة الاستجابة لحالات الكشف عن مصابين جدد والدور الأمني لتسهل عملية نقل المصابين أو عزلهم عن أهلهم في تطويق انتشار الفيروس فضلاً عن منع الفوضى المترتبة عن حالات الهلع من تفشي العدوى.
التحديات والنقائص التي كشفتها جائحة كورونا
تبقى ملاحظات قوية مقلقة حول مدى تأهيل الطواقم شبه الطبية للتعامل في ظل الطوارئ الصحية وهو ما يستوجب النظر في إيلاء أهمية لتدريب الطواقم الطبية وشبه الطبية في المستقبل على التعامل مع الطوارئ والكوارث كالأوبئة. الى ذلك برزت محدودية التنسيق والتفاعل بين القطاع الطبي العام والخاص في حالات الطوارئ الصحية كأهم التحديات التي أظهرتها إدارة الحكومات الخليجية لأزمة الوباء. وعلى صعيد متصل اتضحت محدودية التنسيق والتعاون الخليجي بين الهيئات المتخصصة في تبادل الخبرات والمستلزمات الطبية في مثل الازمات والكوارث.
على صعيد آخر، برزت تحديات مستقبلية أخرى للحفاظ على صحة الراس المال البشري، تتمثل أهمها في محدودية التخصصات المهنية في المستشفيات خاصة في مجالات الإنعاش وقسم مكافحة الفيروسات وهو ما يدعو الحكومة الى اعادة النظر في دعم هذه المجالات خاصة مع توقعات وتحذيرات من منظمة الصحة العالم ومؤسسات بحثية من امكانية تجدد الوباء أو ظهور جوائح اخرى في المستقبل على الانسان التكيف معها والاستعداد المسبق لها.
الى ذلك برزت تحديات في غاية الأهمية تتمثل في محدودية الوعي والثقافة الصحية لدى المجتمع ما يدفع الى رفع مستوى حملات التقصي الصحي مستقبلاً، وعلاوة على ذلك اتضحت أهمية ادراج علم النفس الإيجابي كأحد المكملات العلاجية المهمة خاصة في علاج الأمراض الخطيرة والمعدية كالأوبئة.
كما برزت الحاجة الى أهمية القيام بمسح دوري وشامل لمخاطر الفيروسات والاوبئة على المجتمع وتشجيع الأبحاث العلمية في هذا المجال، وهو ما يدعو حكومات دول الخليج بما في ذلك الكويت لرفع مستوى المخصصات المالية الممنوحة للبحث العلمي في المستقبل مع زيادة توفير مختبرات ومستشفيات متخصصة خاصة في الأمراض الصدرية وتوفير أكبر عدد ممكن من أجهزة الإنعاش.
كما برزت محدودية استخدام التكنولوجيا الذكية في حالات الطوارئ في الكويت على سبيل المثال سواء لرفع الوعي لدى المواطن بالسلوك الصحي المنشود في العزل الصحي، فضلاً عن محدودية استخدام التطبيقات الإلكترونية خلافا لدول أخرى في علاج المصابين عن بعد. وهو ما يدعو الى زيادة الاستعانة بالذكاء الصناعي لمكافحة الأوبئة والفيروسيات والكوارث على المدى القريب والمتوسط. وعلاوة على كل الملاحظات المذكورة سابقاً، خلص رصد المركز أيضا الى أهمية النظر في الحاجة الى زيادة تطبيق خدمات الصحة التفاعلية عن بعد عبر شبكة الانترنت باستخدام تطبيقات خاصة او استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل اللحظي أكثر مع المواطنين وهو ما يقود لزيادة تطوير تجربة “الطبيب عن بعد” وتوفير استشارات ونصائح طبية عن بعد. وعلاوة عن ذلك بات من الضروري منح الحكومات أولوية ادراج الثقافة الصحية ضمن المناهج التعليمية في المدارس لرفع الوعي المجتمعي مستقبلا بهدف الحفاظ على صحة الأجيال القادمة.
كما برزت أيضا الحاجة الملحة لتوفير مخزون دوائي أكبر في دول مجلس التعاون وزيادة تشجيع الصناعات الدوائية المحلية خاصة الأدوية الجنيسة. من ناحية أخرى، اتضحت الحاجة أيضاً لتوسيع المخزون الاستراتيجي من الأدوية وخاصة تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والصدرية في ظل اضطراب واردات الدواء وفقدان بعضه في العالم، حيث أن نقص الأدوية خاصة في ظل طول فترات الاغلاق العالمي أو حظر التجوال يسبب ندرة في بعض الادوية الحيوية قد تنجم عنها اضطرابات وانعكاسات صحية سلبية لدى الكثير من المرضى خاصة المصابين بالأمراض المزمنة.
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)