– الكويتيون: الرفاه المالي والصحي والأمن الغذائي ومحاسبة الفاسدين وتعديل التركيبة السكانية
– السعوديون: تحقيق الاكتفاء الذاتي ومطالب التوظيف والدعم الاجتماعي
– الاماراتيون: جودة الحياة وتسهيل توجهات العمل والتعليم والخدمات عن بعد وزيادة إجراءات سهولة الأعمال
– البحرينيون: تعزيز مصادر الدخل واستمرار دعم الخدمات الاجتماعية
– القطريون: الحفاظ على امتياز تنظيم كأس العالم والخروج من العزلة
– العمانيون: الأمن الوظيفي وعدم خفض الدعم المقرر للشركات والأفراد
– الدروس المستفادة عالمياً: الدول الأكثر نجاحًا في محاربة فيروس كورونا المستجد هي ذات شعب متعلم جيدًا، ومستويات عالية من الثقة والشفافية، وحكومات يديرها قادة متعلمون
قسم أبحاث المركز
MenaCC
16 يونيو 2020
الملخص:
أثّرت بشكل عميق وبالغ تداعيات جائحة كورونا على أولويات المواطن الخليجي حاضراً ومستقبلاً. اذ أن تضرر دول الخليج صحياً جراء انتشار الفيروس فضلاً عن الضرر الاجتماعي والاقتصادي نتيجة إجراءات الاغلاق الشامل والحجر الصحي التي أدخلت بلدان المنطقة في عزلة مؤقتة، شكّل عند المواطن اهتمامات جديدة قلبت سلّم ترتيب أولوياته وقضاياه مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
وقد غيرت الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا من أولويات دول الخليج حكومات وشعوباً. وفي حين تتشابه أولويات الحكومات الخليجية خاصة حول مسارات تعزيز خطط التقشف وترشيد الموارد بعد تراجع أسعار النفط والغاز، تفاوتت في المقابل أولويات المواطنين الخليجيين حسب كل بلد على الرغم من وجود نقاط تشابه في بعض المطالب التي باتت تشكل أولويات قصوى على غرار زيادة الاهتمام بتغيرات وجهات السفر من أجل التعليم والسياحة والاستثمار أولويات المرحلة المقبلة.
وحسب رصد تحليلي لبيانات وآراء لمواطنين من دول مجلس التعاون الخليجي من بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي بين شهري ابريل ومايو أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)، تبيّنت عدة استنتاجات يمكن ان تمثل مؤشراً على حدوث بعض التغيرات المحتملة في دائرة اهتمام المواطن الخليجي في المرحلة المقبلة وعلى المدى القريب.
وفي حين تشابهت بعض أولويات المواطنين الخليجيين الجديدة والتقت حول مطالب مثل تعزيز الأمن الصحي والغذائي وتوفير ودعم خدمات الرعاية الصحية والطوارئ، فضلاً عن مطالب تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص التبعية للخارج واستثمار القدرات المحلية، الا أنها في الوقت نفسه اختلفت حول قضايا أخرى في مجالات متعددة.
وقد أثرت جائحة كورونا (Covid-19) في دول مجلس التعاون الخليجي على المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وأفرز التأثير بروز أولويات جديدة مثل دعم الاتجاه للحلول الرقمية لتعزيز النظم الصحية والاجتماعية[1]. حيث فرضت المتغيرات المصحابة للوباء واقعاً جديداً تعزز فيه الاهتمام بزيادة الاستخدام الرقمي في جميع أنحاء المنطقة[4].
كما بزر الاهتمام بالأمن الصحي والغذائي[2] نظرا لتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية[3] الذي فرضها وباء كورونا المستجد على دول الخليج حيث تأثرت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بصدمتين متزامنتين: تفشي Covid-19 وانخفاض أسعار النفط.
الكويتيون: الرفاه المالي والصحي والأمن الغذائي ومحاسبة الفاسدين وتعديل التركيبة السكانية أبرز الأولويات
بفضل احتياطات الكويت المالية الجيدة على الرغم من تضررها، الا أن المواطن الكويتي غير مهدد على المدى القريب بتقلص امتيازات حياة الرفاه التي يعيشها. ولقطع الطريق عن أي مساع حكومية لتشريك المواطن في تحمل كلفة التحولات التي فرضتها جائحة كورونا ظهرت بعض التوجهات الشعبوية والنيابية تحذر الحكومة من تحميل المواطن فاتورة حزمة الإنقاذ. وهذا ما أثر على تقدم أولويات الحفاظ على حياة الرفاه في المستقبل على باقي الأولويات. والى جانب هذه الأولوية أصبحت قضية الأمن الصحي والغذائي بين أهم أولويات الفرد في الكويت، وتبرر ذلك أولاً تضرر البلاد بمستويات انتشار الفيروس الكبيرة وأعداد المصابين والوفيات المرتفعة، وثانياً تعثر سلسة الواردات الكويتية بسبب الإغلاق العالمي.
وانضاف الى اهتمام المواطن الكويتي الهاجس حول مصادر ثروة أجيال المستقبل بعد التراجع التاريخي لأسعار النفط الذي قلّص بشكل غير مسبوق حجم إيرادات البلاد وأثر على مستويات الاحتياطات المالية.
ونظرا لبروز قضايا فساد اداري ومالي جديدة، صعدت أولوية المحاسبة ومحاربة الفساد بين أولويات المواطن الكويتي.
وعلى صعيد آخر نظرا للتعثرات المالية المحتملة للأفراد والمؤسسات في مرحلة ما بعد كورونا، فقد ترتفع مطالب اسقاط القروض من جديد ومعارضة رفع الدعم أو أي امتيازات وظيفية أو اجتماعية، ورفض الخصخصة، فضلاً عن احتمال ظهور توجهات شعبية أكثر زخماً لزيادة توطين الوظائف والاستغناء عن الوافدين. وكلها مطالب لطالما ميزت شعارات وأهداف الحملات الانتخابية في الكويت، لكن هذه المرة قد تكون وتيرة الحماس وسقف الانتظارات أعلى من أي وقت.
وصعدت أيضا أولوية معالجة خلل التركيبة السكانية بين أهم القضايا الحارقة التي قد تصبح مادة دسمة للشعارات الشعبوية. الى ذلك فان تصورات المواطن الكويتي لبيئة العيش والعمل في ظروف صحية وآمنة هي أكبر تطلعاته الجديدة حسب رصد لتحليل جزئي للبيانات والتعليقات المتداولة للكويتيين على مواقع التواصل الاجتماعي بين مارس وابريل.
أهم أولويات السعوديين: تحقيق الاكتفاء الذاتي ومطالب التوظيف والدعم الاجتماعي
نظرا لكون المملكة العربية السعودية الأكثر تضرراً خليجياً بانتشار فيروس كورونا، فان مطالب تحسين جودة الخدمات الصحية قد تكون بين أهم أولويات المواطن السعودي خلال العقد المقبل. الى ذلك على غرار تبعات الأزمة المالية العالمية في 2008، قد تصبح مشاغل المواطن السعودي أكثر تركيزاً على مطالب التوظيف والدعم الاجتماعي، وهو ما ينبأ بعودة “حملة توطين الوظائف” بقوة في مجالات مختلفة لاستيعاب القوة العاملة السعودية وتقليص نسبة البطالة خاصة من فئة أصحاب الشهادات.
وتقدم أيضا مطلب تحقيق الاكتفاء الذاتي والتعويل على القدرات المحلية في سلم اهتمامات المواطن السعودي بعد أن كان متأخرا في السنوات الماضية نتيجة عدم مواجهة السعودية لأزمة مماثلة خاصة على مستوى إجراءات الإغلاق التي أثرت على اضطراب سلاسل التوريد ووتيرة العمل وكشفت عيوب ارتباط عدد من القطاعات سواء بالمواد الأولية المستوردة أو بالعمالة الأجنبية.
وعلى صعيد آخر، تستمر أولوية محاربة الفساد بقوة بين أهم أولويات المواطن السعودي والحكومة السعودية من أجل دعم ترشيد موارد الدولة وعدم هدرها.
أهم أولويات الاماراتيين: جودة الحياة وتسهيل توجهات العمل والتعليم والخدمات عن بعد وزيادة إجراءات سهولة الأعمال
بفضل الإنجاز الذي حققته الامارات في مكافحة انتشار فيروس كورونا عبر اعتماد حلول رقمية ذكية ومتطورة لدعم سياسات تعزيز مناعة جل المواطنين والمقيمين فيها من الأوبئة من خلال تقصي وبائي شامل لتفادي أي موجات جديدة، طفت على السطح أولويات جديدة لدى المواطن والمقيم في الامارات تتعلق باستشراف مستقبل جودة الحياة. حيث بزرت الى جانب الاهتمام بالرعاية الصحية أولويات جديدة كزيادة الاهتمام بتسهيل الخدمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية عن البعد. وزاد الاهتمام بأولوية التعليم وخيارات وتحديات التعليم عن بعد والابتعاث كأحد اهم المشاغل الطارئة.
بالإضافة الى ذلك زاد الاهتمام بالحديث عن اجراءات سهولة الأعمال والاستثمار في المشاريع الالكترونية. في الآن نفسه برزت مطالب تحسين مستويات المعرفة والدخل سواء بين المواطنين او المقيمين، الى ذلك تعزز الاهتمام أكثر بالاستثمار في خدمات رعاية الأطفال الصحية والتعليمية.
ونظرا لاستقرار احتياطات الامارات المالية لم تحدث تغيرات مقلقة حول ترتيب مطالب الرفاه بين أولويات الاماراتيين. كما برز الاهتمام بتغيرات وجهات السفر من اجل التعليم والسياحة والاستثمار بشكل ملحوظ.
البحرينيون: تعزيز مصادر الدخل واستمرار دعم الخدمات الاجتماعية أهم الأولويات
في حين تضرر قطاع كبير من الشركات البحرينية خاصة في القطاع الخاص من اجراءات الاغلاق الشامل فضلا عن تأثر قطاعات كثيرة بتراجع إيرادات النفط، وهذه الأسباب التي دفعت الى تقلص فرص الاستثمار وتراجع مصادر الدخل خاصة للطبقات الضعيفة ومحدودي الدخل، شهدت أولويات البحريين بعض التغييرات حيث تقدمت مطالب الاستقرار الاقتصادي وحماية مصادر الدخل والتفكير في سبل دعم الخدمات الاجتماعية والصحية أكثر من غيرها من الخدمات. كما برزت مطالب تعزيز البنى التحتية الصحية كأحد أهم المطالب الملحة على الرغم من نجاح البحرين مقارنة بدول عربية في تطويق الجائحة وتسجيل نسبة شفاء عالية.
القطريون: الحفاظ على امتياز تنظيم كأس العالم والخروج من العزلة أهم الأولويات
باتت أولويات القطريين على الأرجح تهيمن عليها هواجس التأثر بعزلة قطر الصحية والسياسية أكثر من ضمان استقرار حياة الرفاه في المستقبل. فنظرا لزخم مكثف لحملات إعلامية دعائية قطرية عن مسار التقدم في استعدادات (كأس العالم لكرة القدم قطر2022) وأخرى مشككة في قدرة قطر على إنجاح التظاهرة الدولية، زاد اهتمام المواطن القطري بتحديات هذا الحدث خاصة في ظل استمرار عدم اليقين بمدى تأثير ارتدادات الجائحة على نجاح أضخم حدث رياضي في العالم فضلاً عن ضبابية أفق نهاية الأزمة الخليجية التي على الأرجح أن تؤثر بشكل مباشر وسلبي ان استمرت المقاطعة[5]. وفي حين يستمر تسجيل عدد إصابات جديدة بالفيروس التي تباطء من عملية تعافي الاقتصاد القطري، زادت اهتمامات المواطن القطري بالخروج من العزلة الصحية والاقتصادية في ظل تراجع استثمارات القطاع الخاص وتقلص إيرادات الدولة بشكل غير مسبوق سواء من النفط والغاز او من ايرادات صندوقها السيادي.
العمانيون: الأمن الوظيفي وعدم خفض الدعم المقرر للشركات والافراد أبرز الأولويات المحتملة
في ظل توقعات بإقرار إجراءات تقشفية كبيرة تدفع اليها احتمالات تعميق تداعيات وباء كورونا أزمة الاقتصاد العماني[6] الذي يواجه مشاكل مالية خانقة زاد من حدتها تراجع إيرادات النفط، من المتوقع تغير أولويات المواطن العماني على إثر هذه المستجدات خاصة وأن عمان ماتزال تسجل إصابات جديدة بالفيروس الذي ما يزال يقيد إجراءات التعافي ويربك استئناف الحياة الى طبيعتها وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على سوق العمل ويزيد من مخاوف ارتفاع معدلات البطالة. وعلى ضوء ذلك، فمن أهم معالم التغيرات المحتملة في سلم أولويات عموم العمانيين ظهور رغبة ملحة لتعزيز الأمن الوظيفي سواء بوجود امتيازات او بتقلصها، مع عدم استبعاد ظهور مطالب لمنع أي إجراءات محتملة لخفض الدعم المقرر للشركات والأفراد على غرار ما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008[7].
الدروس المستفادة من وباء كورونا عالمياً
في وسط الفوضى الحالية، تُظهر بعض الدروس والتجارب أن الدول الأكثر نجاحًا في محاربة فيروس كورونا المستجد هي ديمقراطيات وأوتوقراطيات ذات شعب متعلم جيدًا، ومستويات عالية من الثقة والشفافية، وحكومات يديرها تكنوقراطيون أو قادة متعلمون. ويمكن ذكر بعض نماذج هذه الدول على غرار نيوزيلندا وأستراليا وجمهورية التشيك وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان، فيتنام وهونغ كونغ وسنغافورة[8].
وعلى النقيض من ذلك، كانت الحكومات التي يقودها الشعبويون، سواء تم انتخابهم أم لا، أقل نجاحًا بشكل عام مع استثناءات لهذه القاعدة. فالشعبويون الذين يدعون أنهم يجسدون إرادة الشعب ضد النخب الفاسدة يشككون في رأي الخبراء (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمرشد الإيراني علي خامنئي). لذا فهم يميلون إلى تجاهل نصيحة العلماء، مفضلين “الحقائق البديلة” المصممة حسب رغبتهم. ويوصفون بأنهم متخصصين في تقسيم الشعب، لذلك يصعب عليهم التوحد ضد تهديد مشترك[9]. فالرئيس البرازيلي جاير بولسونارو على سبيل المثال رجل شعبوي أدت قراراته الى تسجيل البرازيل أكثر حالات الوفاة بفيروس كورونا المؤكدة في العالم النامي بأسره.[10]
الدروس المستفادة عربياً
تواجه الحكومات العربية والخليجية احتمالات اجتياز أصعب اختبار لها منذ ربع قرن ويتمثل في “اختبار الثقة” ومدى إمكانية البرهنة على قدرتها على مواجهة الازمات وخاصة تحديات تركة الجائحة الثقيلة على الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الاختبار سيكون مفصليا وتاريخيا في دعم الاستقرار على المدى القريب. وسيشمل الاختبار المحددات التالية: مدى شعبية القرارات المتخذة وخاصة خيارات التقشف، وكذلك مدى شفافية المؤسسات الحكومية في الإفصاح عن حقيقة الوضع والحلول الناجعة واليات تعبئة الموارد المالية دون تحميل المواطن عبئاً أكبر ومحاسبة الفاسدين.
وكشفت جائحة كورونا هشاشة مخططات التنمية في أغلب دول العالم العربي. وأظهر رصد تفاعلات الحكومات والشعوب العربية مع انتشار فيروس كورونا ونتائجه التي أدت الى شلل الاقتصاد وتعميق الفجوة في مسار التنمية ومضاعفة الظواهر السلبية كالفقر والبطالة، أظهر تضامناً كبيراً بين الطبقات المتوسطة والفقيرة مع الحكومات في مواجهة الأزمات والكوارث. الا أن هذا التضامن مثلما يمثل مؤشرا إيجابياً داعما للاستقرار يشكل في الان نفسه علامة تهديد مستقبلي على المدى البعيد لمنظومة الرأسمالية العربية. حيث قد تنشأ تيارات فكرية وطنية اشتراكية قد تزيد شعبيتها وتؤمن أكثر بتحقيق مبادئ العدالة والمساواة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتدعو الى تقليص الفوارق بين الطبقات، وهو ما يجعل النخب مدعوة لمحاولة استيعاب التغيرات وزيادة تعزيز جسور التواصل مع المجتمع وتعزيز دورها في المسؤولية المجتمعية والاستثمار أكثر في دعم المبادرات الشبابية والمشاريع الخيرية والإنسانية ومنع انهيار طبقة محدودي الدخل. حيث أن أدوار الدولة قد تكون محدودة مستقبلاً في إدارة مستقبل التنمية واستيعاب التحديات الضخمة، وبذلك قد تكون هناك فرصة أكبر لزيادة وجود اتفاقيات شراكة حكومية مع القطاع الخاص خاصة في دول الخليج للمشاركة في التنمية.
لكن الجائحة تكشف في الوقت نفسه عن مستوى كارثي لجودة البنى التحتية الصحية في العالم العربي وخاصة في الدول الضعيفة أو التي تعاني من صراعات، فضلاً عن رصد واقع مزري للعلوم والبحوث الطبية ومحدودية الابتكار على سبيل المثال في مجالات الصناعات الدوائية أو المعدات الطبية. الى ذلك فقد كشفت أيضاً عن تباينات حادة في مجال نوعية وجودة الرعاية الصحية، حيث أن أكثر من نصف دول العالم العربي[11] تعاني بشدة من أزمة نقص في الكوادر الطبية المؤهلة وفي عدد المستشفيات المتخصصة والمعدات الطبية خاصة لأقسام الإنعاش والطوارئ.
وأظهر انتشار الفيروس عدم جهوزية أكثر من 70 في المئة[12] من الدول العربية لتحمل ذروة تفشي الأوبئة، في حين أن دول الخليج فقط هي الأكثر قدرة على الصمود أمام حالات الطوارئ الصحية وتفشي عدوى الفيروسات نظرا لتوافر القدرات والتجهيزات الطبية. لكن في الوقت نفسه فان دول الخليج انكشفت بشكل غير مسبوق على مخاطر عالية تتمثل في مستويات مرتفعة للتبعية التجارية والصحية والغذائية للخارج.
وعلى صعيد متصل كشف الوباء عن عيوب كبيرة أخرى في اقتصادات دول الخليج أبرزها هشاشة التنمية ومعدلات النمو وارتباطها بالاقتصاد النفطي ومجالات ذات نسبة مخاطر عالية كالأسواق المالية بالإضافة لنقص شديد في مؤشرات تنويع الاقتصاد والاكتفاء الذاتي فضلا عن زيادة غير مبررة لحجم عمالة جزء منها لا يسهم بشكل مباشر في التنمية الخليجية الحقيقة ذات القيمة المضافة، وعلاوة على ذلك ترهق الأنظمة الصحية والاجتماعية والبيئية لدول المنطقة.
كما أوضحت الدروس المستفادة تأخر دول العالم العربي في المقام الأول وبلدان الخليج في درجة ثانية عن ركب البلدان الماضية في مسيرة التحول نحو اقتصاد المعرفة وتأهيل القطاعات الحيوية لذلك، ولعلّ محدودية مشاريع رقمنة الخدمات كالخدمات الادارية أو التعليم عن بعد أبرز دليل على ذلك.
وعلى صعيد آخر، من الملاحظ أن دول الخليج الطامحة للتحول الرقمي والمعرفي لا يمكنها الاستغناء في المدى القريب عن خبراتها الخارجية من الوافدين خاصة في ظل بداية طريق تحولات هذه الدول الى اقتصادات غير نفطية تعتمد على قطاعات أساسها الابتكار والابداع والبحث والتطوير، وهذه المجالات تفتقر دول الخليج لخبرات محلية كافية لتطويرها، ما يجعلها في تبعية وقتية لخبرات وكفاءات خارجية خاصة في مجالات الذكاء والصناعات المتقدمة.
الاستنتاجات:
وان ظهرت مؤشرات على بداية تعايش الخليجيين مع تداعيات كورونا حيث تعززت توجهات استيعاب الصدمة واستئناف الحياة من جديد تدريجياً، الا أن هذه العودة المرحلية المشروطة حملت معها تغييراً طارئاً على أولويات مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة المقبلة. ومن المرجح أن تتأثر نسبة من الخليجيين بطول فترات إجراءات تخفيف قيود الحجر الصحي فضلاً عن الحظر الجزئي والشامل والتي امتدت الى نحو 6 أشهر منذ ظهور الجائحة في بلدان الخليج الى حين عودة الحياة الى واقع ما قبل الوباء. وهذه فترة طويلة تعثرت فيها أنشطة المؤسسات والافراد في دول الخليج وبعثرت أيضا أولويات المواطنين والمؤسسات.
وحسب دراسة توجهات الحكومات الخليجية، تبينت زيادة الحرص على تنمية الموارد الطبيعية وتنوعها وبناء مستقبل آمن لأجيال غد خاصة على مستوى تعزيز مقومات بيئة الحياة السليمة، كما برز اهتمام دول الخليج بأولوية التفوق الاستراتيجي في القطاعات والخدمات التكنولوجية لدعم اقتصاد المعرفة على حساب اقتصاد الطاقة، فضلاً عن توقعات بتعزيز الاستثمار في الطاقات النظيفة والبديلة.
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)
الهوامش:
[1] المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، تاثير جائحة covid19 في دول الخليج على الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية، مايو 2020، https://gccstat.org/images/gccstat/docman/publications/corona%20report.pdf
[2] المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، تاثير جائحة covid19 في دول الخليج على الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية، مايو 2020، https://gccstat.org/images/gccstat/docman/publications/corona%20report.pdf
[3] Assil El Mahmah and Magda Kandil, Economic challenges for the GCC countries after Covid-19, Economic research forum, MAY 27, 2020, https://theforum.erf.org.eg/2020/05/20/economic-challenges-gcc-countries-covid-19/
[4] Arab Center Washington DC, The Coronavirus Pandemic and the Arab World: Impact, Politics, and Mitigation, MARCH 24, 2020, http://arabcenterdc.org/policy_analyses/the-coronavirus-pandemic-and-the-arab-world-impact-politics-and-mitigation/
[5] Qatar worried global recession could hurt World Cup attendance, Japantimes, May 2021, https://www.japantimes.co.jp/sports/2020/05/21/soccer/qatar-worried-global-recession-hurt-world-cup-attendance/#.Xug38kUzbIU
[6] Marc J. Sievers, Oman’s handling of the coronavirus, atlanticcouncil, FRI, APR 3, 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/omans-handling-of-the-coronavirus/
[7] May Khamis, The Impact of the Global Financial Crisis on the GCC Region: Lessons and Reform Priorities, International Monetary Fund, Roundtable on Effective and Efficient Financial, Regulation in the MENA Region, December 6-7, 2010, Doha, Qatar, https://www.oecd.org/mena/competitiveness/privatesectorinitiatives/46758795.pdf
[8] Max Boot, Trump isn’t the only populist leader losing the battle against the coronavirus, washington post, 6 May 2020, https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/05/06/trump-isnt-only-populist-leader-losing-battle-against-coronavirus/
[9] Max Boot, Trump isn’t the only populist leader losing the battle against the coronavirus, washington post, 6 May 2020, https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/05/06/trump-isnt-only-populist-leader-losing-battle-against-coronavirus/
[10] Max Boot, Trump isn’t the only populist leader losing the battle against the coronavirus, washington post, 6 May 2020, https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/05/06/trump-isnt-only-populist-leader-losing-battle-against-coronavirus/
[11] تقديرات المركز على أساس دراسة تأثر الدول العربية بجائحة كورونا على مستوى القطاع الصحي (معلومات من بيانات وزارات الصحة ومنظمات المجتمع المدني حسب كل بلد)
[12] تقديرات المركز مبنية على نتائج رصد سياسات استجابة الدول العربية لوباء كورونا covid19