الكويت، 13 يوليو 2020 (MenaCC): نظرا لحاجة أميركا الملحة لاستقرار أسواق الطاقة في العالم والتي تمثل السعودية مؤثرا أساسياً فيها، لا يستبعد أن تمارس الرياض ضغوطاً على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل إحلال سلام عادل ودائم في المنطقة ينسجم مع أولويات مبادرة السلام العربية بالرياض 2002. حيث قد ترضخ واشنطن لخيارات السعودية دول حليفة أخرى وان مؤقتا. وقد يمثل تعزيز القدرات الدفاعية الخليجية وتشريك الخليجيين في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني ودعم حل منصف للقضية الفلسطينية ومساندة الموقف الخليجي في قضايا اليمن وسوريا ولبنان وزيادة العمل المشترك لمحاربة التطرف والإرهاب نصرا ديبلوماسياً سعودياً قد لا يعلن عنه الا في مرحلة لاحقة.
الضغط السعودي المتوقع على إدارة بايدن والمستفيد من حاجة أميركا لاستقرار الطاقة، قد يشكل بداية ديبلوماسية سعودية تتخذ من أولوية المصالح الخليجية والعربية خيارا لها بالاعتماد على الاستفادة القصوى من تغير الظروف الجيو-استراتيجية.
ضمن سلسلة تقارير نشرت في بحث للمركز، تفيد مؤشرات مختلفة من خلال دراسة المواقف والتصريحات الرسمية للحكومة السعودية خلال السنوات الأخيرة أن الرياض بصدد تكثيف مساعيها لتخفيف روابط الاعتماد على واشنطن في عدة مجالات، وتعويلها في المقابل على قدراتها الذاتية والانفتاح على علاقات أوسع مع مختلف القوى الدولية.
وعلى الأرجح ان تسعى السعودية للضغط على إدارة بايدن لدمج بعض أفكار مبادرة السلام العربية عام 2002 في أي صفقة لسلام شامل في الشرق الأوسط تفضي لزيادة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل أو ما يمكن تسميتها بصفقة القرن في نسختها الثانية. وقد يكون الفلسطينيون المستفيد الأكبر.
زيارة الرئيس الأمريكية للشرق الأوسط وخاصة للسعودية قد تكون محطة فاصلة في مستقبل الاستقرار العالمي. حيث يعول عليها الغرب لإجراء تفاهمات مع دول المنطقة بهدف خفض التوتر من أجل تجنب اضطراب امدادات الطاقة وارتفاع أسعارها أكثر في أهم منطقة طاقية في العالم، اضطراب قد تسعى اليه روسيا لزيادة ارباك اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة أهم داعمي أوكرانيا خصم روسيا، وذلك من خلال دعم موسكو لطهران اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا ورفع قدراتها الدفاعية استعدادا لصراع إقليمي وشيك مع إسرائيل على الأرجح.
لذلك فان سياسات بايدن في الشرق الأوسط كما كانت معلنة منذ توليه السلطة مرجحة للتغير برمتها، حيث من المرجح ان تنخفض درجة تحفظه في العلاقات مع الرياض ودعمها في استعادة شرعية الحكومة اليمنية والضغط على الحوثيين، فضلا عن تجميد محتمل للانسحاب العسكري مؤقتا من القواعد الامريكية بالخليج.
وتنقض زيارة بايدن المرتقبة للرياض تعهده السابق خلال حملته الرئاسية بجعلها “منبوذة” وسيسافر بايدن إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل، وسيتوقف في إسرائيل والضفة الغربية ويلتقي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتأتي الزيارة في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة تعزيز إنتاج النفط العالمي ودفع السلام العربي الإسرائيلي إلى الأمام[1]. ويتعرض الرئيس جو بايدن لضغوط متزايدة من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط للتوصل إلى خطة قابلة للتطبيق لتقييد طموحات إيران النووية والتوسعية.
وقد شهدت العلاقات الأمريكية السعودية مؤخرًا بعض أسوأ التوترات. فقد لا يتفق بايدن والقادة السعوديون على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني دون ضمانات خليجية. لكن قد يرى أحد الأطراف أن الاتفاقية هي البديل الأقل سوءًا لشراء معظم الوقت لتأخير برنامج إيران النووي، بينما يقول الجانب الآخر إنها تؤخر فقط حتمية اختراق نووي إيراني أسوأ وتغذي اعتداءات إيران الإقليمية الأخرى من خلال تخفيف العقوبات الكبرى. وقد أثارت مجموعة واسعة من القضايا الخلاف وانعدام الثقة بين الشريكين التاريخيين (واشنطن والرياض) خاصة إزاء انعكاسات المحادثات النووية الإيرانية على السلام في المنطقة، والحرب في اليمن، والموقف السعودي من خصمي الولايات المتحدة روسيا والصين، وحقوق الإنسان، والإصلاح الاجتماعي في المملكة، وإنتاج النفط وأسعاره، والتزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط[2]. ومن أجل الحفاظ على التزام واشنطن بالاستجابة للمخاوف الخليجية من المرجح أن تسعى إدارة بايدن لدعم سلام حذر بين دول الخليج وجارتها إيران.
دعم أميركي لفكرة التقارب المرحلي السعودي الإيراني
رحبت إدارة بايدن بأي تقارب يحصل بين السعودية وإيران بل تعمل على تمهيد الأرضية لذلك[3]. في 9 من أبريل 2021، أجرت إيران والسعودية محادثات مباشرة بعد خمس سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية. وتوسط لإجراء المحادثات في بغداد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. تركزت المناقشة في المقام الأول على اليمن فضلا عن الأزمة السياسية والمالية في لبنان[4]
منذ شهر تقريبا أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلال مؤتمر دافوس، أن يد المملكة ممدودة لإيران [5] من أجل السلام. واستمر التنسيق وصولا لعقد اول اجتماع رسمي بين مسؤول سعودي وإيراني لتباحث رفع حصة الحجيج الإيرانيين. وهو ما قد يثير التكهنات حول إمكانية التعاون بين البلدين وصولاً الى مباحثات لعودة محتملة لفتح سفارات البلدين ومعاودة العلاقات الديبلوماسية المتعثرة رغم اعلان المسؤولين الإيرانيين أن الحديث حول إعادة فتح السفارات أمر سابق لأوانه[6].
ورغم اهتمام الرياض بالحصول على دعم أمريكي وغربي من أجل سلام دائم وعادل في المنطقة، الا أن بعض المؤشرات ترجح استمرار أزمة ثقة بين عواصم خليجية والإدارة الأمريكية الحالية في ظل تناقض تصريحات كبار مسؤوليها تجاه مستقبل العلاقات مع الخليج.
أزمة ثقة بين واشنطن ودول الخليج قد تحد من نتائج زيارة بايدن
أسهمت تسونامي من التطورات السياسية والعسكرية غير المتوقعة في العالم، وأبرزها الحرب في أوكرانيا، على منع أي مزيد من تخفيف الروابط الأمريكية مع دول الشرق الأوسط بالنظر لاحتياطاتها الهائلة من الطاقة والتي يحتاجها الغرب كبديل للطاقة الروسية التي تتعرض لعقوبات قياسية.
أزمة ثقة متصاعدة بين إدارة بايدن والدول شرق أوسطية بما فيها دول الخليج وإسرائيل وإيران حيث لا يمكن تجاهلها. ورغم سعي حثيث لفريق بايدن لرأب الصدع وتعزيز الثقة من خلال ضمانات مرتقبة والتزامات أمريكية بتعزيز العلاقات مع هذه الدول، الا أن الأخيرة وخاصة دول الخليج تعي أن إيجابية مواقف البيت الأبيض ازاء التعامل مع هواجس وتطلعات هذه الدول وخاصة السعودية لا تنم عن قناعة بتعزيز العلاقات الأمريكية الخليجية وخاصة بعد انتقادات لاذعة وجهها بايدن للسعودية ابان حملته الرئاسية. لذلك فان تغير موقف واشنطن وقرار بايدن زيارة الرياض وعقد قمة مرتقبة بمشاركة زعماء المنطقة تهدف فقط حسب تحليلات كثيرة الى زيادة تدفقات الطاقة واحتواء إيران مؤقتا دون حلول جذرية لمخاوف دول الخليج.
فمنذ توليه السلطة سعى بايدن الى تخفيف الروابط الأمريكية مع دول الخليج وتسريع وتيرة الانسحاب العسكري من قواعدها هناك بهدف تعزيز تواجدها في بحر الصين الجنوبي وشرق أوروبا. وهو هدف استراتيجي استعصى على العديد من الإدارات السابقة[7]. كما تحاول إدارة بايدن احداث تفاهمات سلام بين الخليجيين والإسرائيليين والإيرانيين بهدف خفض التزاماتها العسكرية المكلفة في المنطقة. وكان تحرك بايدن لإنهاء حرب أمريكا التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان، واستئناف المحادثات حول اتفاق نووي متجدد مع إيران أكبر دليل على استراتيجية تخفيض الروابط الأمريكية مع دول المنطقة. كما أعلنت أيضا أنها ستنهي دعمها للحرب السعودية في اليمن، وعلقت لفترة وجيزة بعض مبيعات الأسلحة المعلقة للسعودية والإمارات وسحب ثماني بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من المنطقة. الا ان هذه التحركات يبدو أن تجمدت بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وما خلفته من تداعيات كارثية على أسواق الطاقة التي تمثل دول الخليج خزانا كبيرا لها.
وبغض النظر عن مدى صعوبة محاولة بايدن استمالة زعماء دول الشرق الأوسط لخيارات واشنطن المتقلبة، فمن غير المرجح أن يثق الخليجيون ولا الإسرائيليون أو الإيرانيون برؤية بايدن والديمقراطيين للسلام المزعوم. الا انه من المتوقع أن تسعى إدارة بايدن تحسين علاقات الثقة مع دول الخليج خاصة من خلال توفير بعض الضمانات.
ضمانات أمريكية محتملة لمخاوف خليجية أمنية
قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المعلنة للمملكة العربية السعودية في منتصف الشهر المقبل، زادت وتيرة التوقعات حول رغبة أمريكية محتملة وغير معلنة الى الآن في خفض مستويات التوتر في الشرق الأوسط التي ارتفعت بسبب تدخلات روسية وصينية مرجحة في تقديم دعم مزدوج غير مباشر لكل من إيران وبعض دول الخليج خاصة تلك المستاءة من إدارة بايدن التي أعلنت سابقا دعم خفض الحماية العسكرية لها وتقليص تسليحها عبر فرض قيود مبيعات السلاح الأمريكي لعواصم خليجية. يحدث ذاك تزامنا مع انسحاب عسكري للولايات المتحدة يجري منذ سنوات من قواعدها بالخليج.
الهواجس الخليجية قد تطرح للنقاش خلال القمة الأمريكية الشرق الأوسطية بالرياض منتصف يوليو المقبل. حيث قالت مصادر إن البيت الأبيض يخطط لحضور بايدن سيحضر قمة مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن المعروف باسم «GCC + 3» كما سيلتقي مع نظرائه من جميع أنحاء المنطقة[8].
لا يبدو أن أجندة الديمقراطيين وخاصة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن والتي تمثل امتدادا لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما تشجع على تفوق القوة العسكرية والاقتصادية الخليجية على حساب القوة الإيرانية والإسرائيلية. حيث تسعى دائما لضمان التفوق الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه عدم اضعاف القوة الإيرانية أو اذلالها للحفاظ على توازن قوى يجعل دول الخليج تحت تهديد دائم وفي حاجة مستمرة للولايات المتحدة كحليف تفاضلي. اذ استفادت واشنطن خلال العقود الماضية من استمرار حرب باردة بين دول الخليج وإيران تمكنت بموجبها من الحصول على نفوذ أكبر في المنطقة من خلال بوابة الحليف العسكري والاقتصادي الاستراتيجي لدول مجلس التعاون.
هذا المتغير في العلاقات الاستراتيجية الأمريكية الخليجية تنبهت له على الأرجح دول خليجية وسارعت لتنويع مصادر قوتها العسكرية والاقتصادية والانفتاح الأكثر على شركاء دوليين بما فيهم من تصنفهم واشنطن بالأعداء كروسيا والصين.
التقارب الخليجي الروسي والصيني يرصده البيت الأبيض عن كثب مع نظرة مقلقة. تقارب تقابله مساع أمريكية حثيثة لاستيعاب وفهم مخططات دول الخليج وتحفيزها على الدخول في حلف إقليمي بمشاركة إسرائيل مع ضمانات قد يعلن عنها بايدن خلال زيارته المرتقبة للشرق الأوسط في الشهر المقبل للتصدي لتهديدات إيران.
تجدر الإشارة الى أن ما يزيد من مضاعفة خطر النظام الإيراني شعوره بموقف قوة وان كان مؤقتا، حيث تتسابق القوى العظمى لاستيعابه والاتفاق معه سواء وروسيا او الغرب. الاستفادة الإيرانية من ذلك قد تكون على حساب الأمن القومي الخليجي واضطراب مصالح دول مجلس التعاون.
حصول طهران على دعم غربي أو روسي أكبر لا ينفي في المقابل رصد رغبة أمريكية في تعزيز الدعم العسكري لإسرائيل ودول خليجية أخرى تسعى موسكو لاستقطابها وذلك بهدف دعم الشراكة الدفاعية مع هذه الدول لكبح جماح الصعود الإيراني المستفيد من ارتفاع إيرادات النفط وانشغال القوى العظمى في أوروبا وأميركا في مواجهة طموحات روسية وصينية لتوسيع هيمنتهما كقطب عالمي جديد قد يتمدد في خارطة العالم المرجح تغير معالمها وحدود دولها في المدى المتوسط على خلفية صراع علني محتدم على النفوذ في شرق أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وصولاً لمنطقة المغرب العربي.
وتضغط إدارة بايدن على إيران من خلال التلويح باستمرار العقوبات من أجل دفعها لقبول بعض الشروط الصارمة لإنقاذ مسار الاتفاق حول برنامجها النووي وتفادي تحولها لقوة نووية في المنطقة. وبذلك فان بايدن لا يعارض تقاربا إيرانيا سعوديا يصب في مصلحة استقرار حذر مؤقت يعطيه الوقت من اجل التفرغ لملف روسيا والصين. الا أن روسيا قد لا تترك له خيارات كثيرة، حيث تلعب أيضا على اثارة أكثر من ملف كالأزمة السورية ودعم إيران في مفاوضاتها النووية، في المقابل لا تدخر جهدا في دعم التقارب مع دول الخليج وملاء فراغ الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة. وقد خلق الانسحاب الأمريكي من المنطقة واقعا مختلفا خلال السنوات الماضية حفز من زيادة تعويل دول الخليج والشرق الأوسط على بناء قدراتها الذاتية ودعم استقلالية استراتيجياتها المتخلية عن التبعية للخيارات الأمريكية.
2022 © مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية MenaCC
المراجع:
[1] Matt Viser and John Hudson, Biden visit to Saudi Arabia reverses his vow to make it a ‘pariah’, washingtonpost, June 14, 2022, https://www.washingtonpost.com/politics/2022/06/14/biden-saudi-arabia-israel/
[2] DANIEL B. SHAPIRO and MARK DUBOWITZ, Biden’s Saudi Arabia Opportunity, politico, 06/14/2022,https://www.politico.com/news/magazine/2022/06/14/bidens-saudi-arabia-opportunity-00039210
[3] United states Institute of Peace, Iran-Saudi Talks, Updated: April 25, 2022 Original: May 4, 2021, https://iranprimer.usip.org/blog/2021/may/04/secret-iran-saudi-talks
[4] United states Institute of Peace, Iran-Saudi Talks, Updated: April 25, 2022 Original: May 4, 2021, https://iranprimer.usip.org/blog/2021/may/04/secret-iran-saudi-talks
[5] Natasha Turak, Saudi foreign minister says the kingdom’s hands are ‘stretched out’ to Iran, 24 may, https://www.cnbc.com/2022/05/24/saudi-arabia-says-the-kingdoms-hands-are-outstretched-to-iran.html
[6] The New Arab Staff & Agencies, Iran says ‘too early’ to talk of Tehran, Riyadh reopening embassies, 20 June, 2022, https://english.alaraby.co.uk/news/iran-says-too-early-talk-tehran-riyadh-reopening-embassies
[7] SARAH LEAH WHITSON, America’s Middle East ‘Withdrawal’ Breathes Its Last Breath, prospect, JUNE 24, 2022, https://prospect.org/world/americas-middle-east-withdrawal-breathes-its-last-breath/
[8] Andrea Mitchell and Josh Lederman, White House postpones Biden trips to Saudi Arabia and Israel, june 2022, nbcnews, https://www.nbcnews.com/politics/white-house/white-house-postpones-biden-trips-saudi-arabia-israel-rcna31951