– الامارات تعطي أولوية تفعيل ديبلوماسية المصالح وتقليص مصادر التهديدات
– ديبلوماسية الامارات تُجنّب الخليج تهديدات صاعدة
– محدودية تفهم الغرب للمخاوف الخليجية في مفاوضات الاتفاق النووي الايراني
– الامارات تسعى لتوفر ضمانات إيرانية بالتزامها علاقات حسن الجوار ووقف تمويل الارهاب
ورقة بحثية
MenaCC
الكويت
17 مارس 2022
الملخص: بينما العالم لم يتخطى بعد صدمة جائحة فيروس كورونا ليستفيق على مخاوف مواجهة اندلاع حرب عالمية ثالثة تحشد لها قوى الغرب والشرق عقب بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تكثف الامارات العربية المتحدة من جهودها الديبلوماسية لتجنب تداعيات هذه الحرب أولاً، وثانياً الاستفادة من تغير الأوضاع الجيوسياسية وإعادة بناء تحالفات قوية من أجل تحقيق تموقع أكبر للقوة الإماراتية والخليجية في الساحة الدولية عبر الرهان على تحقيق مصالح الخليج أولاً وفرض علاقات ندية مع القوى العظمى.
وحسب بحث أعده المركز (MenaCC) ضمن أحدث اصداراته حول تطور “الديبلوماسية الاماراتية في ظلّ تغيرات جيو-استراتيجية كبرى“، فان الامارات، منذ انتخابها بداية العام الجاري كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي التي ترأسه هذا الشهر، تسعى الى تنفيذ فلسفة ديبلوماسية وأمنية مختلفة هدفها الانحياز لتحقيق الأمن والازدهار لشعبها وشعوب المنطقة عبر السلام والحوار السلمي فقط.
مدركة أنها بالتنسيق مع السعودية، قد تفرض قوة تفاوض كبيرة مع المجتمع الدولي لتحقيق مصالح الخليج أولاً، نجحت الامارات في اختراق الصمت الدولي تجاه قضايا حساسة تؤرق أمن الخليجيين بشكل خاص. فمن خلال عضويتها التي تمتد لعامين في مجلس الأمن، استطاعت أبو ظبي لفت أنظار العالم لمصدر تهديد متصاعد يتمثل في الإرهاب المنتشر في منطقة الشرق الأوسط والمهدد للخليج، الذي تشكّل جماعة المتمردين الحوثيين أبرز المسؤولين عنه. كما تسعى من خلال عضويتها في أكبر منظمة أممية مسؤولة عن ضمان الأمن والسلم في العالم للدفع بقوة لضمان مصالح الخليج في مفاوضات الغرب الجارية مع إيران والتي تحمّلها عواصم الخليج مسؤولية دعم ارهاب الحوثيين في اليمن والجماعات المتطرفة في العراق وسوريا وصولاً الى لبنان.
وفي حين ينشغل العالم بتطورات الصراع في أوكرانيا والجرائم المرتكبة هناك، تمكنت الامارات التي تمثل صوت دول الخليج في مجلس الأمن من الدفع بتصويت المجلس لزيادة تضييق الخناق على أكبر مجموعة مسلحة تهدد أمن الخليج، وذلك بدعم صدور قرار دولي بتوسيع حظر توريد الأسلحة الى المتمردين الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران. لكن قد يكون هذا القرار هو أول مرحلة في اتجاه في حصار الإرهاب وداعميه في جوار دول الخليج. فبزيادة التحركات الديبلوماسية التي تنتهجها الامارات والسعودية من المرجح توقع تضييق الخناق بشكل أكبر على مصادر التهديدات الارهابية. ومن المرجح أن يمثل هذا الهدف أولوية أبو ظبي طيلة عضويتها في مجلس الأمن لعامين مقبلين.
هذه الأولوية لا تنفي وجود هدف آخر لديبلوماسية الامارات والمتمثلة في موازنة علاقاتها الدولية وتحقيق الاستفادة القصوى لأمن وازدهار شعبها في المستقبل.
ففي حين تستمر العملية العسكرية الروسية الدائرة في أوكرانيا والتي أحدثت انقساماً بين دول العالم بين مؤيدي جبهة الشرق التي تمثلها روسيا من جهة، وحلف الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الداعمة للحكومة الأوكرانية من جهة أخرى، تحافظ الامارات على ضبط توازن علاقاتها مع القوى العظمى دون السعي الى الاصطفاف. اذ اتسمت ديبلوماسية أبو ظبي بالهدوء والتريث وعدم التسرع وراء دعوات الاستقطاب التي تفعّلها واشنطن من أجل حشد حلف دولي لمعاقبة روسيا بسب الأحداث في أوكرانيا. ونأت أبو ظبي بنفسها عن الانضمام في تحالفات بشكل أحادي ساعية للمحافظة على علاقات متوازنة مع جل الدول في الشرق والغرب على أساس مراعاة مصالح الامارات والخليج أولاً.
وعلى ما يبدو تسعى أبو ظبي لإعطاء أولوية لتسوية سياسية شاملة لملف المخاطر والتهديدات التي تمثلها إيران وجماعة الحوثيين وذلك من خلال توطيد العلاقات مع الدول الفاعلة في الملفين خاصة روسيا القريبة من النظام الإيراني وإيران نفسها. ولا تنفي رغبة التوافق مع إيران من أجل إحلال السلام الإقليمي، مضي سياسة أبوظبي في تحييد المخاطر المضادة وإقامة علاقات توازن مع بقية القوى الاقليمية كتركيا بما في ذلك القوى المناوئة لإيران كإسرائيل.
وعقب انتخابها لعضوية مجلس الأمن بداية هذا العام، تسعى أبو ظبي جاهدة للتنسيق مع السعودية لتعزيز مركز ثقل ديبلوماسي لمجلس التعاون الخليجي في العالم وذلك من أجل زيادة توفير حماية مصالح دول وشعوب الخليج عبر التفاوض والتسويات السلمية وليس الصراع والتوتر.
سياسة احداث توازن بين التحالفات والشراكات مع القوى العظمى برزت بقوة بعد التحولات التي جرت في علاقات الدول الخليجية مع الحليف الاستراتيجي المتمثل في الولايات المتحدة وذلك عقب الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من منطقة الخليج خلال السنوات الأخيرة[1]، وهو ما اعتبرته دوائر سياسية خليجية بمثابة مسار لفك ارتباط جزئي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي على مستوى مراجعة علاقات الدفاع والأمن.
وسعت دول الخليج خلال الخمس سنوات الأخيرة لزيادة التعويل على قدراتها الذاتية وعلى علاقات متوازنة مع بقية القوى من أجل تحصين نفسها وتقليص بواعث ومصادر عدم الاستقرار والتهديدات الخارجية، حيث تبقى هذه الدول تصنف كأكبر منطقة طاقة في العالم[2]، وبلا شك تثير مطامع بعض القوى الإقليمية والدولية الطموحة بتوسيع نفوذها في المنطقة. استنتاج أدركته سريعاً حكومات الخليج واعتمدت خيار تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي في الأمن والدفاع عن مصالحها وصولاً الى رغبة إقامة علاقات ندية مع القوى العظمى والتفاوض على أساس تحقيق مصالح عادلة.
ضرورة تعزيز دول الخليج للمصالح بعيدا عن الهيمنة الأمريكية رصدت بوادرها تقارير أمريكية مروجة لرفض بعض دول الخليج الانسياق وراء خيارات واشنطن العقابية ضد روسيا، ورفض بعض القادة الخليجيين دعوات الرئيس الأمريكي جو بايدن لانضمام بعض البلدان الخليجية لقائمة الدول التي تفرض عقوبات ضد روسيا[3]. وتستهدف واشنطن اقناع الخليجيين بزيادة ضخم النفط من اجل سد النقص الذي قد ينجم عن أي وقف محتمل للإمدادات الروسية النفطية للسوق العالمية.
قبول دول الخليج لمثل هذا العرض الأمريكي تعي العواصم الخليجية جيدا أنه قد يتسبب لها في توتر علاقات جيدة مع موسكو آخذة في النمو منذ سنوات[4]، حيث يرقب الكريملن عن كثب تطور مواقف وسياسات الدول الصديقة إزاء عمليته العسكرية في أوكرانيا. وقد يُحدث أي اصطفاف خليجي مع أي طرف من أطراف الصراع في أوكرانيا تصدع العلاقات الخليجية سواء مع الغرب أو روسيا. لذلك التزمت الحكومات الخليجية بالحياد إزاء الأزمة الأوكرانية.
السياسة الخارجية والاستراتيجية الجيوسياسية للإمارات بصدد إعادة التشكل
بعد دخولها مؤخرًا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفترة عامين تبدأ في يناير 2022، يبدو أن الامارات تتجه لموازنة دعمها للولايات المتحدة وبقية القوى العظمى على أساس تعزيز مصالحها ومصالح الخليج أولاً في الساحة الدولية.
ومن خلال الرهان على الحوار والديبلوماسية بدلاً عن أولوية تعزيز القوة العسكرية، تعيد الإمارات النظر في أهداف سياستها الخارجية بهدف تعزيز شراكاتها التجارية العالمية وضمان استقرارها الأمني والسياسي.
حققت السياسة الخارجية الإماراتية بلا شك نجاحات كبيرة. منذ عام 2004، نجحت الإمارات العربية المتحدة في فرض نفسها كعلامة تجارية عالمية على مستوى السلم والتجارة والسياحة والابتكار، ووسّعت من نفوذها الناعم في معظم أنحاء العالم. في فترة ما بعد جائحة فيروس كورونا، قد تحاول الإمارات العربية المتحدة المشاركة في إنشاء آليات إدارة إنسانية للتحديات الجديدة على المستوى العالمي، وهو مسار من شأنه أن يخلق فرصاً جديدة لتعزيز دور الإمارات العربية المتحدة ومكانتها في العالم[5].
وقد برز اهتمام اماراتي متصاعد بتعزيز شراكاتها في الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا. على هذا النحو، تستخدم الامارات قوتها الديبلوماسية والاقتصادية الهائلة من أجل أغراض جيوسياسية. كما تحرص على تنويع اتفاقيات الدفاع والأمن الخاصة بها. وتراهن على المحافظة على شراكة استراتيجية خاصة مع المملكة العربية السعودية.
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أصبحتا اللاعبان الاقتصاديان المهيمنان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، حيث يمثلان أكثر من نصف واردات وصادرات المنطقة. على مدى العقد الماضي، مع ضعف مراكز القوة التقليدية في مصر والعراق وسوريا، أصبحت هاتان الدولتان أكثر حزماً وتأثيرا في الشؤون الإقليمية والعالمية. والأهم من ذلك أنهما تمتعا بفترة من التعاون الوثيق غير المسبوق.
في أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، أقامت الرياض وأبو ظبي تحالفًا استراتيجيًا[6] متجذرًا في مصلحة مشتركة في ضمان الاستقرار المحلي وتفادي الفوضى، وتثبيط التوسع الإيراني، وتعويض تراجع الدور الأمريكي كضامن لحماية دول الخليج[7]. في عام 2016، تم انشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، مما مهد الطريق لصياغة رؤية مشتركة لتكثيف التعاون الاقتصادي والعسكري[8].
وبفضل انسجام الرؤية المشتركة للمصالح والتهديدات في الخليج، نجحت الامارات والسعودية في دعم تحالف استراتيجي بات له ثقل عالمياً في صنع السلام والأمن الدوليين والإقليميين. وباتت الدول القوية في العالم تثق بالدور الاستراتيجي للتحالف الاماراتي السعودي على أنه عامل استقرار في المنطقة في ظل استمرار التهديد الإيراني.
في ظل هذه الظروف، تسعى الإمارات العربية المتحدة لتكييف سياستها الخارجية لتحقيق التوازن بين رغبة في النفوذ العالمي والحاجة الملحة للدفاع عن الأمن الاماراتي والخليجي[9].
الفلسفة الأمنية الإماراتية لمواجهة التهديدات الحوثية
تثير التهديدات المتصاعدة المتأتية من اليمن ومن جماعة الحوثيين مفهوم تحديات الأمن القومي الخليجي وخاصة تحديات الأمن على دولة الامارات. ففي ظل سعيها لحماية أمنها، تفرض أبو ظبي رؤية مختلفة لحاجة الأمن والسلم، والتي تشترك فيها مع أغلب دول الخليج والتي تتبلور خاصة في أهمية زيادة تحصين المظلّة الدفاعية الخليجية ضد المخاطر والتهديدات العسكرية التي تمثلها كل من إيران وميلشياتها المنتشرة في جوار دول مجلس التعاون.
طوّرت دولة الإمارات العربية المتحدة فلسفتها الأمنية الخاصة مدفوعة بحالات الطوارئ والمخاطر المتزايدة، في المنطقة والعالم على حد سواء، حيث عززت السلطات الإماراتية دراسة توقعات المخاطر بالإضافة إلى دعم المرونة في الاستجابة السريعة للتهديدات الجديدة من خلال القدرة على تقييم التهديدات المحتملة. الحرب واحتمالات الصراع أصبحت حقيقة ثابتة في الشرق الأوسط. اذ أن التهديدات العابرة للحدود، بما في ذلك السياق الإقليمي، والحرب في اليمن، وانعدام الأمن في بلاد الشام، والتوترات مع إيران تؤثر على الاستقرار العام للشرق الأوسط والخليج، وبالتالي على استقرار الإمارات العربية المتحدة[10]. من أجل ذلك، تنتهج الامارات تعزيز سياسة “تحالفات المصالح” مع اعلاء مصلحة الخليج أولاً، حيث تعتمد على توزان العلاقات والشركاء الدوليين والاقليميين.
تعكس الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى إيران مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، تحولاً مهماً في سياسات الإمارات تجاه جيرانها الإقليميين. ويبدو أن أبو ظبي تتبنى نهجًا أكثر براغماتية مع إيران من أجل الفوائد الأمنية والاقتصادية[11]. فلطالما اعتبرت الإمارات توسع إيران الإقليمي أحد أكبر التهديدات لأمنها القومي، خاصة بسبب احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية. ومع ذلك تغلّب أبو ظبي أولوية الحلول الديبلوماسية بدلاً عن علاقات متوترة ومتصادمة. ومن خلال تقارب حذر مع إيران وتركيا، تستخدم أبو ظبي نهجًا أكثر واقعية في إدارة سياستها الخارجية لضمان أمنها القومي.
وباستخدام تأثير قوتها الناعمة والتفاوض من أجل دعم السلام والأمن في الخليج، سعت أبو ظبي بعد ثلاثة أيام من رئاستها لمجلس الأمن الدولي، للحصول على تأييد دولي بشأن وقف مصادر تمويل الإرهاب، وذلك عبر الدفع بتصويت المجلس على توسيع حظر توريد الأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران. وقد فرض مجلس الأمن الدولي حظر سلاح على حركة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران وسط تساؤلات من دبلوماسيين عن الصلات بين دعم روسيا لهذه الخطوة وامتناع الإمارات عن المشاركة في تصويتين بالمجلس بشأن أوكرانيا. ونفت كل من الإمارات وروسيا التوصل إلى اتفاق بشأن أي تصويت. ويوسّع القرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على العديد من قادة الحوثيين ليشمل الحركة بأكملها، وهو قرار اقترحته الإمارات بعد إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن عدد من الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على الإمارات والسعودية. ولعلّ الخطة المقبلة قد تكون زيادة حشد دعم دولي لاستصدار عقوبات على الحوثيين باعتبارهم جماعة مسلّحة إرهابية مسؤولة عن جرائم حرب في اليمن وتفرض السيطرة بالقوة العسكرية، وهو ما يتنافى مع مبدأ مجلس الأمن المكلّف بنزع سلاح أي جماعة من شأنها تهديد أمن وسلم الشعوب.
ويهدف التحرك الاماراتي لزيادة حصار الحوثيين دولياً ومنع تمويلهم وصولاً الى زيادة عزلتهم ونزع سلاحهم وفرض منطق الحوار السلمي على قياداتهم كخيار وحيد لحلّ الأزمة اليمنية دون فرض إرادة غير شرعية عبر منطق استخدام القوة. هذا الملف تسعى ديبلوماسية أبو ظبي لزيادة تدويل مخاطره على مستويات مختلفة، بالاستفادة خاصة من عضوية مجلس الأمن ورئاسته هذا الشهر.
قرار تمديد حظر الأسلحة المفروض على الحوثيين في اليمن يعد أول نصر للديبلوماسية الاماراتية في تقييد ومحاصرة جهود تسلّح جماعة الحوثي وتقليص خطر وصوله لأسلحة فتاكة قد تهدد الأمن الخليجي برمته. فتصاعد وتيرة التهديدات الحوثية وتطورها من خلال استمرار استخدام طائرات مسيرة والتي تمثل مصادر تهديد مباشر للإمارات وقبلها السعودية[12]، أصبح متغيراً باعثا على عدم الاستقرار ويفرض تحركاً ديبلوماسيا خليجياً واسعاً لتوسيع دائرة الإدانة الدولية لإرهاب الحوثيين والدول الداعمة لهم خاصة إيران.
الامارات والسعي لضمانات دولية لوقف أنشطة إيران العدوانية في المنطقة
من خلال دراسة مضمون المواقف والتصريحات الرسمية الاماراتية خلال السنوات الأخيرة، يبدو جلياً أن أبو ظبي تهدف من خلال تكثيف تحركاتها الديبلوماسية في العالم لفرض حصولها على ضمانات لتخوفات الخليجيين إزاء أنشطة إيران العدوانية. أبرز المطالب الخليجية الأمنية خلصت في إلزام إيران بوقف تدخلها في الشأن الخليجي الداخلي وتمويل الحوثيين والجماعات المتطرفة في المنطقة[13]. هذه المطالب سعت الحكومات الخليجية لفرضها ضمن أجندة المفاوضات الدولية التي تجرى مع طهران في فيينا بهدف التوصل لاتفاق نووي على وشك الإعلان عنه رسمياً[14]. وكانت إيران فرضت عدم اشراك دول الخليج في مفاوضاتها مع الغرب، وهو ما يزيد من شكوك الخليجيين حول صدق نوايا النظام الإيراني في بناء علاقات حسن جوار بعيد عن سباق التسلح المحتدم.
في المقابل، تشير تقارير الى عدم قيام الولايات المتحدة أو القوى الغربية بضغوط على إيران من أجل اقناعها بضرورة مشاركة دول الخليج في المفاوضات الجارية مع الحكومة الايرانية حول برنامجها النووي[15]، وهو أمر أحدث استياء لدى الحكومات الخليجية، وزاد من تراكم أزمة ثقة في وعود الدفاع والأمن إذا استمرت أعمال إيران العدوانية ضد دول مجلس التعاون الخليجي عقب ابرام الاتفاق النووي المنشود والمتعثر.
وكانت دول الخليج تلقت بعض الاشارات المقلقة من تغير سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط وأولويات تحالفاتها وذلك بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. هذا التغير يمكن تفسيره في فرضيات تناقشها الحكومات الخليجية حول احتمال غض نظر القوى الدولية بقيادة واشنطن عن مخاوف البلدان الخليجية إزاء أنشطة إيران الاستفزازية وطموحاتها النووية، علاوة عن قلق معلن باحتمال عدم ادراج مثل هذه المخاوف المشروعة بين الالتزامات المفروضة على طهران ضمن تطبيقات شروط الاتفاق النووي الذي أعلن عن بوادر الاقتراب منه مسؤولون ايرانيون في حال تجاوز عقبة التحفظ الروسي.
ادراج المخاوف الخليجية في الاتفاق النووي الايراني قد يتبدد في حال تطورات مآلات الصراع في أوكرانيا وخرج عن الحدود الأوكرانية، حيث قد يواجه التوافق مع إيران احتمالين اثنين: انهيار التوافق بسب انشغال القوى العظمى في صراع مباشر مع روسيا، أو نجاح الاتفاق حتى بدون الحصول على ضمانات روسية مقابل جني أرباح مهمة بالنسبة للإيرانيين من جراء رفع العقوبات وعودة تدفق النفط الإيراني الى السواق فضلاً عن الاستثمارات الدولية المتوقعة. لكن تبقى إمكانية تحقق الاحتمال الثاني رهن بقاء الصراع في الحدود الأوكرانية.
وبغض النظر عن المخاوف الخليجية من تمدد النفوذ الإيراني في محيط الخليج في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، تهدف التحركات الديبلوماسية الخليجية والممثلة في الدور الاماراتي المهم في مجلس الأمن الدولي للحصول في النهاية على ضمانات دولية تلزم إيران بعدم انتاج سلاح نووي وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للخليجيين ومنع تمويل ودعم الحركات والميليشيات العسكرية كالحوثيين والالتزام بعلاقات حسن الجوار.
ولا تنفي دول الخليج اهتمامها بالتقارب منذ سنوات مع روسيا المؤثرة في سياسات إيران. حيث برزت رغبة خليجية بتفعيل خيارات ديبلوماسية بديلة عبر تفعيل حوار مع الجانب الروسي الذي قد يفضي الى توفير ضمانات للالتزام الايراني بأي توافقات إيرانية خليجية قد تظهر في الأفق. كما أن روسيا تراهن في المقابل على ثقلها في الشرق الأوسط وزيادة تأثيرها المباشر في كل من إيران واليمن وسوريا وليبيا. ومن أجل الاستفادة من توسع النفوذ الروسي في المنطقة، تطمح دول الخليج للعب روسيا دور محوري في ممارسة ضغوط على حلفائها قد تسهم في وقف التمويل الإيراني للإرهاب الذي يطرق الأبواب الخلفية للبيت الخليجي.
خطوة عدم الرضوخ لإملاءات الغرب دون تحقيق مصالح خليجية باتت ملموسة في تصريحات أو تلميحات بعض القادة الخليجيين في السعودية والامارات والمهتمين بضمان أمن الخليج ضمن تشابكات المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط.
وقبل سنوات قليلة اختارت الامارات مراعاة موازنة التحالفات مع القوى العظمى. فحاولت توطيد العلاقات مع واشنطن والاتحاد الأوروبي. في الأثناء عملت على التقارب مع قوى الشرق، وانفتحت على تعاون أعمق مع كل من روسيا والصين. حيث تنتهج الديبلوماسية الإماراتية منهج الشراكة الرابحة المؤسسة على المصالح المشتركة دون الاصطفاف في تحالفات سياسية لا تراعي الأمن القومي الخليجي الذي بات حسّاساً بشكل غير مسبوق تجاه قضايا تثير قلق القادة الخليجيين.
ولعل بعض بواعث هذا القلق تكمن في إدارة المفاوضات الغربية مع إيران بشأن برنامجها النووي دون اشراك دول الخليج في تقييم مصادر التهديدات التي تشكلها طموحات إيران النووية والتوسعية والتدخل في شؤونها الخليج والشرق الأوسط وتسليح الميليشيات لتهديد الأمن الخليجي. كما تبحث دول مجلس التعاون على ضمانات دولية الى جانب الضمانات الروسية بشأن عدم التدخل الايراني في شؤون الدول الخليجية ووقف الدعم الممنوح لبعض الميليشيات الإرهابية.
ومالم يتم تفهم المطالب الخليجية، لا يتم استبعاد استمرار الشعور بالقلق بين صانعي سياسات المنطقة خاصة إزاء إمكانية عدم أخذ القوى الدولية المفاوضة مع إيران بواعث قلق دول مجلس التعاون مأخذ الجد. حيث تبرز كما تشير بعض التقارير بعض التخوفات الفعلية إزاء إمكانية عقد واشنطن لصفقة سرية مستعجلة مع إيران بشأن الاتفاق النووي رغم نفي طهران وواشنطن وجود مثل هذه الصفقة التي تفرضها رغبة غربية ملحة لفرض عقوبات على صادرات النفط الروسية واستبدالها بإمدادات نفطية من إيران ودول خليجية.
وتضغط تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا بوتيرة متسارعة على الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، وتدفعها لزيادة فرض إجراءات ردعية لموسكو تهدف لحصار ومعاقبة المسؤولين الروس وصولاً الى ضرب شريان الاقتصاد الروسي عبر شل حركة إمدادات النفط الروسية للسوق العالمية وتعويضها بإمدادات دول نفطية اخرى. هذا الخيار الأمريكي يمثل طموحاً غير قابل للتحقق على المدى القريب في ظل علاقات موسكو المتشابكة مع بقية الدول النفطية في الشرق الأوسط والعالم. وقد يمثل على سبيل المثال تدخل روسيا كونها أحد أطراف التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني عقبة حقيقية في اقناع إيران بأي صفقة حول رفع العقوبات دون ضمانات روسية. اذ يؤثر ثقل روسيا بشكل كبير في مستقبل أي توافق إيراني مع الغرب حول برنامج طهران النووي أو مسار رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية وخاصة على مستوى امدادات النفط.
مستقبل الاتفاق النووي الإيراني وعلاقته بالحرب الروسية الأوكرانية
في ظل بحث خيارات أخرى لفرض عقوبات غير مسبوقة على امدادات روسيا ثاني أكبر مصدر للطاقة في العالم، كشفت تقارير أمريكية تحركات ديبلوماسية لواشنطن تسعى للتفاوض مع بعض الدول كإيران وفنزويلا[16] فضلاً عن دول خليجية من أجل ضخ مزيد من النفط للسوق العالمية لتعويض النفط الروسي إذا تم حظره أوروبياً، وذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن الحكومات الفنزويلية والإيرانية حليفة موسكو التاريخية.
فرضية موافقة إيرانية وفنزويلية لمثل هذه العروض الأمريكية التي قد تضمن تدفق ثروات هائلة على البلدين لكن قد تمثل بمثابة طعنة في ظهر حليفتهما التاريخية موسكو، وهو ما تصبو اليه بشدة واشنطن. لكن أحبطت ردود فعل إيران وفنزويلا[17] المنتقدة لأميركا سعي واشنطن لإقناعهما بزيادة ضخ نفطيهما كبديل عن امدادات النفط الروسي للسوق العالمية التي يسعى الغرب وقفها كعقاب قاسٍ لاستمرار غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا والتي تعلن حكومتها تأييدها الكامل للتحالف مع الغرب بدل موسكو.
وقد مثل الهدف من زيادة مرونة الديبلوماسية الغربية في الآونة الأخيرة إزاء إيران وفنزويلا في تفادي خروج التضخم التاريخي لأسعار الطاقة عن السيطرة، وذلك بعد حظر واردات أميركا من النفط الروسي وتلويح عواصم أوروبية بوقف تدريجي لوارداتها من الغاز والنفط الروسي خاصة بريطانيا.
وفي حين ان صحّت التقارير حول إمكانية وجود مثل هذه الصفقة بدافع ضرورة تطورات صراع الغرب مع روسيا والتي قد تفضي لتسريع حدوث توافقات إيرانية غربية حول البرنامج النووي وامدادات الطاقة ورفع العقوبات، فقد يحقق الإيرانيون والغرب في نهاية المطاف مكاسب مزدوجة من مثل هذه الصفقة المزعومة، لكن في المقابل قد تبدد مثل هذه الصفقة التي ينكرها الإيرانيون والأمريكيون متطلبات الأمن القومي في الخليج والشرق الأوسط ان لم تأخذ بعين الاعتبار فرض مبدأ إلزام طهران بضمانات للدول الخليجية حول أمنها ضمن أي اتفاق نووي نهائي معلن مع القوى الدولية. لكن هذه الفرضية يبدو أن التصريحات الإيرانية فندتها بشكل حاسم.
بعض التصريحات الإيرانية نفت وجود نية إيرانية لعقد صفقة تتنازل بموجبها عن تحالفها الاستراتيجي مع روسيا أو عقد اتفاق نووي خارج التوافق مع موسكو كضامن دولي للاتفاق الايراني مع الغرب. ويمكن تبرير عدم واقعية هذه الفرضية بأزمة ثقة تاريخية بين إيران والغرب. فلطالما ردد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي خطابات في أكثر من مناسبة تشير الى عدم ثقته في الغرب[18] في حين يثق النظام الايراني بعلاقته الراسخة لعقود مع موسكو[19].
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد وصف العقوبات الغربية على موسكو بسبب هجومها على أوكرانيا بأنها عقبة أمام الاتفاق النووي مع إيران، ودعا الولايات المتحدة إلى تقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات لن تضر بالتعاون بين روسيا وإيران. هذا الشرط وان لم تبدي الحكومة الإيرانية رسمياً موقفا صريحاً منه في ظل صمت يخيم عليه انتظار ايراني لتوضيحات من الجانب الروسي حول تفاصيل الضمانات التي تطلبها موسكو من واشنطن والرامية لعدم تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا على تعاونها مع طهران في إطار الاتفاق النووي.
وفي حين اعتبره البعض على أنه معرقل جديد لنجاح المفاوضات كما ألمحت لذلك وكالة رويترز نقلاً عن أحد المسؤولين الإيرانيين الذي رفض الادلاء باسمه، الا أن بعض الإيرانيين المقربين من النظام يؤيدون توفر مثل هذه الضمانات لطهران في أي اتفاق يفضي لاستئناف امدادات النفط الإيرانية للسوق العالمية ورفع العقوبات الاقتصادية مقابل الالتزام الإيراني بسلمية برنامجه النووي. حيث تداولت وكالات ايرانية نقلا عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده تصريحات مفادها أن نهج روسيا في محادثات فيينا حول الاتفاق النووي كان بناءا لحد الآن. ويبدو أن النظام الإيراني يشترط ضمنياً وجود دعم روسيا كأحد أطراف الحوار في محادثات فيينا، اذ لا يثق النظام الإيراني نهائياً في وعود الغرب وذلك بعد فشل استمرار اتفاق النووي مع الغرب في 2015 بسبب انسحاب ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، باتت إيران تشترط بدورها ضمانات من اجل ديمومة الاتفاق.
واعترافًا بالعلاقة الاستراتيجية بين طهران وموسكو، كان وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قد أعلن في يوليو 2020 عن استعداد إيران لتمديد معاهدة التعاون لعام 2001 مرة أخرى. في الوقت الحالي، لا تزال تفاصيل الاتفاق المطروح لمدة 20 عامًا غامضة، لكن من المرجح أن يفتح أي اتفاق الباب لزيادة التعاون بين البلدين، وربما يساعد طهران في تحقيق العديد من أولويات السياسة الخارجية. الأهم من ذلك، أن الاتفاق الايراني المحتمل مع روسيا تأتي في أعقاب توقيع إيران في مارس 2021 على “خارطة طريق للتعاون” لمدة 25 عامًا مع الصين.
وللتدليل على الثقة المتبادلة بين الروس والإيرانيين، ذكرت تقارير أنه بعد ساعات من شن روسيا غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي لإبلاغه بـ “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا. وخلال الاتصال، أعرب رئيسي عن تفهم إيران للمخاوف الأمنية لروسيا، وأكد ادعاء الدولة بأن “توسع الناتو يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن واستقرار الدول المستقلة[20]”.
إلى حد ما، يعكس دعم إيران للإجراءات الروسية التحسن في العلاقات الثنائية، التي نمت بشكل كبير على المستويين السياسي والعسكري خلال العقد الماضي. حيث أدى التعاون الروسي والإيراني في الحرب الأهلية السورية إلى تنسيق أكبر حول الأهداف والمصالح المتداخلة. ويتضح موقف إيران ازاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من خلال التأييد الواضح بشكل خاص لروسيا على النقيض من حلفاء موسكو التقليديين مثل كازاخستان[21].
على صعيد آخر، تلوح مخاوف من استفادة إيران علاقتها مع الروس ومن الحرب الدائرة في أوكرانيا لتعزيز امداداتها التقنية النووية والالتفاف على القرارات الدولية. ففي ظل الفوضى الدائرة في الأراضي الأوكرانية وزيادة عدم اليقين حول الوضع الأمني للمنشآت النووية الأوكرانية، زادت المخاوف من استغلال إيران لمثل هذه الظروف لتهريب تقنيات نووية من أوكرانيا عبر المافيا الدولية الناشطة هناك.
وقد تستغل إيران زيادة التوتر العالمي والاضطراب على الحدود الدولية من أجل تسريع امتلاكها لأسلحة فتاكة وتسريع اكتمال مراحل تطويرها للسلاح النووي خاصة في ظل نشاط المافيا الدولية واهتمامها بتسريب أو تهريب تقنيات نووية من أوكرانيا.
إيران وسياسة المناورة والتملص من الالتزامات
الاتفاق النووي الايراني مهما كانت حيثياته على الأرجح أن ترحب به دول الخليج على شرط أن تشمل بنوده ضمان عدم تسلح إيران بأي سلاح نووي من شأنه أن يشكل خطرا على الأمن القومي في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط مع الالتزام بعدم ارتكاب أي عمل عدواني ضد دول الجوار كتسليح الميلشيات الإرهابية الناشطة خاصة في اليمن.
الا أن إيران تحاول الإفلات من تقديم أي التزام واضح لدول الخليج إزاء مستقبل سياسات توسيع نفوذها في المنطقة أو منحها ضماناً لوقف دعمها لعدد من الميليشيات التابعة لها وفي مقدمتها جماعة الحوثيين. وهو ما اتضح في عدد من التصريحات والمواقف الإيرانية الرسمية المتناقضة.
سياسة التملص والتناقض في التصريحات والمواقف والتي تعتمدها الديبلوماسية الإيرانية ضمن تكتيكات علاقاتها الهشّة مع جيرانها الخليجيين والغرب، توحي كل المؤشرات على استمرارها دون وجود تغيير جوهري في مسار تعاطي إيران لعقود مع مطالب دول الجوار لترسيخ الثقة بين دول مجلس التعاون وإيران. حيث تبقى سياسات المناورة والاستفزاز تطغى على السياسات العامة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي.
لذلك فتناقض مواقف طهران تقلق دول الخليج وفي مقدمتها الامارات الساعية لبذل كل الجهود الديبلوماسية مع طهران من أجل تجنيب تصعيد التوتر والتوصل بدلاً عن ذلك الى اتفاق يقضي بإدانة أنشطة الإرهاب وخاصة ارهاب الحوثيين ودعم توافق يمني-يمني ووقف دعم الحركات المسلحة التي تهدد بشكل مستمر دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والامارات.
على صعيد آخر، زاد اعتماد الدول الخليجية على أولوية تغليب سلاح القوة الناعمة الديبلوماسية بدلاً من الرهان على التسلح فقط، حيث أظهرت نتيجة المشاركة العسكرية لدول الخليج في حرب اليمن أن التدخل العسكري مكلف جدا ومحفوف بالمخاطر[22]، ويحمل تعقيدات وتداعيات بعيدة المدى قد تؤثر على الداخل الخليجي. لذلك تراهن العواصم الخليجية على أولوية الحلول الديبلوماسية والتفاوض من أجل ضمان مصالح الخليج أولاً.
في هذا الصدد، برزت بشكل تدريجي رغبة خليجية متفاوتة باستثناء الكويت مع تحفظ سعودي للانفتاح على إقامة علاقات ديبلوماسية وتعاون اقتصادي في الحد الأدنى مع إسرائيل[23] لخفض مستويات التوتر التاريخي مع الدولة العبرية، ولاحقاً برز الانفتاح على التفاوض على تحقيق مصالح أكبر من خلال التقارب المتقدم الذي تقوده الامارات مع تركيا[24] بعد تعثر التعاون المشترك لسنوات لأسباب اختلاف في الرؤى السياسية وخاصة فيما يتعلق بالتنظيمات الإسلامية أبرزها جماعة الاخوان المسلمين المدعومة من أنقرة، ومثل هذا الخلاف ظلّ لفترة عائقاً أمام رفع مستوى المصالح المشتركة خاصة تركيا من جهة والامارات والسعودية ومصر من جهة أخرى.
ومع خفض التوتر التاريخي لاحتمالات الصراع مع إسرائيل، فعلّت بعض العواصم الخليجية في مقدمتها أبو ظبي مبادرات الانفتاح على التفاوض والحوار السلمي مع إيران بغاية تقليص بواعث عدم استقرار العلاقات الخليجية الإيرانية.
في مرحلة لاحقة باتت تتشكل قناعة لدى الخليجيين بعدم ممانعة إجراء حوار مباشر مع الإيرانيين[25] بهدف خفض مستويات التوتر والتوافق على مصالح مشتركة شرط احترام سيادة الدول وانتزاع أي رغبة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل واثبات مبادرات جدية لحس النوايا حول ترسيخ مقومات السلام الدائم وحل الخلافات عبر الحوار السلمي ووفق القانون الدولي. في ظل ذلك تكثفت المساعي من أجل تحفيز مفاوضات مباشرة وغير مباشرة عبر وساطات مختلفة من أجل الدفع بتقريب وجهات النظر وصولا الى تصور مشترك لخارطة طريق لتحقيق اتفاق سلام طويل المدى.
رغم هذه المبادرات والدعوات السلمية للحوار، لم تبدي إيران رغبة واضحة وملموسة وجدية في المضي قدماً في اتجاه تفهم مطالب دول الخليج ومحاولة مراجعة سياساتها الاستفزازية للعواصم الخليجية. وبسبب التصريحات المتناقضة للمسؤولين الإيرانيين خلال السنوات الأخيرة حول استشراف علاقتهم بدول الخليج[26]، يبقى القلق وعدم اليقين الشعور المهيمن على مواقف العواصم الخليجية ازاء مستقبل العلاقات مع إيران.
الرهان الإيراني على الاتفاق النووي مع الغرب وتأثيره على الأمن الخليجي
قدمت الحكومة الإيرانية الجديدة في ظل قدوم الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي بعض الوعود الرامية لتطمين دول الخليج حول وجود رغبة إيرانية جدية لتسوية جلّ خلافاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي[27]. لكن هذه الرغبة قد تمثل مناورة مؤقتة للنظام الإيراني من أجل تفادي أي توتر مع دول مجلس التعاون التي تعتبر حليفة للقوى الغربية المفاوضة مع طهران حول برنامجها النووي في فيينا. حيث تحاول إيران القفز على أي تحفظات غربية بشأن تخوفات الخليجيين من سياساتها الاستفزازية[28]، وتسعى جاهدة لحصر المفاوضات حول البرنامج النووي دون تسييس الاتفاق المنشود الرامي لرفع العقوبات الدولية عنها وتعبئة الموارد التي تراجعت بشكل كبير بسبب تداعيات جائحة كورونا[29]. ومن أجل عدم عرقلة توقيع الاتفاق مع الغرب، تراهن الحكومة الإيرانية على لعب سياسة اللين المؤقت في العلاقات الدولية والإقليمية وتصرّ على نجاح المفاوضات مع الغرب حول برنامجها النووي لكن دون تقديم أي ضمانات حول تجميد سياسات التسلح وتوسيع نفوذها والتدخل في شؤون دول المنطقة.
ومن غير المستبعد أن فرضية تحقيق النظام الإيراني لأي زيادة في ايراداته من النفط ورفع العقوبات قد تذهب نسبة منها لتمويل أنشطة الحرس الثوري العسكرية والتوسعية والاستفزازية في المنطقة من بينها ضمان دعم للحركات الإرهابية الموالية لطهران والتي تعادي دول الخليج في مقدمتها جماعة الحوثيين. اذ أن تصعيد تهديدهم للسعودية والامارات اعتمد على أسلحة متطورة أبرزها طائرات مسيرة بعضها إيراني الصنع.
ومن المتوقع أنه اذ استمر الدعم الإيراني للأنشطة العدوانية لجماعة الحوثيين والتي بلغت مستويات خطيرة من خلال تصاعد تهديدات الطائرات المسيرة للمصالح والمنشآت الخليجية خاصة في السعودية والامارات[30]، من الوارد جدا سعي كل من السعودية والامارات لدعم حلول أمنية ودفاعية أكبر مستقبلاً لردع المخاطر الإيرانية المحتملة كاحتمال تعزيز القبة الخليجية الحديدية التي هي عبارة عن منظومة دفاعية ضد الهجمات الصاروخية او الأجسام الطائرة كالمسيرات.
وبالتوازي مع تطوير الدفاعات الخليجية يستمر رهان الامارات والسعودية على الانفتاح على خيارات أخرى أبرزها احتمالات مطروحة لتوافق خليجي روسي منشود حول ممارسة ضغوط على الإيرانيين لوقف دعمهم العسكري واللوجيستي للحوثيين مقابل تعزيز المصالح المشتركة التي تجمع الروس والخليجيين بشرط ألا يتعارض هذا التقارب مع العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين الدول الخليجية والولايات المتحدة.
علاقات دول الخليج بالولايات المتحدة تحت الاختبار: هل تعارض واشنطن توحد دول الخليج؟
تسعى واشنطن للحفاظ على علاقات توزان قوى في الشرق الأوسط، وفي حين تعمل على استمرار دعم دول الخليج عسكرياً من أجل تعزيز دفاعاتها ضد مخاطر تشكلها طهران وتركيا، الا أنها تعمل على ضبط وتيرة هذا الدعم خشية خروج قوة دول الخليج عن السيطرة وتشكيلها لتحالف استراتيجي قد يمثل قوة ندية موازية للقوة الأمريكية في المنطقة، وهو احتمال قد يمثل تهديدا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية إذا استمر نمو القوة العسكرية الخليجية وصولاً الى امتلاكها لسلاح ردع. ومن أجل تفادي ذلك تسعى واشنطن للحفاظ على الوضع الراهن quo statu على مستوى تعاون الدول الخليجية دون بلوغها مصاف الوحدة، في مقابل السماح بنمو حذر للقوة الإيرانية لتبقى مصدر تهديد مضاد يقيّد مستقبل القوة الخليجية، مع الحرص على تجنب تحقق أرضية الانسجام السياسي بين الدول الخليجية لما يمثله ذلك من مخاطر محدقة على أميركا واسرائيل. فتشكل أي قوة عسكرية خليجية موحدة على أساس توافق وانسجام سياسي قد يمثل مخاطر عالية بالنسبة للقوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط وفي مقدمتها إسرائيل وإيران.
وبالرغم من معرفتها من أن التعاون المباشر معها لا يحظى بالإجماع الخليجي، تحرص إسرائيل على الظهور كشريك جديد للخليجيين. واختارت الدولة العبرية التعاون بدل معاداة الدول الخليجية وذلك بسبب تفادي مخاطر تداعيات نمو القوة الخليجية الموحدة مستقبلاً، وأيضا بهدف ضمان جبهة مشتركة ضد سياسات إيران العدوانية في المنطقة. اذ تخشى إسرائيل وحدة الدول الخليجية وما قد تشكله من قوة هجومية ودفاعية واقتصادية مؤثرة في المنطقة مستقبلاً.
وتمثل حالة التهديدات المتوازنة والتحالفات المضادة الوضع الأنسب والمثالي لوضع الشرق الأوسط بالنسبة لأجندات واشنطن المستقبلية في المنطقة والتي لا ترمي لتشجيع توحد الخليجيين[31]، حيث قد تستفيد أميركا من خليج منقسم بدل خليج موحد. اذ لا تسمح الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيون بنمو قوة صاعدة قد تهدد الحليف الاستراتيجي للغرب في المنطقة المتمثل في إسرائيل، حيث تتعهد أغلب الحكومات الأمريكية والأوروبية المتعاقبة بضمان التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة على باقي الدول[32]. لذلك فقد تمانع واشنطن امتلاك دول الخليج لتقنيات عسكرية متفوقة على إسرائيل وهو ما قد يبحث عنه الخليجيون لدى شركاء آخرين كروسيا والصين.
وعكست تصريحات السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة مرحلة الاختبار التي تمر بها العلاقات الخليجية الأمريكية، حيث قال إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة تمرّ بمرحلة “اختبار القدرة على تحمّل الإجهاد[33]”، وذلك بعد سلسلة تباينات في المواقف بين الحليفين، آخرها حيال الغزو الروسي لأوكرانيا. ولطالما كانت الإمارات التي تترأس مجلس الأمن الدولي هذا الشهر، شريكا إقليميا استراتيجيا لواشنطن، لكنها، على غرار جيرانها الخليجيين الآخرين، تحاول إيجاد توازن في علاقاتها مع تنامي روابطها السياسية والاقتصادية مع موسكو. وبينما سارع العالم إلى إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، تجنّبت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي الست، وخصوصا السعودية والإمارات، إدانة موسكو بشكل مباشر، داعية إلى حل سلمي.
وعلى صعيد آخر، ففي الوقت الذي تأمل فيه دول الخليج من حليفتها واشنطن زيادة الضغوط والعقوبات على إيران وصولاً الى انتزاع برنامجها النووي الذي يشكل تهديدا قائما على أمن دول الخليج إذا صحّ امتلاكها له مستقبلاً، يعتمد البيت الأبيض سياسة المناورة والتفاوض مع طهران لتحييد فكرة تطوير سلاح نووي والسماح لها فقط بالطاقة النووية النظيفة مقابل تخفيف العقوبات وتحسين تموقعها الدولي كقوة إقليمية صناعية وزراعية وطاقية.
ومن غير المستبعد أن تخذل واشنطن الى حد ما حلفائها الخليجيين في مسألة ضمان تدمير مقومات القوة الإيرانية وصواريخها الباليستية التي تشكل تهديدا فعلياً لمستقبل الازدهار والأمن القومي الخليجي، حيث قد لا تسعى واشنطن لتغيير النظام الإيراني[34] أو اضعافه بشكل كبير على حساب تفوق دول الخليج، فهي تعمل على عدم نمو أي قوة إقليمية خارج سيطرتها بهدف المحافظة على نفوذها في المنطقة الخليجية[35] وتبعية العواصم الخليجية لها بأقل التكاليف وعلى أمن إسرائيل في النهاية. في مقابل ذلك، سعت دول الخليج منذ سنوات بعد بدء انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من الشرق الأوسط[36] والخليج الى الاعتماد على القدرات الذاتية وأيضا على تعميق تحالفات موازية للتحالفات الاستراتيجية مع واشنطن.
الإمارات العربية المتحدة، تم تسليط الضوء عليها مرارًا وتكرارًا كواحدة من أهم شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبحسب هذا المنظور، فإن أبوظبي حليف حيوي لردع إيران ومواجهة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي. في الآونة الأخيرة، أصبحت الإمارات العربية المتحدة تُعتبر عنصراً أساسياً مع السعودية في خطة واشنطن لحماية المنطقة وملأ الفراغ المترتب عن انسحابها العسكري الجزئي من الشرق الأوسط بدافع اعادة الانتشار العسكري الأمريكي الخارجي نحو آسيا[37].
وكدليل على دعم واشنطن لاستمرار تحالفها مع الامارات، يبدو أن إدارة بايدن لا تعارض دعم تسلح الامارات لكن مع حفظ التفوق لإسرائيل، حيث لم تحظر الى الآن بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار (بما في ذلك طائرات F-35) إلى أبو ظبي والتي بدأت في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. في حين أشادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإمارات باعتبارها شريكاً أمنيًا رئيسياً للولايات المتحدة.
ومع يقين بعض دول مجلس التعاون الخليجي أن أقصى ما يمكن أن تقدمة واشنطن لهذه الدول كدعم عسكري بعد انسحابها من المنطقة يتمثل في بعض الصفقات لأسلحة دفاعية فقط وليست هجومية مع تحفظ إسرائيلي على صفقات تسلح فائق القدرة والتكنولوجيا[38]، سعت بعض العواصم الخليجية الى إعادة تشكيل سياساتها الخارجية والشراكات الأمنية وتعزيز التحالفات مع قوى عظمى مختلفة كالصين وروسيا[39] من أجل تحصين نفسها وتعزيز مصادر بديلة للتكنولوجيا العسكرية والاقتصادية حتى لا تبقى رهن مصدر واحد وتبتعد بذلك عن احتمالات التعرض للابتزاز.
نمو علاقة استراتيجية بين الامارات وموسكو وفق مبدأ مصالح الامارات والخليج أولاً
على الرغم من وصف الإمارات العربية المتحدة بشكل متكرر بأنها أقوى شريك أمني للولايات المتحدة في منطقة الخليج، إلا أن علاقة روسيا بالإمارات العربية المتحدة قد تعززت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. في يونيو 2018، أبرمت روسيا اتفاقية شراكة استراتيجية مع الإمارات العربية المتحدة، وهي أول صفقة من نوعها بين موسكو ودولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. سمحت هذه الاتفاقية لروسيا بدخول سوق الأسلحة الإماراتي المربح من خلال عرض بيع طائرات مقاتلة من طراز Su-57 في أبوظبي كما مهدت لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر 2019.
ونظرا لمعرفة ثاقبة بتغير التحالفات الإقليمية مع القوى العظمى سعت الامارات الى توطيد علاقاتها مع روسيا بشكل متوازن لكن ليس بدرجة التعاون المتقدم مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. لكن هناك مسار لازدهار العلاقات الإماراتية الروسية في الأفق.
ولأهمية التأثير الاستراتيجي للكريملن على سياسات إيران، تعي أبو ظبي جيدا أن التعاون الاماراتي الروسي قد يفرز التزاماً إيرانياً موثوقاَ بعدم التدخل الايراني في تمويل جماعية الحوثيين وذلك على أساس مفاوضات قد تكون برعاية إقليمية أو دولية تشارك فيها موسكو على الأرجح. لكن مع مراعاة عدم استفزاز الحليف الاستراتيجي لأبوظبي والخليج المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تأثرت العلاقات الخليجية الأمريكية بتقلبات سياسات وأولويات البيت البيض منذ سنوات بدءا بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في الخليج علاوة على عدم توصل الإدارة الأمريكية الحالية لتفهم قلق دول الخليج إزاء أنشطة إيران العدوانية بالإضافة لوجود بعض التعثرات في التعاون العسكري الأمريكي الخليجي في ظل الإدارة الحالية، حيث تعهد جو بايدن خلال حملته الرئاسية الماضية بتقييد صفقات التسلح الممنوحة لدول الخليج[40] بمبررات يعتبرها الخليجيون واهية. ويعتبر بايدن من دعاة خفض تسليح دول الخليج واستمرار التفوق النوعي للقدرات العسكرية الإسرائيلية، اذ استمر الدعم التقني والعسكري للجيش الإسرائيلي في عهد بايدن[41] مقابل خفضه بالنسبة لدول الخليج، وهو أمر أثنى عليه الإسرائيليون أنفسهم خاصة بعد تحويل نحو مليار دولار لدعم القبة الحديدية الاسرائيلية.
وشهدت العلاقات الإماراتية الروسية نقلة نوعية بإعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في عام 2018، حيث تعزز التعاون بين البلدين في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك بفضل حرص قيادتهما[42]. في 15 يناير 2020، ادعى رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري أن سفارة الإمارات العربية المتحدة في موسكو عرقلت جهود روسيا لإقناع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر بقبول وقف إطلاق النار. أثار هذا الكشف تكهنات حول خلاف بين روسيا والإمارات حول ليبيا، ولكن سرعان ما خمدت هذه المخاوف من خلال اعلان موسكو وأبو ظبي المشترك عن دعم اتفاقية أوبك + لتنظيم أسعار النفط، والمشاركة في محادثات برلين للسلام حول ليبيا.
إلى جانب تعاونهما في قطاعي الطاقة والدفاع، تقاربت مواقف روسيا والإمارات من الأزمات الإقليمية بشكل ملحوظ خلال العام الماضي. يتجلى هذا التقارب في اعتراف الإمارات بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد، والدعم الروسي والإماراتي لهجوم حفتر على طرابلس، والمشاركة الدبلوماسية الروسية مع المجلس الانتقالي الجنوبي المتحالف مع الإمارات العربية المتحدة في اليمن. يمكن تفسير التآزر بين المواقف الروسية والإماراتية بشأن أزمات الشرق الأوسط من خلال المصالح المشتركة، ولكنه يعكس أيضًا الأفكار المشتركة التي يتبادلها البلدان حول النظام الإقليمي الناشئ.
الدافع الفكري الأول للشراكة الاستراتيجية لروسيا مع الإمارات العربية المتحدة يكمن في المعارضة المشتركة لكلا البلدين للثورات المفضية للفوضى وعدم الاستقرار وتهديد الأمن. وعلى الرغم من أن روسيا والإمارات العربية المتحدة لم تتفقا عالمياً على كيفية التعامل مع الربيع العربي، حيث دعمت الإمارات تدخل الناتو عام 2011 في ليبيا وجهود المعارضة السورية للإطاحة بالأسد، اعتبرت قيادتا البلدين أن الربيع العربي ظاهرة مزعزعة للاستقرار. في ديسمبر 2011، صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الانتفاضات العربية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات الطائفية في الشرق الأوسط. وفي ملاحظة مماثلة، حذر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية السابق أنور قرقاش في خطاب ألقاه في أبريل 2012 من أن “تحوّل الاحتجاجات إلى مواجهات عنيفة أصبحت السمة المميزة” للربيع العربي.
العنصر الفكري الثاني للشراكة الاستراتيجية الروسية الإماراتية يتلخص في المعارضة الشديدة لكلا البلدين للحركات الإسلامية الشعبية. منذ عام 2003، صنفت روسيا جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ورحبت موسكو بجهود الإمارات لاحتواء انتشار الإسلام السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. أوضح مؤتمر غروزني في أغسطس 2016 حول الإسلام السني مدى التعاون الروسي الإماراتي ضد الإسلام السياسي وسلّط الضوء على دعم زعيم الشيشان رمضان قديروف لسياسات الإمارات المناهضة للإسلاميين.
على صعيد متصل، تبنت موسكو وأبو ظبي خطابات مماثلة بشكل لافت للنظر حول التطرف في سوريا وليبيا. في أبريل 2018، وصف قرقاش الحرب الأهلية السورية بأنها صراع بين الأسد والتطرف الإسلامي، الأمر الذي كرر الروايات الروسية القديمة. في يناير 2019، حوّلت روسيا والإمارات العربية المتحدة هذا الخطاب المشترك إلى تنسيق سياسي من خلال الإعلان رسميًا عن خطط للتعاون في مكافحة الإرهاب في سوريا. وبالمثل، في ليبيا، توافق المسؤولون الروس والإماراتيون حول تقدير التهديد الذي تشكّله الجماعات الإسلامية المتمردة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، ودعموا الجنيرال خليفة حفتر ضد التطرف الإسلامي.
عموما، اتضح من خلال دراسة التقارب الروسي الاماراتي، أن الامارات تأمل في أن يترسخ تعاون مثمر في توحيد الرؤى مع الروس بشأن التعامل مع التهديدات المحتملة كالتطرف، والسياسات العدوانية الإيرانية علاوة على خفض مستويات التوتر في اليمن ونزع سلاح الحوثيين بالضغط على داعمهم الأساسي المتمثل في النظام الإيراني.
وكاستنتاج عام، تدعم موسكو نهج تقارب الإمارات الحذر من إيران. حيث اعتبر المسؤولون الروس رفض الإمارات تحميل إيران مسؤولية الهجمات على ناقلات نفط الفجيرة في مايو 2019 بمثابة فرصة للتواصل مع أبوظبي بشأن أمن الخليج. وقد زعم لافروف في احدى تصريحاته أنه “يشعر باهتمام” الإمارات العربية المتحدة بخطط روسيا لتهدئة التوترات مع إيران من خلال تعزيز الحوار بين طهران ودول الخليج العربي[43]. ولذلك، من المرجح أن توفر دعوات الإمارات لضبط النفس بعد مقتل قائد فيلق الحرس الثوري الإسلامي قاسم سليماني مزيدًا من الزخم لتواصل روسيا مع الإمارات العربية المتحدة بشأن قضايا أمن الخليج.
لكن تبقى بعض القضايا الخلافية التي تسعى الامارات لتوحيد التنسيق مع روسيا بشأنها خاصة في الحلول التوافقية للأزمة الليبية واليمنية وآلية خفض التوتر مع إيران وترسيخ الثقة المتبادلة[44]. وأعتبر هدف منع التصعيد العسكري في الخليج العربي أساسًا راسخة للتعاون الاماراتي الروسي في إشارة لانفتاح الإمارات الحذر على النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب من خلال تعزيز روابطها مع القوى غير الغربية الرائدة والتحوط ضد القيادة الأمريكية المتعثرة في الشرق الأوسط.
2022 © مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية MenaCC
المراجع:
[1] F. Gregory Gause,What Does U.S. “Withdrawal” From the Middle East Mean?, agsiw, Dec 2021, https://agsiw.org/what-does-u-s-withdrawal-from-the-middle-east-mean/
[2] Laura El-Katiri, Energy Sustainability in the Gulf States: The Why and the How, March 2013, MEP 4, The Oxford Institute for Energy Studies, https://www.oxfordenergy.org/wpcms/wp-content/uploads/2013/03/MEP_4.pdf
[3] Dion Nissenbaum , Stephen Kalin and David S. Cloud, Saudi, Emirati Leaders Decline Calls With Biden During Ukraine Crisis, wsj, March 8, 2022, https://www.wsj.com/articles/saudi-emirati-leaders-decline-calls-with-biden-during-ukraine-crisis-11646779430
[4] Nikolay Kozhanov, Russia-GCC Economic Relations: When Quality Matters more than Quantity, , Gulf Studies Center, Qatar University, Qatar, ARTICLES | Insight Turkey Winter 2021 / Volume 23, Number 1, https://www.insightturkey.com/articles/russia-gcc-economic-relations-when-quality-matters-more-than-quantity
[5] Adam Krzymowski, Role and Significance of the United Arab Emirates Foreign Aid for Its Soft Power Strategy and Sustainable Development Goals, MDPI, social sciences, 2022, file:///C:/Users/IMED/Downloads/socsci-11-00048%20(1).pdf
[6] Patrick Wintour, “UAE announces new Saudi alliance that could reshape Gulf relations” The Guardian, December 5, 2017, https://www.theguardian.com/world/2017/dec/05/uaesaudi-arabia-alliance-gulf-relations-gcc
[7] John Calabrese, The “New Normal” in Saudi-UAE Relations — Tying China In, mei, February 3, 2022, https://www.mei.edu/publications/new-normal-saudi-uae-relations-tying-china
[8] Mohammed Alkhereiji, “UAE, Saudi Arabia initiate two-nation council to boost cooperation,” The Arab Weekly, June 8, 2018, https://thearabweekly.com/uae-saudi-arabia-initiate-two-nation-council-boost-cooperation
[9] Karam Shahrour, “The evolution of Emirati foreign policy (1971-2020): The unexpected rise of a small state with boundless ambitions”, Under the supervision of Professor Laurence Louër, Sciences Po, Spring 2020, This paper has received the Kuwait Program at Sciences Po Student Paper Award, https://www.sciencespo.fr/kuwait-program/wp-content/uploads/2021/02/Shahrour-Karam-The-evolution-of-Emirati-foreign-policy-1971-2020.pdf
[10] WILLIAM GUERAICHE, Kristian Alexander, Facets of Security in the United Arab Emirates, 2022, Routledge
340 Pages 14 B/W Illustrations
[11] MOHAMMAD BARHOUMA, The Reshaping of UAE Foreign Policy and Geopolitical Strategy, Jan 2022, carnegie, https://carnegieendowment.org/sada/86130
[12] Atlantic Council, Experts react: Iran-backed Houthis launched a drone attack in Abu Dhabi. What challenges lie ahead for the region?, MENASource, January 24, 2022, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/experts-react-iran-backed-houthis-launch-drone-attack-in-abu-dhabi/
[13] HEARING BEFORE THE COMMITTEE ON FOREIGN RELATIONS UNITED STATES SENATE ONE HUNDRED FOURTEENTH CONGRESS, FIRST SESSION, OCTOBER 6, 2015, https://www.govinfo.gov
[14] bloomberg, Iran Nuclear Talks Suspended as Window Closes on Key Deal, March 2022, https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-03-11/iran-nuclear-talks-halted-in-vienna-with-window-closing-on-deal
[15] Dr Tobias Borck, The Gulf States and the Iran Nuclear Deal: Between a Rock and a Hard Place, Rusi, 29 November 2021, https://rusi.org/explore-our-research/publications/commentary/gulf-states-and-iran-nuclear-deal-between-rock-and-hard-place
[16] Krystal Hur, House GOP leader: Oil from Iran, Venezuela to offset Russia would just pay other dictators, CNBC, MAR 9 2022, https://www.cnbc.com/2022/03/09/house-gop-leader-kevin-mccarthy-warns-against-iran-venezuela-oil-to-offset-russia.html
[17] Gideon Long in Bogotá and Michael Stott in London, US retreats on Venezuela oil talks after Maduro meeting criticism, FT, March 2022, https://www.ft.com/content/503e557e-947c-4993-8016-69b2135f4432
[18] Rick Gladstone, Iran’s Supreme Leader on America: Don’t Trust, Don’t Cooperate, June 3, 2016, https://www.nytimes.com/2016/06/04/world/asia/iran-supreme-leader-khamenei.html
[19] Parisa Hafezi, Reuters Staff, Iran’s supreme leader blames U.S. ‘mafia-like regime’ for Russia-Ukraine conflict, March 2022, https://www.ctvnews.ca/world/iran-s-supreme-leader-blames-u-s-mafia-like-regime-for-russia-ukraine-conflict-1.5800319
[20] مقتطفات من تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي
[21] Nicole Grajewski, As the world shuns Russia over its invasion of Ukraine, Iran strengthens its ties with Moscow, March 7, 2022, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/as-the-world-shuns-russia-over-its-invasion-of-ukraine-iran-strengthens-its-ties-with-moscow%EF%BF%BC/
[22] John R. Allen and Bruce Riedel, Ending the Yemen war is both a strategic and humanitarian imperative, brookings, November 16, 2020, https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/11/16/ending-the-yemen-war-is-both-a-strategic-and-humanitarian-imperative/
[23] Omar Rahman, The emergence of GCC-Israel relations in a changing Middle East, July 28, 2021, brookings, https://www.brookings.edu/research/the-emergence-of-gcc-israel-relations-in-a-changing-middle-east/
[24] Natasha Turak, Erdogan’s celebrity welcome in the UAE affirms a sea-change in relations, lifeline for Turkey’s economy, CNBC, FEB 15 2022, https://www.cnbc.com/2022/02/15/erdogans-uae-visit-affirms-shift-in-relations-help-for-turkeys-economy.html
[25] Gulf reconciliation fuels Iranian hope for dialogue with Riyadh, 12/01/2021, https://thearabweekly.com/gulf-reconciliation-fuels-iranian-hope-dialogue-riyadh
[26] EXCLUSIF : L’Iran a annoncé à MBZ qu’il frapperait les Émirats arabes unis en réaction à toute attaque américaine, december 2020, https://www.middleeasteye.net/fr/actu-et-enquetes/iran-menace-emirats-mbz-represailles-frappe-americaine-israelienne
[27] Iran’s Raisi hopes Qatar trip will boost relations with Gulf countries, 21 FEB 2022, https://www.trtworld.com/middle-east/iran-s-raisi-hopes-qatar-trip-will-boost-relations-with-gulf-countries-54974
[28] US, Gulf countries accuse Iran of causing ‘nuclear crisis’, France 24, November 2021, https://www.france24.com/en/live-news/20211117-us-gulf-countries-accuse-iran-of-causing-nuclear-crisis
[29] Iran: responding to the impact of COVID-19, ECHO, 27 Sep 2021, https://reliefweb.int/report/iran-islamic-republic/iran-responding-impact-covid-19#:~:text=%E2%80%9CThe%20impact%20of%20COVID%2D19,also%20further%20weakening%20the%20economy.
[30] Yemen’s Houthis have launched two attacks against the U.A.E. — here’s why, January 25, 2022, https://www.npr.org/2022/01/25/1075493673/yemens-houthis-have-launched-two-attacks-against-the-u-a-e-heres-why
[31] Jane Kinninmont, The Gulf Divided: The Impact of the Qatar Crisis, RESEARCH PAPER, 30 MAY 2019, ISBN: 978 1 78413 299 6, https://www.chathamhouse.org/2019/05/gulf-divided-impact-qatar-crisis-0/3-impact-gcc
[32] Stephen Zunes, Why the U.S. Supports Israel, Institute for Policy Studies, May 1, 2002, https://ips-dc.org/why_the_us_supports_israel/
[33] Alexander Cornwell, U.S. ties with Gulf partner UAE are being tested, envoy says, Reuters, March 3, 2022, https://www.reuters.com/world/middle-east/ties-between-uae-united-states-undergoing-stress-test-uae-envoy-says-2022-03-03/
[34] Michael Makovsky, PhD and Jonathan Ruhe, The Right Strategy For Iran Isn’t Regime Change. It’s Regime Collapse,The Washington Post – Wednesday, January 8, 2020, https://jinsa.org/the-right-strategy-for-iran-isnt-regime-change-its-regime-collapse/
[35] Martin Indyk, US Policy Priorities in the Gulf: Challenges and Choices, Brookings, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/20041231.pdf
[36] MIKE SWEENEY, A PLAN FOR U.S. WITHDRAWAL FROM THE MIDDLE EAST, DECEMBER 21, 2020, https://www.defensepriorities.org/explainers/a-plan-for-us-withdrawal-from-the-middle-east
[37] Jon Hoffman, Washington’s Blank Check for the United Arab Emirates Must End The UAE’s bad behavior harms U.S. interests in the Middle East and at home, November 2021, https://foreignpolicy.com/2021/11/03/us-uae-relationship-arms-sales-human-rights-biden/
[38] EMILE HOKAYEM, Reassuring Gulf Partners While Recalibrating U.S. Security Policy, Published May 18, 2021, carnegieendowment, https://carnegieendowment.org/2021/05/18/reassuring-gulf-partners-while-recalibrating-u.s.-security-policy-pub-84522
[39] Changing times calls for new GCC relations with China, Russia, https://oxfordbusinessgroup.com/analysis/east-meets-middle-east-changing-times-calls-new-relations-china-and-russia
[40] Katrina Manson and Andrew , Biden suspends arms sales to Saudi Arabia and UAE, JANUARY 27 2021, https://www.ft.com/content/356df221-251f-4eba-a307-88e485ef1d45
[41] Jeremy M. Sharp, U.S. Foreign Aid to Israel, RL33222, fas, February 18, 2022, https://sgp.fas.org/crs/mideast/RL33222.pdf
[42] UAE, Russia stress depth of strategic relations over five decades, Wed 08/12/2021, https://www.mofaic.gov.ae/en/mediahub/news/2021/12/8/08-12-2021-uae-minister
[43] Elena Teslova, Russia seeks Arab support in reviving Iran nuclear deal Russian foreign minister visits UAE, Saudi Arabia, Qatar, 2021, https://www.aa.com.tr/en/europe/russia-seeks-arab-support-in-reviving-iran-nuclear-deal/2175181
[44] Samuel Ramani, Why the Relationship Between Russia and the United Arab Emirates is Strengthening While the U.S. muddles along in the Middle East, Russia and the UAE are building a stronger bond, JANUARY 24, 2020, https://responsiblestatecraft.org/2020/01/24/why-the-relationship-between-russia-and-the-united-arab-emirates-is-strengthening/