أمير الكويت بين القادة الأكثر تأثيراً في الجهد الإنساني والاستقرار العربي في العقد الماضي

واقع ومستقبل الاستقرار في العالم العربي ودور المؤثرين فيه أحداث مهمة

17 يونيو، 2020


قسم الأبحاث بمركز

MenaCC

17 يونيو 2020

 

الملخص:  قد تتحول شخصية وأفكار ومواقف أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى مرجعية هامة لصناع القرار في العالم العربي والإسلامي مستقبلاً من أجل صنع السلام والاستقرار الداخلي والخارجي. فحسب رصد قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) لأهم الشخصيات القيادية العربية المؤثرة والمبادرة في صنع السلام والاستقرار المحلي والاقليمي والدولي على امتداد العقد الماضي (2010-2020)، جاء أمير الكويت بين أكثر القادة العرب تأثيراً خلال العشر سنوات الأخيرة في دعم جهود ومبادرات السلام والاستقرار والعمل الإنساني محلياً واقليمياً ودولياً.

 

ويأتي هذا التصنيف ضمن تقرير “واقع ومستقبل الاستقرار في العالم العربي ودور المؤثرين فيه” بعد مرور عشر سنوات منذ بداية أحداث ما يسمى بالربيع العربي. فبمناسبة قرب مرور ذكرى العقد الأول على انطلاق احتجاجات الربيع العربي في ديسمبر 2010 بتونس والتي ماتزال بعض الدول لم تتجاوز بعد ارتداداتها الى اليوم، فان مسار الاستقرار والعمل الإنساني عربياً تأثر أكثر من أي وقت مضى وما يزال مهددا بتداعيات أزمات متلاحقة حدثت خلال العشر سنوات الأخيرة في عدد من الدول العربية باستثناء بعض البلدان أبرزها الكويت التي نجحت خلال العقد الماضي في تثبيت عوامل الاستقرار الداخلي وتجاوز الأزمات، فضلاً عن تعزز دورها في نشر مبادرات السلام والتعاون في محيطها الإقليمي والعربي والدولي.

ولعل محافظتها على مبدأ الحياد، ومبادراتها الإنسانية والسياسية المختلفة في حل أزمة اليمن والأزمة الإنسانية في سوريا والعراق والوساطة في الأزمة الخليجية أو الخلاف الخليجي الإيراني أو دورها في إحلال السلام في فلسطين وانهاء الصراع العربي الإسرائيلي ومواجهة الاحتلال فضلاً عن دورها في دعم المسلمين في مناطق كثيرة في العالم أبرزهم مسلمي الروهنغا، كلها دلالات عن نمو دور الكويت الديبلوماسي بقيادة أكير الكويت الذي بات ملهما للاستقرار والسلم بعد تكريمه من منظمة الأمم المتحدة بلقب زعيم الإنسانية واختياره قائدا للعمل الإنساني في 2014.

رويترز

وحسب دراسة أكثر الشخصيات القيادية المؤثرة في مسارات الاستقرار والسلام الإقليمي والعربي والعالمي خلال العقد الماضي، برز دور أمير الكويت في إحلال السلم الداخلي وتفضيل التغيير الهادئ وهو ما أثر إيجاباً على تجاوز الكويت ارتدادات مختلف الأزمات بداية من الثورات العربية مرورا بأحداث الإرهاب والصراعات المسلحة والأزمات السياسية أبرزها الأزمة الخليجية وصولاً الى أزمة راهنة غير واضحة المعالم وهي تداعيات أكبر جائحة تعصف بالعالم منذ 100 عام.

وقد تفادت الكويت بفضل سياساتها الهادئة المحلية والاقليمية والدولية مصادر توتر كثيرة، وعززت من شبكة صداقاتها وهو ما يمثل رصيداً ضخماً قد تستثمره الكويت مستقبلاً في تعزيز دورها الاقليمي والدولي وعقد شراكات في مجالات حيوية قد تزيد من تحسين تموقعها على خارطة المصالح في العالم.

وفي حين تزيد التوقعات بتأثيرات سلبية للجائحة على استقرار عدد من الدول العربية ناهيك عن ارتدادات قد تربك السلام والتعاون المشترك في العالم العربي، غلبت النظرة المستقبلية الايجابية لوضع الاستقرار في الكويت على أي احتمالات أخرى.

وقد تعزز دور الكويت الإقليمي والدولي في جهود الاستقرار والعمل الإنساني محلياً واقليماً ودولياً، وحسب دراسة تطور سياسات الكويت وتأثيراتها الداخلية والإقليمية والدولية، باتت الديبلوماسية الكويتية أكثر تأثيرا من أي وقت مضى، ما يجعل الكويت بين أهم المؤثرين الهادئين في الإقليم والعالم العربي.

وفي حين قد يشهد العالم العربي أزمات متتالية على المديين القريب والمتوسط جراء وباء كورونا، قد تتحول رؤى وأفكار بعض القادة على غرار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى مصدر الهام لحلّ الأزمات. اذ أن مرحلة ما بعد جائحة كورونا قد تحتاج الى استلهام مجموعة من الأفكار والحلول الناجعة التي طبقت في السابق وقادت دولاً الى الاستقرار وحفظت السلم الاجتماعي في خضم الأزمات.

وتلوح في الأفق أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية قد تتعمق بفعل تداعيات الجائحة وسياسات الحمائية والانعزالية التي باتت علناً تؤثر على العالم العربي وتجعله مقسماً أكثر من أي وقت مضى. ومن غير المستبعد أن تصطدم حكومات عربية بزيادة مخاطر تراجع العمل العربي المشترك، وصولاً الى احتمال زيادة تصدع الكيانات والمنظمات العربية على غرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي يواجه مصيراً مجهولاً ان لم تتظافر جهود إقليمية حل الأزمة الخليجية.

وعلى صعيد آخر، قد يكون صناع القرار السياسي في الحكومات العربية بحاجة لأفكار وحلول استراتيجية ملحة سواء لمواكبة تغيرات كبرى تتضح قريباً أو توفير حلول لتأمين الاستقرار المنشود في ظل عاصفة من التوتر مقبل عليها العالم العربي حتماً جراء أعمق ركود اقتصادي عالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

ومن بين أبرز الأفكار الناجعة التي أثبتت جدواها في فترات الأزمات برزت بعض الرؤى والمبادرات التي طبقت في الكويت التي نجحت بدورها خلال السنوات الأخيرة في تصدر “ترتيب أكثر دول العالم العربي استقرار” على المدى القريب والمتوسط، مع حصولها على نتيجة مؤشر صفر مخاطر داخلية أو خارجية، وتحقيقها لأكبر شبكة صداقات في العالم مقارنة بدول العالم العربي.

الرؤى والأفكار التي سادت في الكويت خلال العقد الماضي ومكنتها من تجاوز أزمات كثيرة تمحورت حول إيجابية التغيير والمحافظة على وحدة المجتمع ومكتسبات الحقوق والحريات وتحفيز إنسانية الفرد وتمكينه من الفرص العادلة والمتاحة لرفع قدراته الإيجابية وتقليص مظاهر التهميش والسلبية، وهو ما انعكس إيجاباً على دور الفرد في المجتمع ودعم ثقته في التغيير السلمي والايجابي بعيدا عن مظاهر الفوضى وقد يرسخ لديه ميولاً أكبر للتضامن مع الدولة خاصة في أوقات الأزمات والمحن التي يقبل عليها العالم العربي تحت تأثير تداعيات وباء كورونا.

وقد أثرت تجربة أمير الكويت الطويلة في العمل السياسي والديبلوماسي والإنساني رصيد الأفكار الباعثة على الاستقرار والتي أثبتت جدواها ليس في الكويت فقط، بل في باقي دول العالم العربي. وقد عاصر الأمير أهم التحولات العربية منذ فترة الخمسينات بعد فترة الاستقلال ويعتبر من أكثر السياسيين العرب ممارسة للعمل السياسي والديبلوماسي دون انقطاع على امتداد أكثر من نصف قرن. حيث أثّرت مواقفه وأفكاره ورويئته المستقبلية على دعم الاستقرار الإقليمي المهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ومن المهم بمكان أن الدراسات أوضحت أن الشعوب تتأثر بشكل كبير بمسيرة القيادات الناجحة. وبما أن العالم بشكل أشمل والعالم العربي بشكل أخص مُقبل على إدارة أزمة إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية، بات من المهم التذكير بأهم التجارب الناجحة في تاريخ إدارة الأزمات في الوطن العربي وكيفية انقاذ الدول من واقع يغلب عليه التوتر الى بلوغ مرحلة استقرار آمن.

الكويت رغم صغر حجمها الا أنها رسخت علامة مميزة في العقد الأخير في التضامن والمبادرات الإنسانية ما انعكس ايجاباً على استقرار مجتمعها وانسجام مكوناته. ومن أهم مقومات التغيير الإيجابي التي سعت الكويت الى ترسيخها خاصة في أوقات الأزمات برزت أهمية الاستثمار في العمل التطوعي والإنساني الداخلي والخارجي، وهو مسار داعم لإرادة التغيير الايجابي واستقرار قيم المجتمع وتماسكه أمام تحديات ظاهرة الشعبوية الفوضوية التي تجتاح العالم.

كما تعززت جهود الكويت خلال العقد الماضي في تكريس احترام علوية الدستور والقانون واحترام صلاحيات المؤسسات والمحاسبة، والايمان بسيرورة الدولة وهو حسن من ثقافة المواطن السياسية التي تؤمن بطريقة التغيير الدستورية. ففي وجه تهديد الاستقرار الاجتماعي عملت الحكومات الكويتية في العقد الماضي على الرغم من أوجه التقصير على تعزيز بعض المبادئ أبرزها: تحسين مؤشرات التنمية البشرية بالاستثمار في اصلاح التعليم، وتمكين الفرد من الخدمات والمشاركة الفاعلة في المجتمع وفي الحياة السياسية والثقافية والحصول على حق التوظيف. تمكين كل فرد في المجتمع مهما كان انتمائه القبلي أو الطائفي او العرقي من حقه في الحياة والمساواة أمام القانون والعدالة.

وقد راهنت الكويت على الاستثمار في الفرد ومحاولة اصلاح مفهوم الهوية والانتماء وصولاً لذوبان الفرد في الهوية الكويتية الجامعة دون اقصاء وترسيخ علوية مصلحة الوطن على المصالح الفئوية أو الفردية فضلاً عن دعم نشر ثقافة السلام ونبذ العنف والتطرف، كما برزت جهود الكويت لاستكمال الإصلاح السياسي والقانوني وتعزيز العدالة والمسارة أمام القوانين وعلوية الدستور.

وعلى صعيد متصل، تعززت سياسات التضامن الاجتماعي ومكافحة الظواهر السلبية أبرزها الفساد، في مقابل تكريس مبدأ الشفافية والمحاسبة من خلال زيادة تحفيز البرلمان والمجتمع المدني في نقد أعمال السلطة وفق ما يسمح به القانون.

كما بزرت جلياً سياسات الدولة في عدم تهميش الطبقة الضعيفة والفقيرة ومنحها الدعم المتواصل سواء من مؤسسات الدولة أو من المؤسسات الخيرية الخاصة وهو ما يندرج ضمن العمل الإنساني الذي يعتبر أولوية من أولويات أمير الكويت. وعلاوة على ذلك، برزت مساع لتحفيز التضامن الاجتماعي بين مؤسسات قطاع العام والخاص والمجتمع لخدمة الصالح العام.

وفي النهاية تمكنت الكويت من الحفاظ على استقرار سياساتها الداخلية والخارجية (المرنة والهادئة) وهو ما يمكنها اليوم من درع صلب أمام أزمات كثيرة متوقعة في المرحلة المقبلة.

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)