الجزء الثاني: أميركا تتأهب للانسحاب النفطي من الخليج: انذار لقرب موعد الخروج الكبير

توقف أمريكا عن استيراد النفط الخليجي هل يسرّع الانسحاب العسكري ويغيّر اتفاقيات الحماية؟ أحداث مهمة

11 سبتمبر، 2021


ادارة أبحاث المركز

MenaCC

الكويت، 11 سبتمبر 2021

الملخص: بحلول 2024 مع نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد تتوقف نهائياً عمليات استيراد أميركا للنفط من دول الخليج. حيث انخفض حجم ورادات أميركا من النفط الخليجي الى مستويات قياسية غير مسبوقة مقترباً من الصفر في غضون ثلاث سنوات إذا حافظ مسار الانخفاض السنوي على وتيرته الحالية. فرضية الانسحاب الأميركي من حقول النفط الخليجي تدفع الى زيادة فرضيات توقع انسحاب جزئي موازٍ للقوات الأمريكية من قواعدها بالخليج.

حسب دراسة في جزئها الثاني لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) عن تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واحتمالاته في الخليج، كشف رصد احصائيات رسمية أميركية أن  مسار التخلي نهائياً عن استيراد النفط من الخليج يمضي بسرعة منذ سنوات بدفع من زيادة الإنتاج داخل الولايات المتحدة وأيضا بسبب زيادة التعويل على النفط الكندي بدل الخليجي. هذا المسار يمثل منعرجاً وتحولاً تاريخياً في طبيعة العلاقات الأمريكية خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي التي لطالما مثل النفط أساسها الصلب منذ أكثر من 80 عاماً.

تكشف مؤشرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) عن تسارع وتيرة الاستغناء الأميركي عن النفط الخليجي الى حد توقف نهائي محتمل عن الاستيراد خلال سنوات قليلة. وقد انخفض حجم واردات النفط الأمريكية اليومي من دول الخليج الى النصف بين 2018 و2020 من 1.6 مليون برميل يومياً في 2018 الى 0.77 مليون برميل يوميا في 2020[1]. هذا الانخفاض يجري بوتيرة سريعة في ظل تسارع الإنتاج الأميركي من النفط وزيادة التعويل على الواردات من كندا. في حين بقيت المملكة العربية السعودية المُصدّر النفطي الخليجي الأكبر للولايات المتحدة بنحو 8 في المئة من النفط الخام[2] وهذه النسبة مرجحة للانخفاض بشكل أكبر خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وكانت صادرات النفط الخليجي الى الولايات المتحدة قد انخفضت الى نحو 10 في المئة[3] في 2020 من اجمالي ورادات النفط الأميركي بعد أن كانت تمثل نحو 25 في المئة في 2001[4]. وبسبب هذا الانخفاض الكبير في الواردات الأميركية من النفط الخليج، انقلبت جل الموزان التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة رأساً على عقب من ميزان تجاري لصالح دول الخليج قبل سنوات الى فائض تجاري لصالح الولايات المتحدة اليوم، حيث كان النفط يمثل أهم السلع التي تميز التبادل التجاري بين دول الخليج وأميركا. اذ لم يستطع الخليجيون ما عدى الامارات[5] تنويع صادراتهم للولايات المتحدة خارج دائرة المنتجات البترولية.

منذ 2012، اتخذ مسار الواردات الأميركية من النفط الخليجي المنحى التراجعي غير المنتظم، حيث بقي متذبذباً عند متوسط 1.5 مليون برميل يوميا لغاية 2018[6] الى أن انخفض الى نحو 770 ألف برميل مرة واحدة في 2020[7]. وتوازياً مع رحلة انخفاض الواردات النفطية الأميركية من الخليج زاد تدفق النفط الكندي الى الولايات المتحدة ليكون بديلاً تدريجياً للنفط الخليجي. حيث زادت واردات الولايات المتحدة من النفط الكندي من 2.9 مليون برميل يوميا في 2012 الى أكثر من 4.12 مليون برميل في 2020[8]. هذه الزيادة قلصت حاجة الولايات المتحدة من النفط الخليجي ودول أوبك فضلاً عن تسارع وتيرة زيادة الإنتاج الأميركي. ورغم توقعات بتقلص قدرة الإنتاج الأميركي في افق 2022[9] وهو ما قد يبرر زيادة ورادات اميركا من النفط، الا ان بدائل أميركا قد لا تكون من النفط الخليجي. وإذا استمرت وتيرة انخفاض حصة النفط الخليجي من ورات الطاقة الأميركية بمسار معدل الانخفاض الذي بدأ منذ 2018، فقد تتوقف أميركا عن استيراد البترول من دول الخليج بنهاية 2024.

تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة والتعويل على الجارة كندا، تحولٌ من شأنه تسريع وتيرة فك ارتباط حاجة أميركا من الطاقة بالنفط الخليجي بعد تقلص الاعتماد عليه بشكل أسرع من التوقعات خلال العقد الماضي. فرضية استغناء الولايات المتحدة عن النفط الخليجي وان كانت دول الخليج نفسها تتحسب لحدوثه منذ سنوات مع طفرة إنتاج النفط الصخري في أميركا، الا أن تبعاته قد تترك أشبه بالصدمة المعنوية التي قد تربك مؤقتاً نظرة الدول الخليجية النمطية لحليفتها واشنطن بالنظر لدور النفط في توطيد العلاقات التاريخية المشتركة. كما قد تدفع نحو احتمال زيادة تراجع أهمية الخليج في استراتيجيات الإدارة الأميركية المستقبلية وتدعم خطة انسحاب القوات الأميركية من قواعدها بالدول الخليجية على اعتبار أنها كانت مخصصة لحماية امدادات النفط بالدرجة الأولى، وهذا الاستنتاج يسعى الأميركيون الى تفنيده وتطمين حلفائهم الخليجيين حول متانة الشراكة التاريخية وجدوى استمرار التعاون والحماية بغض النظر عن تجارة النفط. لكن مما لا شك فيه أن رؤية التعاون والحماية بصدد التغير للأبد.

ولطالما حددت حاجة الولايات المتحدة من الطاقة وخاصة النفط ملامح سياستها الخارجية[10]. وقد خاضت أميركا حروباً خارج حدودها من أجل النفوذ وأيضاً من بدافع تأمين مصادر الطاقة في العالم[11]. ولعل حرب العراق كانت بين أبرز الصراعات التي استنزفت واشنطن ميزانية ضخمة لكن المقابل آنذاك كان مجدياً. حيث بسطت الولايات المتحدة أكبر مستورد للطاقة في العالم حينها نفوذها في أهم مناطق انتاج الطاقة عالمياً بالإشارة لمنطقة الخليج. ونشأت بذلك علاقات شراكة استراتيجية بين دول الخليج الغنية بالنفط وواشنطن قائمة على تبادل المصالح مقابل الحماية[12].

لا شك أن المتغير في سياسات أميركا الطاقية قد يقلص من المكانة الحيوية التي لطالما مثلتها منطقة الخليج بالنسبة للإدارات الأمريكية حيث كانت تدعم التوصيات الحكومية والنيابية داخل الولايات المتحدة منذ عقود زيادة اهتمام البيت الأبيض بترسيخ الشراكة مع دول الخليج وتوفير الحماية لها باعتبارها أكبر منتج للطاقة في العالم وبين أكبر المصدرين للنفط للولايات المتحدة التي كانت أكبر مستورد للطاقة في العالم على امتداد عقود. لكن مع تقلص عامل أهمية الخليج كمزود للنفط للولايات المتحدة تبرز فرضيات زيادة مراجعة عملية الحماية والتواجد الكثيف للجيش الأميركي وهو ما تستشرفه مراكز الفكر الأميركية المرجحة لتقلص أكبر للقوة الأميركية وإعادة انتشار عسكري جديد[13].

لكن في حين ارتبط دافع التواجد العسكري الأمريكي بمنطقة الخليج بحماية النفط، لا تراهن دراسات كثيرة على احتمال انسحاب نهائي للقوات الأمريكية من قواعدها بالخليج في حال توقف استيراد الولايات المتحدة نهائيا للنفط من دول المنطقة، حيث تهتم واشنطن باستمرار توفير الحماية لحلفائها لطالما سيظل النفط محوريًا للاقتصاد العالمي وسلعة استراتيجية[14]. لكن اتفاقيات الحماية[15]، التي بموجبها عززت الحكومات الأميركية طيلة أكثر من ثلاثة عقود وجودها الديبلوماسي والعسكري بشكل تدريجي في الخليج وبنسق أسرع خلال تحرير الكويت والعراق، تواجه اليوم احتمالات تحديث جوهري في أهم بنودها المتعلقة بالمظلة الدفاعية الأمريكية التي تأسست بدافع زيادة النفوذ والتحكم في امدادات النفط من أهم مخزون للطاقة على الأرض بالإشارة للخليج[16].

 

2021 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية  MenaCC

 

المراجع:

[1] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[2] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[3] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[4] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[5] Embassy of UAE in US, UAE-US Trade, 2021, https://www.uae-embassy.org/uae-us-relations/uae-us-trade
[6] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[7] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[8] US energy Information Administration, Oil and petroleum products explained Oil imports and exports, 2021, https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/imports-and-exports.php
[9] STACY MACINTYRE, MATT FRENCH, U.S. will import 62% more crude by 2022 due to domestic production declines, says EIA, 2/17/2021, https://www.worldoil.com/news/2021/2/17/us-will-import-62-more-crude-by-2022-due-to-domestic-production-declines-says-eia
[10] Council on Foreign Relations, Oil Dependence and U.S. Foreign Policy 1850 – 2017, https://www.cfr.org/timeline/oil-dependence-and-us-foreign-policy
[11] Jeff D. Colgan, Oil, Conflict, and U.S. National Interests, Harvard school, Quarterly Journal: International Security, October 2013, https://www.belfercenter.org/publication/oil-conflict-and-us-national-interests
[12] Anthony H. Cordesman, Improving the US-GCC Security Partnership: Planning for the Future, April 7, 2014, https://www.csis.org/analysis/improving-us-gcc-security-partnership-planning-future
[13] Degang Sun, The US Military Bases in the Gulf Cooperation Council States: Dynamics of Readjustment, Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia), 4:4,44-63, DOI: 10.1080/19370679.2010.12023167

https://doi.org/10.1080/19370679.2010.12023167, Shanghai International Studies University, 2010, https://www.tandfonline.com/doi/pdf/10.1080/19370679.2010.12023167#:~:text=Due%20to%20the%20geographical%20undersize,only%2011%20thousand%20in%20total.
[14] F. Gregory Gause IIIORCID, Should We Stay or Should We Go? The United States and the Middle East, Survival, Global Politics and Strategy, Volume 61- Issue 5, Pages 7-24 | Published online: 17 Sep 2019
[15] THE GULF SECURITY ARCHITECTURE: PARTNERSHIP WITH THE GULF COOPERATION COUNCIL, A MAJORITY STAFF REPORT PREPARED FOR THE USE OF THE COMMITTEE ON FOREIGN RELATIONS UNITED STATES SENATE One Hundred Twelfth Congress Second Session, June 19, 2012, https://www.govinfo.gov/content/pkg/CPRT-112SPRT74603/html/CPRT-112SPRT74603.htm
[16] Martin Indyk, US Policy Priorities in the Gulf: Challenges and Choices, Chapter 4 in the book entitled “International Interests in the Gulf Region,” ISBN: 9948-00- 659-3 (hardback) and 9948-00-658-5 (paperback) published in 2004 by the Emirates Center for Strategic Studies and Research (ECSSR), P.O. Box 4567, Abu Dhabi, UAE. It has been published with special permission from ECSSR