26 فبراير، 2022


  • سرّ الجرأة الروسية لغزو أوكرانيا وعدم الاكتراث بتحذيرات الغرب
  • مجلس الأمن لم يشر صراحة الى أي بند يسمح بإصدار قرارات بحق استخدام القوة العسكرية ضد أعضائه الدائمين لمعاقبتهم

 

ادارة أبحاث المركز

MenaCC

26 فبراير 2022

الملخص: سمح سهو مقصود أو غير مقصود منذ 76 عاماً للمسؤولين عن تأسيس منظمة الأمم المتحدة في 1946، في تمتع روسيا اليوم خلال غزوها لأوكرانيا بحصانة تمنع دول مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار عسكري ضدها، حيث لم يتم التعرض لبند فض النزاعات بين الدول الأعضاء الخمس دائمة العضوية أو توضيح كيفية اصدار قرار بعمل عسكري ضد الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

وحسب رصد المركز لتوقعات المخاطر، قد يمثل بالتالي أي قرار من أحد أعضاء المجلس بشن حرب ضد عضو دائم آخر، بمثابة خرق وانهيار منظومة عمل المجلس برمتها، حيث لم يفترض ميثاق الأمم المتحدة ان تكون الدول الخمس دائمة العضوية خصما أو طرفا في حرب عالمية ثالثة، بل افترضها فقط كراعية للأمن والسلام الدوليين.

وتثبت مؤشرات مختلفة استبعاد فرضية مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا ودول الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) ممثلة في منظمة حلف الشمال الأطلسي (ناتو). فبعد فشل مجلس الأمن الدولي، في تبني مشروع قرار يدين التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا اقترحته الولايات المتحدة وألبانيا، وذلك بعد استخدام روسيا حق النقض “الفيتو” بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن، يتضح حجم العقبات التي قد تعرقل جهود الغرب في تقييد أو وقف ما تعتبره خرقا روسيا لقواعد النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن رغم خطورة الخطوة الروسية حتى في حال تغييرها للنظام الأوكراني بالقوة وما سيترتب عن ذلك من عقوبات وخيمة جراء ذلك، لا يوجد مؤشر لذهاب (الناتو) نحو الخيار العسكري ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية. وبالتالي لا توجد توقعات ملموسة لنشوب حرب عالمية ثالثة الا إذا أقدمت الصين في الوقت نفسه على مباغتة العالم واجتاحت تايوان بالتوازي مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

يشرف الرابحون في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا)، على آلية ضمان استمرار نظام العلاقات الدولية حيث أسسوه بأنفسهم وفق توازنات تضمن السلام والأمن الدوليين. الا انه بات جلياً أن روسيا والصين كلاهما أصبحتا تسعيان لمنافسة الولايات المتحدة على تحديث قواعد النظام العالمي وصولاً الى خرقه ان استوجب ذلك لحماية مصالحها وأمنها القومي، وهي الذريعة نفسها التي أعلنتها روسيا من أجل تبرير غزو أوكرانيا، وقد تكون الذريعة نفسها أيضا التي قد ترفعها لاحقاً الصين لاجتياح تايوان.

على صعيد آخر، رغم التنديدات الدولية، لا يمكن لروسيا حسب تصريحات مسؤولي الكريملن التوقف عن العملية العسكرية الجارية على قدم وساق في أوكرانيا حتى يتحقق هدفها القاضي بتغيير نظام البلاد ورئيسها الى آخر مُوالٍ لها. ومن أجل تنصيب رئيس جديد مؤيد للاتحاد الروسي وملتزم بامتناع بلاده عن الانضمام الى حلف منظمة الشمال الأطلسي (الناتو)، يجازف الرئيس فلاديمير بوتين باستقرار بلاده الداخلي حيث تتعرض قطاعات وشخصيات روسية كثيرة لتداعيات العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية المفروضة من الغرب، علاوة على ذلك، يتصاعد احتمال مواجهة الروس لتمرد شعبي اوكراني ضد الإطاحة برئيسها وفرض استلام الجيش للسلطة بالقوة بدلاً عن سلطة مدنية.

لكن رغم هذه التحديات والتهديدات، لا يبالي بوتين ويمضي قدماً في غزوه التكتيكي حتى تتحقق الأهداف الاستراتيجية من ذلك. ولعل هذه الجرأة الروسية وعدم الاكتراث بتحذيرات الغرب يمكن تفسيرها بالحصانة التي تحضى بها روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن. فنظام المجلس الذي يفرض حالة الحرب والسلم منذ الحرب العالمية الثانية في إطار الأمم المتحدة، لم يحدد بنص صريح وفق ميثاق الأمم المتحدة[1] المؤسس له إمكانية فض النزاعات بين الدول الأعضاء الخمس في المجلس ولم تتطرق الى فرضية اعتداء أي عضو على الآخر من أجل حفظ بنية المجلس واستمرار عمل منظمة الأمم المتحدة، اذ أن مجلس الأمن يعتبر المؤسسة الوحيدة في المنظمة الأممية التي تعتبر قراراتها الزامية.

كما لم يوضح الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بمجلس الأمن[2] كيفية حل النزاعات العسكرية أو التعامل مع خطر مصدره عضو في مجلس الأمن، إذا اقتصرت بنود الفصل الى تعريف الوظائف وكيفية العضوية والتصويت، واكتفت فقط بمنع تصويت العضو في مجلس الأمن إذا تعلق قرار المعروض للتصويت بدولته، مع غياب إشارة او تنصيص واضح لآلية فض النزعات بين الأعضاء الدائمين الخمسة.

وبالتالي فان عضوية روسيا في مجلس الأمن ورئاستها له حالياً تضع عقبة أمام امكانية حصول اجماع دولي أو أممي لقرار عمل عسكري ضد عضو دائم في مجلس الأمن، فضلاً عن كون روسيا قوة نووية عظمى تملك سلاح دمار شامل.

وبالتالي فان روسيا بعيداً عن كونها أكبر قوة نووية على الأرض بالنظر لحجم ترسانتها المقدرة بنحو 6300 رأس حربية نووية، تتمتع بحصانة ضد التدخل الأممي المنظم بوصفها عضو دائم في مجلس الأمن وتمتلك حق الفيتو لإلغاء أي قرار ضدها فضلاَ عن تواجد حليف قوي لها في المجلس والمتمثل في الصين والذي قد يعيق أي تحالف أو تحرك دولي ضد روسيا.

الاتحاد الروسي ليس الأول بين القوى العظمى التي استخدمت القوة العسكرية لاحتلال دول أخرى، حيث سبقتها الولايات المتحدة أكثر من مرة الى ذلك. فحرب العراق وأفغانستان وقبلها الفيتنام أبرز مثال على ذلك، فرغم عدم حصول الولايات المتحدة على قرار بالإجماع من مجلس الأمن لشن الحرب الا أنها تدخلت في أكثر من بلد واستعملت حق الفيتو ضد أي قرارات تخالف رغبتها.

وبالتالي فان روسيا ولاحقاً الصين تنتهج النهج الأمريكي نفسه في تقييم الحاجة للتدخل العسكري في شؤون دول أخرى وقد لا تنتظر من أجل ذلك أي موافقة من مجلس الأمن أو من الدول الأخرى.

ولا يغطي الفصل السـادس جميـع أنواع المنازعـات التي تؤثر على الدول أو القائمة فيما بينـها[3]، كما لم يتطرق لتفسير كيفية التعامل مع المنازعات المسلحة بين الدول دائمة العضوية المؤسسة لميثاق الأمم المتحدة، لكن فقط حثها على الفرضيـة الأساســية للتســوية الســلمية للمنازعــات والتي تتعلق بالحكم الوارد في الميثـاق الـذي يطلـب من جميـع الـدول الأعضاء، أن تلجأ أولا إلى تسوية الصراعات التي تهدد السـلم والأمن الدوليين بالوسـائل السـلمية. وأن الفقـرة ١ مـن المـادة ٣٣ الـتي يسـتهل بهـا الفصـل السـادس، تجعـل مـن الواضــح أن الأطراف في أي نزاع يحتمل أن يعـرض صـون السـلم والأمـن الدوليين للخطر.

رغم ذلك لم يفترض أي بند صريح كيفية إدارة احتمال خصومة مسلحة بين الدول الأعضاء الخمسة، لكن وفـق أحكـام ميثـاق الأمم المتحدة، يبرز الدور الأساسي لمجلس الأمن، في مجـال التسـوية السـلمية للمنازعـات مساويا بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لكن عمليا في حال النزاع اليوم الذي يشمل دولة عضوة دائمة في مجلس الأمن وهي روسيا وتلويح لدول أخرى أعضاء دائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا) بعقاب روسيا، لم يتم التطرق لاحتمال حلّ يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد عضو دائم بمجلس الأمن ما عدى التنصيص على تسوية الخلافات سلميا والتزام الـدول العضوة في الأمم المتحدة، بموجـب الميثـاق، بـأن تحيـل إلى مجـلس الأمن أي نزاع تكون طرفاً فيه إن عجــزت عـن التوصـل إلى حـلّ مبكـر. لذلك فان العودة الى مجلس الأمن الدولي الذي ترأسه حالياً روسيا أمر حتمي في أي خيار سلمي أو عسكري، وهو ما قد يدحض أي فرضية لمواجهة عسكرية دولية ضد الاتحاد الروسي بسبب تمتع روسيا بحق النفض (الفيتو) لأي قرار ضدها يصدر من مجلس الأمن.

 

 

 

2022©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية  MenaCC

 

المراجع:

[1] أنظر ميثاق الأمم المتحدة، صدر بمدينة سان فرانسيسكو في يوم 26 حزيران/يونيه 1945، http://hrlibrary.umn.edu/arab/a001.html

[2] أنظر، ميثاق الأمم المتحدة, الفصل الخامس: مجلـس الأمـن، https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/chapter-5

[3] الأمم المتحـدة، مجلس الأمن، PV.4753(Resumption 1)، الجلسة ٤٧٥٣ الاستئناف ١، ١٣ أيار/مايو ٢٠٠٣ ، نيويورك، https://undocs.org/pdf?symbol=ar/S/PV.4753(Resumption1)