ادارة أبحاث المركز
(MenaCC)
الكويت
2 يوليو 2022
الملخص: اتفاق سلام شامل وضخم في الشرق الأوسط تُعد له على الأرجح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبيل زيارته الى المنطقة منتصف الشهر المقبل. صفقة السلام المحتملة التي تعكس رؤية بايدن الجديدة لاستقرار الشرق الأوسط، قد تحمل حلولاً مؤقتة لسلام قد يكون زائفاً بسبب عدم جدية الضمانات المتوقعة. صفقة السلام التي يخطط البيت الأبيض على الأرجح اعلانها هذا الصيف من السعودية قد تصطدم بأزمة ثقة بين دول الشرق الأوسط والإدارة الأمريكية الحالية. الصفقة قد تصطدم أيضاً بمحاولات روسية للتأثير على شركائها في المنطقة لتجنب فرض رؤية سلام أمريكية أوروبية من طرف واحد دون شروط وضمانات قد تكون مجحفة للغرب.
ومن المرجح اعلان تفاهمات أمريكية مع دول الخليج وإسرائيل وإيران وبقية دول الشرق الأوسط والتي من شأنها أن توفر تسوية للخلافات الشائكة والملحّة بين الدول الحليفة لواشنطن[1].مع ترجيح موافقة بايدن على زيادة منح ضمانات أمنية ومساعدات مختلفة وصفقات تسليح وتعاون لوجيتسي كمبادرة حسن نوايا تجاه دول المنطقة بهدف اعادة كسب ثقتها، ما يجعله على الأرجح الاتفاق الأكثر كلفة في تاريخ الحكومات الأمريكية.
الاتفاق قد يصنّف على شاكلة نسخة معدلة وموسّعة لصفقة القرن التي أعلنت عنها سابقاً في 2020 ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط. وتحتم ظروف الحرب الروسية الأوكرانية والجائحة متغيرات جديدة تعطي الأهمية مرة أخرى لدول المنطقة والخليج خاصة باعتبارها من أهم منتجي الطاقة عالمياً وبمثابة عامل استقرار قوي لأسعارها.
في خضم ذلك، لا تستبعد التحليلات أن يسعى بايدن لدفع استقرار أسواق الطاقة العالمية بأي ثمن لمنع انهيار اقتصادي وشيك لاقتصادات الغرب. ومن خلال الاشراف على صفقة سلام تمنع شبح الحرب في أهم منطقة منتجة للطاقة في العالم، تهدف إدارة بايدن للدفاع عن دور الولايات المتحدة في قيادة النظام العالمي والضامن لاستقرار الاقتصاد الدولي فضلاً عن التمسك باستمرار دور واشنطن الحيوي في الشرق الأوسط والحفاظ على تحالفات قوية هناك. مهمة قد لا تبدو يسيرة على غرار النجاح الذي حققه البيت الأبيض في تعزيز علاقاته مع دول القارة الأوروبية أخيراً. حيث نجحت واشنطن في اخضاع أوروبا لخياراتها الاستراتيجية تحت مظلة منظمة حلف الشمال الأطلسي وذلك بإيجاد تهديد مشترك يتمثل في روسيا والصين. أما المهمة قد تكون عسيرة في الشرق الأوسط في ظل تحييد واشنطن لإيران من تصنيف التهديد المشترك والترويج لها كشريك محتمل تلزمها شروط الاتفاق النووي الذي تسعى لإحيائه. لذلك فان غياب تهديد مشترك قد يصعب مهمة البيت الأبيض في توحيد مواقف دول المنطقة وتكامل سياساتها بعد ان اعتاد بناء التحالفات على تهديد مشترك.
وتهدف خطة السلام الأمريكية الموجهة لدول الشرق الأوسط لزيادة تقريب وجهات النظر بين الدول حول المصالح المشتركة وفتح أسواق أمامها وزيادة تحفيز حصصها في الأسواق الدولية. وهذا الاهتمام بمنح فرص أكبر لاقتصادات الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي يهدف لعرقلة توسع نفوذ ومصالح روسيا والصين في المنطقة. ومن غير المستبعد أن يتغير مفهوم الولايات المتحدة لحافز السلام في الشرق الأوسط من تجميع الفرقاء حول مواجهة تهديد مشترك الى تجميعهم حول مصلحة مشتركة، حيث من المرجح أن يغلب الطابع الاقتصادي على السياسي في المفاوضات، وهو النهج نفسه الذي اتبعته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لكن مع إبقاء التهديد المشترك المتمثل في إيران، وهو ما يختلف حوله بايدن المتمسك بسلام مع النظام الايراني.
تكشف نتائج بحث تحليلي لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) تفاصيل رؤية بايدن للسلام في المنطقة وأنها لن تختلف كثيراً عن رؤية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لكن مع رغبة في إعادة صياغتها وتعديل بسيط يتمثل في احتواء الخطر الإيراني باتفاق دولي واقليمي معها. كل ذلك قد تفرج عنه القمة الأمريكية الشرق الأوسطية المنتظرة في الرياض منتصف الشهر الجاري بحضور بايدن. والهدف على ما يبدو محاصرة الغرب للنفوذ الروسي الصيني المتصاعد في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى تفادي صراع إسرائيلي إيراني وشيك وتجنب أزمة امدادات طاقة عالمية تتكبد تداعياتها الكبرى بالدرجة الأولى أوروبا والولايات المتحدة في حال استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا.
على صعيد آخر، تسعى أميركا من جهة للضغط على إسرائيل وتفهم هواجسها الأمنية، ومن جهة أخرى استيعاب المطالب الإيرانية من أجل تفادي حرب في المنطقة بأي ثمن لأن تداعياتها كارثية على أسواق الطاقة وامدادات السلع على المدى القريب. كما لا تستبعد واشنطن محاولة تحسين مناخ الثقة مع السعودية. كل هذه الملفات والتفاهمات المحتمل التوصل اليها لاتزال قيد دراسة ادارة بايدن على الأرجح وترصد متغيرات ظروف الحرب وأسواق الطاقة وآثار الجائحة المستمرة والضغوط الشعبية الغربية ومدى تطور موجة التضخم وما ستؤول اليه أزمة نقص الغذاء في العالم.
التفاهمات التي ترجو واشنطن التوصل لها يمكن تصنيفها بـ”اتفاقيات الضرورة” التي تحتمها خاصة رغبة أمريكية في زيادة الضغط على روسيا من خلال خفض درجة تقارب موسكو مع الدول العربية والشرق الأوسطية. وعلى الأرجح أن تفضي رؤية بايدن للسلام في الشرق الأوسط الى نسخة أخرى من توافقات سلام زائف روجت له سابقاً إدارة ترامب[2] وقبله الرئيس الأمريكي باراك أوباما. لكن هذه الرؤية قد تفترض تقديم عدة تنازلات أمريكية وغربية وان بشكل مؤقت. فمن المتوقع أن تشمل التفاهمات المتضمنة في اتفاق السلام الزائف والمؤقت المحتمل: دعم نشأة تحالف عربي إسرائيلي اقتصادي ودفاعي استكمالاً لصفقة القرن مع توقع ضغط أمريكي لزيادة تطبيع علاقات دول عربية مع إسرائيل، بدء مفاوضات سلام إسرائيلية فلسطينية بضمانات دولية، وزيادة منح دول عربية أفضلية في الأسواق الدولية.
اتفاق السلام الضخم من المحتمل أن يسعى لتجاوز الخلافات والتعقيدات لو مؤقتاً من أجل ضرورة حيوية تتمثل في مجابهة نمو النفوذ الروسي والصيني المتسارع في المنطقة والمستفيد من حالة الشعور بالامتعاض من تصريحات سابقة لبايدن تجاه الخليج، فضلاً عن واقع الاستقطاب والتوتر التي تمر بها علاقات هذه الدول الباحثة عن مصالحها الوطنية وتخفيف وطأة تداعيات أزمة عالمية مزدوجة تتعرض لها بسبب آثار جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاداتها.
السلام على الأرجح لن يستثني أيضاً بحث تفاهمات حول تعزيز الأمن والاستقرار بشأن إيران وسوريا واليمن والعراق، حيث يستمر البحث عن تصورات لحلول مؤقتة لدعم استقرار هذه الدول على المدى القريب. حلول قد تكون على شاكلة مساعدات اقتصادية ولوجستية وعسكرية، علاوة على مساع حثيثة لإحراز تقدم في مفاوضات تهدف لتوقيع اتفاق نووي مع طهران يخرجها من دائرة العقوبات المفروضة منذ سنوات، في المقابل منح تسهيلات أكبر للسعودية في التحول لقوة اقتصادية وعسكرية إقليمية ودعم التقارب السعودي الإيراني بإيجاد مساحات تفاهم.
على صعيد آخر، فان الاتفاق الذي تسعى لإبرامه واشنطن قد لا يقدم حلولاً جدية وجديدة للقضية الفلسطينية. حيث تشير التوقعات أن إدارة بايدن غير متشجعة بشكل كبير لكسر حالة جمود مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليس لديها ما تقدمه أكثر مما قدمته إدارة ترامب أو أوباما. اذ تراهن بعض التحليلات أن واشنطن بدأت تفقد قدرة التأثير الكبير على صنع القرار في إسرائيل. ففي حين كانت تعتمد إسرائيل بشكل مطلق على الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي، لكن هذا الاعتماد قد ينتهي، في حين أن إسرائيل لا تزال تستفيد بشكل كبير من المساعدة الأمريكية، يقول خبراء أمنيون ومحللون سياسيون إن الدولة العبرية قد طوّرت بهدوء استقلالًا ذاتيًا فعالًا عن الولايات المتحدة[3]. كما تعرف علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن توترا مبطنا[4] قد لا يسمح بتوقع مرونة واذعان اسرائيلي تام لشروط رؤية بايدن للسلام وللاتفاق النووي مع إيران مالم تحقق الدولة العبرية ضمانات صعبة.
ولا يبدو أن سلام بايدن قد يصطدم فقط بمعضلة القضية الفلسطينية، بل ان تقاطعات الأزمة اليمنية وتعقيد الوضع السياسي والأمني والإنساني والاقتصادي قد تمثل عائق للتوصل لحل سريع حتى مع تقديم ضمانات ومساعدات أمريكية، وكذلك الأمر ينسحب على التهديدات الحوثية والارهابية في منطقة الخليج التي قد لا يكون حسمها سريعا، علاوة على احتمال ارجاء حسم التفاهمات حولها مقابل توقع تقديم إدارة بايدن والغرب ضمانات بتقليص التهديدات العسكرية التي تمثلها جماعات الحوثي عبر الضغط على إيران. ويبدو أن شرط الالتزام الإيراني بوقف استفزازات طهران لدول المنطقة أولوية مطلقة لطالما تمسكت بها إسرائيل ودول الخليج معا. الا أن توقع مثل هذه الضمانات الغربية قد لا يكون كافياً لاكتفاء دول الخليج خاصة بتعزيز التحالف مع أميركا فقط على حساب ابطاء خطوات التقارب مع روسيا والصين. اذ هناك خشية خليجية ألا تكترث كثيرا ادارة بايدن بمخاوف الدول الخليجية على المدى المتوسط، بقدر اهتمامها فقط وبشكل حيوي ومستعجل بتقديم ضمانات مؤقتة مقابل زيادة تدفق امدادات الغاز والنفط من الشرق الأوسط، وذلك من أجل الضغط على أسعار الطاقة نزولاً وتضييق الخناق على الطاقة الروسية ومحاصرة حصصها في الأسواق العالمية، وذلك من خلال توفير بدائل من دول الخليج وحلفائها في الشرق الأوسط.
التصور الأمريكي لسلام في الشرق الأوسط قد يفرض تنازلات أمريكية كثيرة وضغوطاُ أكبر على البيت الأبيض ونفقاته الخارجية على المدى القريب. الا أن الاعلان عن سلام يبدو هدفا معنويا لكسب حرب نفسية ضد موسكو وفق تصورات المحيطين بالرئيس بايدن وذلك لإنقاذ مكانة أميركا في النظام العالمي الذي تهدف روسيا والصين الى تغييره بأي كلفة وفرض نظام متعدد الأقطاب.
حسب دراسة تقارير أمريكية موثوقة، من المرجح أن يسعى بايدن لامتصاص الغضب الخليجي الآخذ في التصاعد منذ بداية اعلان الانسحاب العسكري الأميركي التدريجي من الشرق الأوسط ضمن استراتيجية مراجعة كلفة الانتشار العسكري واتفاقيات الحماية والدفاع المشترك[5]. ولذلك قد يحاول بايدن عبر تقديم ضمانات تحسين العلاقات خاصة مع السعودية[6] وتجديد التزام أميركا بتحالفاتها مع دول الخليج قاطبة ومتابعة المبادرات المتعددة اللازمة لمعالجة مخاوفها الأمنية المشروعة مع تعزيز حقوق الإنسان[7]. مخاوف مثلت ذريعة لزيادة المواقف المنتقدة للدور الأمريكي المتراجع في معالجة أولويات قضايا دول الخليج والتي برزت بقوة مع قدوم بايدن للسلطة واعلانه ابان حملته الانتخابية بجعل السعودية منبوذة. علاوة على ذلك تفاقمت مشاعر الغضب الخليجي من الإدارة الأمريكية بسبب عدم قدرة الغرب عموماً احتواء مخططات توسع نفوذ إيران في المنطقة وتدخلاتها الاستفزازية في شؤون دول الخليج وجيرانها.
2022© مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية MenaCC
المراجع:
[1] NAHAL TOOSI and JOSEPH GEDEON, An unsettled matter in Biden’s Middle East, politico, 06/13/2022, https://www.politico.com/newsletters/national-security-daily/2022/06/13/an-unsettled-matter-in-bidens-middle-east-00039222
[2] Ken Klippenstein, Ryan Grim, THE BIDEN ADMINISTRATION IS PURSUING A RETREAD OF TRUMP’S FALSE PEACE PLAN, 27 May 2022, https://theintercept.com/2022/05/27/biden-middle-east-abraham-accords/
[3] Max Fisher, As Israel’s Dependence on U.S. Shrinks, So Does U.S. Leverage, nytimes, May 2021, https://www.nytimes.com/2021/05/24/world/middleeast/Israel-American-support.html
[4] Michael Jansen, Biden administration blackmailed by Israeli government, jordantimes, Jun 01,2022, https://www.jordantimes.com/opinion/michael-jansen/biden-administration-blackmailed-israeli-government
[5] iiss analysis, Military Balance 2022 Further assessments, feb 2022,https://www.iiss.org/blogs/analysis/2022/02/military-balance-2022-further-assessment
[6] Karen Attiah, From ‘pariah’ to ‘move past it’: How Biden set aside press freedom, washingtonpost, 21 june 2022, https://www.washingtonpost.com/opinions/2022/06/21/biden-saudi-arabia-israel-journalists-death/
[7] Hamdan AlAlkim, U.S. President Joe Biden’s Foreign Policy towards the GulfHassan, American University of Ras AlKhaimah, Ras AlKhaimah, United Arab of Emirates, July 2021, DOI: 10.4236/ojps.2021.113026, https://www.scirp.org/journal/paperinformation.aspx?paperid=109701