4 مارس 2022 (MenaCC): تراهن واشنطن عبر حملة اعلامية دولية غير مسبوقة على تحريك ورقة المعارضة الروسية الداخلية ضد الرئيس فلاديمير بوتين وتحفيز نشاطهم ودعم تغطية احتجاجاتهم ضد الحرب الروسية الأوكرانية مع توفير مساحات اعلامية ضخمة لعرض أراء منتقدة لسياسات بوتين. والهدف على ما يبدو زيادة اثارة غضب الروس ضد رئيسهم ودفعهم عبر الضغط عليهم عبر سلاح العقوبات الاقتصادية للاحتاج في الشوارع تنديدا بتدهور حياتهم بسبب الحصار العالمي على روسيا.
لا تخفي واشنطن مزاعمها في استخدام آلة الدعاية الخاصة بها وبحلفائها في زيادة ترويج خطاب التهويل والتضليل وشيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام العالم ونعته بأوصاف مختلفة، الى حد وصفه بالفاشي ومقارنته بالزعيم النازي الألماني السابق أدولف هتلر زاعمة أن التاريخ يعيد نفسه، اذ تعتبر أن بوتين ان لم يتوقف عن حربه في أوكرانيا فقد يشهد على حصار بلاده ودمارها في النهاية كما حدث مع هتلر، معللة ذلك بسبب اصرار الرئيس الروسي على طموحاته التوسعية بدافع جنون العظمة وتهوره وعدم ادراكه للمخاطر المستقبلية. في الأثناء تُكرر بعض التقارير الاعلامية معلومات تشكك في الصحة العقلية والنفسية لبوتين لاحراجه أمام شعبه ودفع المعارضة لاستغلال الموقف وزيادة التنديد بحرب قد تخنق روسيا في النهاية بعد زيادة العقوبات الدولية غير المسبوقة على أي بلد، كما يتم تسليطها اليوم على الاتحاد الروسي حكومة وشعباً.
ومثلما انتصر تحالف الغرب على هتلر حسب رواية الاعلام الغربي سينتصر مرة أخرى على بوتين حسب زعمهم، الا أن مواجهة بوتين تختلف عن مواجهة هتلر. فالحرب التقليدية لم تعد واقعية لمواجهة قوة نووية كروسيا. لذلك تم اعتماد مسارات عدة لمعاقبة تمرد بوتين على النظام العالمي، وأبرزها الدفع باستغلال حجم العقوبات الاقتصادية وتضخيم خسائر الروس في الحرب الأوكرانية من أجل التأثير على الرأي العام الروسي واذكاء مشاعر الغضب ضد سياسات بوتين الخارجية التي تعود بتداعيات وخيمة على حياة المواطن الروسي. ومن أجل ذلك لا يتم استبعاد زيادة نشاط الاستخبارات الغربية في الدوائر الاقتصادية والسياسية المقربة من الكريملن مع تفعيل عمل الجواسيس وذلك لكسب حرب المعلومات، فضلا عن زيادة تشجيع الدول الغربية وسائل الاعلام العالمية على إثارة وتداول المشاكل الاقتصادية الكبرى التي ينتظرها المواطن الروسي والمترتبة عن العقوبات الدولية وذلك سعياً لتفجير غضب الشعب الروسي ضد رئيسه من خلال ترويج خطاب يحمل بوتين تدهور وضع الروس في الخارج والداخل اذا استمرت الحرب التي قد تترافق معها زيادة وتيرة تضييق الخناق بشكل غير مسبوق على نسق حياة المواطن الروسي وخاصة على مستوى أعماله وحركة سفره وتجارته واتصاله بالعالم الخارجي. اذ تهدف العقوبة لعزلة روسيا والروس عن عن العالم.
على صعيد متصل، قامت المؤسسات الدعائية والمنصات المعلوماتية ومزودي الانترت والخدمات الاعلامية والمحطات الاعلامية سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا بمضاعفة حجم ومدة عرض مواد إعلامية تسيء لبوتين ولطموحاته وأهدافه وتصفه بالدكتاتور ومجرم الحرب ورمز الشر، كما زادت في تقديم استطلاعات رأي من موسكو عبر مراسليها من اجل جس نبض الشارع الروسي ومعرفة اتجاهاته والترويج لاسيتاء الشعب الروسي من خيارات الكريملن ورئيسه المتعلقة بخوض الحرب ضد أوكرانيا فضلاً عن زيادة تقديم مواد إعلامية بعضها مضللة حسب الروس عن وجود تحركات شعبية روسية تقودها المعارضة من أجل الضغط على الرئيس بوتين وإدانة سياساته.
الحملة الدعائية العالمية لشيطنة الروس تهدف لتقديم مادة اعلامية دسمة للمعارضة الروسية من أجل التأثير على الراي العام الروسي وزيادة توجيه انتقادات لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا خاصة مع زيادة حجم الخسائر الهائلة المترتبة عن العقوبات. ولعل زيادة حزمة العقوبات وتضييق الخناق الاقتصادي والمالي على روسيا هدفه الضغط على الشارع الروسي واثارة موجة من الغضب الشعبي ضد قيادته ودعم ظهور تيارات سياسية روسية معادية لبوتين وحربه في أوكرانيا ما قد يذكي الحراك الشعبي المعارض في الشارع ضد سياسة بوتين واستمرار هيمنته على السلطة.
الرهان الأمريكي لزيادة اثارة الفوضى في الداخل الروسي عبر الحملة الاعلامية الشرسة ضد بوتين، قد لا تلاقي ثمارها بشكل سريع، حيث تظهر بعض الاحصائيات الروسية ان نحو أكثر من 60 من الروس يؤيدون العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وهو ما يفضي الى شعبية قوية لبوتين. شعبية وان تشكك فيها التقارير الغربية لكن لا يمكن انكارها حيث يستمر بوتين مهيمنا على مراكز صنع القرار في المؤسسات الروسية دون منازع.
رغم ذلك يتسابق الإعلام التقليدي والإلكتروني الغربي لترويج بروباغندا تفيد بتقلّص شعبية الرئيس الروسي بسبب الحرب وإمكانية مواجهته لعزلة داخلية ودولية جراء مغامرته في أوكرانيا، كما يسوّق أيضاً الى أن بوتين يدفع بالشعب الروسي الى كارثة اقتصادية وسياسية وإنسانية وذلك بهدف اسفزاز مشاعر الروس. وتحرص آلة الدعاية الغربية على فرض رواية موحدة لسير الأحداث في أوكرانيا، وبذلك سعت الى حظر أي مصدر آخر يعطي معلومات متناقضة أو متعاطفة مع الرئيس الروسي. وقامت أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا بحظر بث قنوات روسية تابعة للدولة من أجل تعتيم اعلامي كامل على الاعلام الروسي الرسمي والاكتفاء فقط بعرض الرواية الغربية دون السماح لمعرفة وجهة النظر الروسية عن الأحداث بدعوى منع مصادر التظليل حسب زعمهم. وهو ما يقود الى استنتاج رغبة غربية جامحة في توجيه الرأي العام الدولي حول سير الأزمة الأوكرانية وحشد أكبر اجماع دولي يحمل روسيا جريمة الحرب وعدم خضوعها لشروط الغرب. لكن ما تفرزه تحليلات محتوى المنصات التواصل الاجتاماعي تناقض النتائج التي يصبو اليها الغرب، حيث هناك نسبة كبيرة أيضا من المتعاطفين والمؤيدين للرئيس الروسي عس ما تروجه آلة الدعاية الغربية.
ولا تنفك وسائل الاعلام الغربية تمارس في خطاب اعلامي هدفه تأجيج غضب الشارع الروسي ازاء اقحام بوتين لألاف الجنود في حرب استنزاف قد تحصد خسائر كبيرة في صفوف الجيش الروسي، كما تحرّض بعض التقارير والشخصيات الغربية على المنصات الاعلامية بشكل علني ضد الرئيس الروسي مع التلميح لدعم المعارضة الروسية واعادة تسليط الضوء على رموزها خاصة اليكسي نافالني.
وكثفت وسائل الاعلام الغربية تقاريرها حول موقف حركة زعيم المعارضة الروسية المسجون أليكسي نافالني وتحركاتها المناهضة لسياسة بوتين. تحركات هادفة إلى حملة عصيان مدني احتجاجا على الغزو الروسي لأوكرانيا. وتنقل وسائل الاعلام الأمريكية بشكل خاص موفرة مساحات إعلامية ضخمة لمناقشة قدرة المعارضة الروسية على احداث فارق وضغط على قرارات الرئيس بوتين. حيث تبرز وجود عدد كبير من الروس ممن يعارضون قرار الحرب الروسي في أوكرانيا. أمر اعتبرته روسيا بانه افتراء وأكاذيب ولم ترد عليها بشكل رسمي.
وحسب تحليل محتوى الحملة الإعلامية الغربية الشرسة ضد روسيا، تم رصد زيادة عرض أخبار تفيد بزيادة قمع الشرطة الروسية للمتظاهرين ضد بوتين وزيادة اعتقالات المحتجين من أصوات المعارضة. رغم هذا الاستفزاز والتحريض الإعلامي المتصاعد ضد بوتين، لم يرد النظام الروسي الى حد اليوم بردة فعل مشابهة للخطوة الغربية في حظر الاعلام الروسي في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، بل استمر في سماحه للإعلام الغربي في العمل من الأراضي الروسية وتغطية الواقع الروسي بعيون غربية. تكتيك قد يكون الهدف منه نقل حقائق مناقضة للحملة الدعائية ضد روسيا وذلك عبر مراسلين غربيين قد يمارسون حملة دعاية مضادة لصالح بوتين عن غير قصد.
2022 © مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية MenaCC