ادارة أبحاث المركز
(MenaCC)
الكويت، 30 مارس 2021
الملخص: ذروة الطلب العالمي على النفط عقب تداعيات جائحة فيروس كورونا قد تنتهي بنهاية هذا العقد مع الدخول في عصر طاقة جديد. اذ تقدم الموعد المتوقع لبداية رحلة خفوت بريق النفط الى الأبد وذلك انطلاقا من 2030 بدل 2040 الموعد السابق الذي تم تعديله بناء على متغيرات فرضتها تداعيات جائحة فيروس كورونا، ومن المحتمل أن يفقد النفط بعد عقدين من اليوم نحو نصف قيمته السوقية مدفوعاً بانخفاض الطلب عليه بنحو النصف أيضاً، مع توقعات معدلة بشأن احتمالات ملامسة قيمة النفط أدنى مستوى تاريخي لها بحلول 2050، حيث قد يفقد النفط آنذاك نحو 90 في المئة من قيمته بفضل توقع صعود قوي وسريع لنهضة عصر كهربة النقل والصناعة وزيادة استخدامات الطاقات النظيفة أبرزها الطاقة الشمسية.
وترجح تقديرات قسم التوقعات بمركز (MENACC) بناء على دراسة أحدث احصائيات وأرقام تغيرات أسعار الطاقة واتجاهات نمو الطاقات البديلة على المدى القريب والمتوسط، ان العقد الحالي سيكون الفرصة الأخيرة لازدهار النفط على مستوى الطلب والسعر حيث سيتعافى الطلب على البترول بشكل تصاعدي ويبلغ ذروته بحلول 2028 الى 2030 وقد يدفع الطلب القوي عليه خاصة من الدول النامية والدول الاسيوية الى زيادة الأسعار الى نحو 70 الى 90 دولارا للبرميل، وهو ما قد يحفز زيادة استكمال مشاريع تعزيز القدرة الإنتاجية للمنتوجات البترولية لعدد من الدول النفطية، الا أن جدوى الاستثمار في النفط لم تعد على المدى الطويل مشجعة بالنظر لضغوط تحولات الاقتصاد العالمي وزيادة شاهيته للطاقات البديلة فضلا عن دافع تعزيز عوامل الاقتصاد الصديق للبيئة والتخلي عن الأنشطة البترولية الملوثة خاصة في الدول النفطية محدودة المساحة كالكويت وقطر، اذ أن زيادة أنشطة التنقيب أو الإنتاج قد تضر بالبيئة السكانية التي تزحف نحو محيط مناطق الصناعات البترولية بالنظر للتوسع السكاني.
وتسهم كهربة النقل في خفوت بريق النفط. ففي ظل سيناريو أكثر تفاؤلاً للطاقة النظيفة، تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته بحلول أوائل عام 2030 وينخفض بمقدار الثلث إلى 66 مليون برميل في اليوم في عام 2040، حيث يكون النقل البري مسؤولاً عن أكثر من 60٪ من الانخفاض المتوقع في الاستهلاك. وأعلن أكبر مصنعي السيارات في العالم عن خطط لزيادة تصنيع سيارات كهربائية في السنوات المقبلة[1] والتخلي عن طاقة البنزين وذلك تزامنا مع زيادة الاستثمار في البنى التحتية لمحطات شحن المركبات الكهربائية.
ويربك الصعود السريع والمفاجئ لاستخدامات الطاقة الكهربائية مستقبل توقعات الطلب على النفط، حيث تأثرت أولويات المستثمرين والمستهلكين بتغيرات جوهرية تزامنا مع الجائحة قادت الى تخطي مبيعات السيارات التي تعمل ببطاريات كهربائية منذ نهاية 2019 عتبة أكثر من مليوني سيارة سنوياً. النمو الكبير في السيارات الكهربائية حتى عام 2030 سيوفر فرصًا وتحديات ضخمة[2]. ويوضح رصد المركز أن بعض التعديلات على توقعات الطلب على النفط على المدى القريب تستمر إيجابية لأن أسعار النفط الضعيفة تجعل السيارات الكهربائية أقل قدرة على المنافسة، وتقلل من الدافع إلى الكفاءة، وتحفز استهلاك النفط الأساسي.
ومقارنة بتوقعات العام الماضي، من المرجح أن ينخفض الطلب على النفط بنحو 2 مليون برميل في اليوم في عام 2030، حيث قد يستقر عند نحو 103 مليون برميل في اليوم في مسار منخفض ولكنه يستمر في الارتفاع خلال العقد الجاري، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وبينما كانت فترة ذروة الطلب على النفط في التوقعات السابقة ممتدة الى عام 2040، تقلصت أفق هذه التوقعات السابقة المتفائلة الى 2030 بفعل انكماش الشاهية على طلب النفط الذي سيتضح بشكل أوضح في منتصف العقد المقبل بفعل تداعيات الهزة التي أحدثتها جائحة كورونا في الاقتصاد العالمي[3].
ومع نهاية العقد الجاري، من المرجح أن تسرّع المخاطر المترتبة عن انتشار وباء كورونا سيناريوهات تكيف المستثمرين مع الاحتياجات العالمية الجديدة والاستجابة لتغييرات جذرية بصدد التطور للأعمال وسلوك المستهلكين، بما في ذلك الاعتماد الكبير تدريجياً للعمل من المنزل، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد، وكهربة النقل البري على نطاق واسع. ومثل هذه التوقعات تؤثر على تقييم نمو الطلب على النفط وتجبر شركات النفط العالمية على إعادة تقييم السياسات الاستثمارية[4] في هذا المجال.
تضيف شركة BP النفطية البريطانية أسباب أخرى لتوقعات تراجع الطلب على النفط خلال العقدين المقبلين، حيث ترجح أن تطبيق التقنيات الجديدة في التنقيب واستخراج النفط خاصة في الولايات المتحدة ومناطق أخرى ستوفر احتياطيات ضخمة جديدة من النفط على مدى العشرين إلى الثلاثين عامًا القادمة. وهو ما يسرع موعد بلوغ ذروة الطلب على النفط بالنظر لتوقع الإمدادات الوفيرة بشكل متزايد من النفط ما يدعم احتمالات انخفاض مستمر لأسعار النفط[5].
وانخفضت توقعات أسعار النفط على المدى الطويل بمقدار 10 دولارات إلى 15 دولارًا للبرميل مقارنة بتوقعات ما قبلCOVID-، وذلك بسبب منحنى التكلفة وانخفاض الطلب. وفي ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلا واستمرار سيطرة أوبك على السوق النفطية، تتراوح الأسعار المتوقعة بين 50 دولارًا و60 دولارًا للبرميل على المدى الطويل، وسيغذي النفط الصخري الأميركي السوق النفطية بين 10 إلى 11 مليون برميل في اليوم، بينما سيتدفق الى السوق بين 11 إلى 13 مليون برميل في اليوم من النفط المستخرج من المياه العميقة[6]. الا أن معظم المناطق البحرية المنتجة للنفط ستكون تحت الضغط في سيناريو انتقال الطاقة المتسارع.
2021 © مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية (MenaCC)
المصادر:
[1] Michael Woodward, Dr. Bryn Walton, Dr. Jamie Hamilton, Electric vehicles Setting a course for 2030, Deloitte, July 2020, https://www2.deloitte.com/uk/en/insights/focus/future-of-mobility/electric-vehicle-trends-2030.html
[2] Michael Woodward, Dr. Bryn Walton, Dr. Jamie Hamilton, Electric vehicles Setting a course for 2030, Deloitte, July 2020, https://www2.deloitte.com/uk/en/insights/focus/future-of-mobility/electric-vehicle-trends-2030.html
[3] World Bank report, Impact of COVID-19 on Commodity Markets Heaviest on Energy Prices; Lower Oil Demand Likely to Persist Beyond 2021, october 2020, https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2020/10/22/impact-of-covid-19-on-commodity-markets-heaviest-on-energy-prices-lower-oil-demand-likely-to-persist-beyond-2021
[4] Mark Mozur, Moving Mountains: COVID-19 and Peak Oil Demand, S&P Global Platts Analytics, S&P Global Ratings: Thomas Watters, Simon Redmon, Karl Nietvelt, and Massimo Schiavo, https://www.spglobal.com/en/research-insights/featured/moving-mountains-covid-19-and-peak-oil-demand
[5] Spencer Dale(Group Chief Economist, BP PLC), Bassam Fattouh (Director of The Oxford Institute for Energy Studies), Peak oil demand and long-run oil prices, BP, https://www.bp.com/content/dam/bp/business-sites/en/global/corporate/pdfs/energy-economics/bp-peak-oil-demand-and-long-run-oil-prices.pdf
[6] Mckinsey Report, Global oil supply-and-demand outlook to 2040,February 26, 2021 , https://www.mckinsey.com/industries/oil-and-gas/our-insights/global-oil-supply-and-demand-outlook-to-2040#