قسم دراسات توقعات المخاطر (MenaCC)
الكويت، 3 يونيو 2020
ملخص التقرير:
تزيد المخاوف من زيادة تسجيل مظاهر سلبية كبوادر لردود فعل شعبية متوقعة عن الأضرار الناجمة عن جائحة فيروس كورونا في المستقبل القريب، ومن بين هذه المظاهر احتمالات ارتفاع معدلات السرقة والجريمة والفوضى في العالم بما في ذلك الدول العربية.
دوافع ومبررات الجريمة والسرقة والتحيل والتهرب الضريبي زادت مع توقع موجة غضب شعبي من تقلص محتمل للدعم الاجتماعي والمالي وزيادة احتمال تعرض الأفراد للتعثر المالي والمديونات وتقلص فرص العمل وتدني الدخل وزيادة نسب الفقر والتهميش جراء تداعيات جائحة كورونا على المدى القريب وسط توقع فاتورة ضخمة لارتدادات انتشار الفيروس قد تعجز بعض الحكومات في الإيفاء بها، وهو ما قد يجعل بعضها أمام حراك شعبي قد يستلهم من الاحتجاجات الشعبية الأمريكية والفوضى التي بدت عليها دوافع كافية للانفلات والانسياق وراء ردود أفعال خارجة عن القانون. وهو ما وجب على الحكومات العربية التنبه اليها واستباق احتمالات الكارثة.
واعتبرت عدة دراسات[1] أن عدم الاستقرار المالي والاجتماعي وزيادة نسب الفقر والتهميش وتقلص مصادر الدخل هي عوامل عادة ما تمثل بين أهم مصادر عدم الاستقرار والتوتر الاجتماعي ونمو معدلات الجريمة والسرقة والفوضى.
هذه التوقعات تبررها أيضاً احتمالات قوية لتوقف شامل لمصادر دخل شريحة واسعة من الأفراد خاصة من الطبقات الهشة والمحرومة جراء تداعيات الوباء السلبية على الأنشطة الحرة والموسمية والأعمال الحرفية واليدوية التي يعمل فيها ملايين من الأفراد خاصة من ذوي المستوى التعليمي والاجتماعي المحدود.
وحسب رصد قسم توقعات المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) من المرجح أن توسع ارتدادات الوباء الهوة بين الطبقات الاجتماعية. ومن المتوقع زيادة شريحة الفقراء ومحدودي الدخل، وهو ما قد يبرر زيادة تاريخية لحجم المطالبة بالمساعدة الاجتماعية الملحة. ومالم تتوفر هذه المساعدات بشكل شامل ووتيرة سريعة فد تزيد مخاطر نمو ردود فعل غاضبة قد تتحول الى مظاهر سلبية كسلوكيات انتقامية خاصة بين فئات معدومي الدخل أو فاقدي الدعم الاجتماعي من شريحة المراهقين بشكل أساسي وقد يتم التغرير ببعضهم في أعمال فوضى ونهب وسرقة وارتكاب جرائم وصولاً الى سعي أطراف الى استقطابهم في حراك سياسي أو أيديولوجي.
وما قد يمثل مصدر قلق جدي على المدى القريب هو إمكانية تحريض أطراف تخريبية لعدد من الغاضبين العرب للقيام باحتجاجات قد تتطور الى أعمال عنف تصل الى حد الفوضى وزيادة الشغب والسرقة والنهب وارتكاب الجرائم بمبررات تردي الأوضاع الاجتماعية وزيادة التهميش وانعدام مصادر الدخل أو فرص في العمل. هذا القلق قد يتضاعف خلال الصيف بسبب زيادة المخاوف من تحمس البعض لمحاكاة الاحتجاجات الأمريكية والتي سجلت في مغلبها مظاهر انفلات وفوضى وسرقة ونهب بمبررات أغلبها اجتماعية تعكس موقف نسبة كبيرة من الشرائح الفقيرة المطالبة بتحسين أوضاعها.
هذه المخاوف تتزامن أيضاً مع خروج العالم العربي تدريجياً من الصدمة التي خلفها وباء كورونا على الانسان والاقتصاد. خروج قد يجعل المؤسسات والأفراد على موعد مع تراكم المديونيات واستحقاقات مالية واجتماعية قد تطالب بها البنوك والحكومات التي اتبعت أغلبها سياسات تأخير مواعيد دفع مديونيات المواطنين والمؤسسات سواء كضريبة أو قروض أو رسوم أو فواتير أو غرامات أو أجرة الكراء.
ومن المتوقع أن تسجيل ارتفاع غير مسبوق في النزاعات والقضايا المالية. وقد يواجه البعض خياران فقط: اما الاضطرار لسداد المديونيات المتخلدة أو مواجهة أحكام وغرامات. وقد ما يمثل ذلك مصدر توتر اجتماعي اضافي لدى طبقات محدودي الدخل. وبموجب ذلك هناك مخاطر محتملة لتسجيل عمليات تحيل مالي وتهرب ضريبي للحيلولة دون سداد المديونيات المتعثرة. وهو ما قد يقود البنوك الى إجراءات استباقية أكثر صرامة لمنع الانكشاف على الديون المعدومة أو المتعثرة أو على مستوى منح تقليص تسهيل قروض دون ضمانات كافية. وهو ما قد يراكم الأعباء على الحكومات.
توقعات بزيادة التعثر المالي للأفراد
على غرار تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008، من المتوقع أن يتعثر الكثيرون في العالم العربي في الايفاء بالتزامات مالية مستحقة عليهم في مرحلة ما بعد الوباء نظرا لتراجع مدخرات الأفراد والأسر بسبب زيادة الاستهلاك وعدم الإنتاج طيلة فترات الحجر الصحي التي تعدت أكثر من 4 أشهر يستهلك خلالها اغلب افراد المجتمع بدون مردود يذكر. وفي حين قد يكون تأثير التوقف عن العمل اقل وطأة عند الطبقات المتوسطة والعاملة في القطاع الحكومي، قد يكون التأثير سلبياً للغاية على الطبقات الضعيفة وخاصة العاملين بينها بشكل مؤقت وبنظام العقود المحدودة الأجل في القطاع الخاص وفي المؤسسات المتضررة بتداعيات الوباء والتي قد تضطر بعضها الى عدم الالتزام بدفع رواتب الموظفين خلال توقفهم عن النشاط. ما قد يسفر عن وجود تدريجي لمسار شعبي محتمل بين فئة محدودي الدخل أو أصحاب الأعمال الحرة يتثمل في تسجيل ارتفاع متوقع غير مسبوق لنسبة مطالبة البعض بتأجيل مواعيد الايفاء بالالتزامات المالية أو اعفائهم جزئياً أو كلياً من جزء من القروض أو الضرائب أو الرسوم.
وقد تتراجع مظاهر التضامن الشعبي في الدول العربية التي عرفت أوجها منذ بداية الوباء، لتنفتح على الأرجح أبواب الغضب الشعبي ضد مخلفات وتداعيات الجائحة على حياتهم، خاصة على مستوى انخفاض مصادر الدخل وتقلص القدرة الشرائية وتراكم مديونيات متأخرة السداد، ويحدث ذلك في ظل توقع زيادة نمو معدلات البطالة وتراجع وتيرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تؤثر على تقلص إيرادات الافراد والأسر.
زيادة المخاوف من محاكاة الشارع العربي لنموذج فوضى احتجاجات أميركا
كسر بعض المحتجين الأميركيين لقواعد الالتزام والاحترام لقوانين الدولة خاصة في ما يتعلق بعدم احترام إجراءات الوقاية من انتشار الفيروس التي تعتبر الولايات المتحدة بؤرته الرئيسية في العالم والاكثر تضررا منه، ناهيك عن ضرب المحتجين لإرشادات التباعد الاجتماعي عرض الحائط، والتجمع في الشوارع احتجاجا على مقتل مواطن أميركي أسود على يد الشرطة صاحب ذلك مظاهر تخريب واعمال عنف ونهب وسلب كبيرة، كل هذه الأحداث والتفاعلات التي تأتي من أعنى دول العالم وأقدرها على تجاوز الوباء تمثل مقدمة مقلقة لما قد يحدث في بقية دول العالم. حيث يعتبرها البعض في دول كثيرة في العالم ذريعة للاحتجاج مستقبلا ضد أي اجراءات تقشفية تقدم عليها الحكومات.
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الوباء قد لا ينتظر الكثيرون خاصة من محدودي أو معدومي الدخل أطروحات حكومية لمعالجتها نظرا لتراجع مؤشر الثقة الشعبية في الحكومات والسياسيين خاصة في الدول الفقيرة. ويتم تسجيل مخاوف جدية حول إمكانية ظهور مظاهر احتجاجية يندفع اليها البعض على المدى القريب مستلهمين الجرأة من نموذج الاحتجاجات في الولايات المتحدة والتي بدأت باستنكار مقتل مواطن أمريكي أسود (جورج فلويد) في البداية لتتطور لاحقاً الى مسيرات وأعمال عنف تطالب بالتغيير والمحاسبة السياسية والعدالة والحريات.
وما قد يثير حفيظة دول عربية كثيرة يتمثل في أن نموذج الاحتجاجات العنيفة التي تصدرها مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام الى الشعوب العربية قد يحرض البعض على العنف وزيادة ارتكاب الجريمة والتصادم مع السلطات في ظل التنفيس عن غضب مكبوت أو ردود أفعال عن زيادة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وهو قد ينذر بموجة اضطرابات مالية للمؤسسات والافراد قد تتطلب خطط انقاذ ضخمة لمعالجتها طيلة الخمس سنوات المقبلة على أقل تقدير.
هذه الاضطرابات المتوقعة قد تزيد حدتها مسيرات احتجاجية محتملة واعتصامات عمالية قد تؤثر على العمل الاقتصادي والسياسي وقد تربك عمل الحكومات وتزيد من تدني معدلات التنمية والاستثمار بدافع توقع زيادة المخاوف حول تراجع عامل الاستقرار والأمن.
وقد توقعت سابقاً مؤسسات مالية كبرى سابقا على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي[2] مظاهر احتجاجية في العالم العربي عقب نهاية الوباء. لكن ما يخيف فعلاً هو زيادة توقع محاكاة الفوضى أسوة بما يحدث في الولايات المتحدة، والذي قد يحرض بشكل غير مباشر على زيادة ارتكاب جرائم وأعمال عنف ونهب وسرقة قد تؤدي الى حالة من الفوضى الشاملة خاصة في الدول الضعيفة اقتصادياً وغير المستقرة سياسياً وهو ما يقود الى إمكانية دخول عدد من الدول في إدارة أزمة غير معلومة مع زيادة التحذير من ارتدادات تراجع القدرة المعيشية وارتفاع معدلات البطالة والفقر وشلل جزئي للمؤسسات وخاصة الصغيرة والمتوسطة.
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)
الهوامش:
[1] Global risk report, Rising social instability, a growing risk for global businesses
Global risks | Article | March 29, 2015, zurich credit and Political risk, https://www.zurich.com/en/knowledge/topics/global-risks/rising-social-instability-a-growing-risk-for-global-businesses
[2] Emma Graham, IMF warns ‘vulnerabilities high’ in the Middle East hit with dual shock of coronavirus and oil plunge, APR 15 2020, https://www.cnbc.com/2020/04/15/imf-warns-vulnerabilities-high-in-the-middle-east-hit-with-dual-shock-of-coronavirus-and-oil-plunge.html