بقلم د. إدريس الكنبوري
باحث ومحلل سياسي مغربي
24 أغسطس 2022
قد تكون وساطة لتطبيع العلاقات بينهما ضمن أهداف زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المرتقبة للجزائر، الا أن تحديات نجاح هذه الوساطة كبيرة. فمنذ اعلان الجزائر قطع العلاقات مع المغرب في أغسطس 2021، تمر العلاقات بين البلدين بأسوأ محطاتها منذ قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار عام 1991 في الصحراء، وذلك بسبب الأزمات المتتالية التي تلقي بظلالها في سماء البلدين على خلفية ملف الوحدة الترابية للمغرب الذي يرجع إلى النصف الثاني من عقد السبعينات.
استمرار القطيعة تطور يبدو أنه لم يرغب به الملك المغربي محمد السادس الذي جدد في نهاية يوليو الماضي عبر خطاب الدعوة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجارة الجزائر، معربا عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية “لإقامة علاقات طبيعية”، ومؤكدا على الرغبة “في الخروج من هذا الوضع. لكن لم يحدث أي تطور ملموس في العلاقات نحو التحسن الفعلي عقب هذه الدعوة.
وقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة تطورات كبرى على الصعيد الإقليمي، غيرت ميزان القوى بين البلدين بشكل راديكالي. اذ تمكن المغرب عام 2017 من العودة إلى الاتحاد الإفريقي الذي كان الملك الراحل الحسن الثاني قد جمّد عضوية بلاده فيه احتجاجاً على القبول بعضوية “الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية”، حليف الجزائر، عام 1984.
ويبدو أن المغرب أعاد علاقاته مع البلدان الإفريقية التي كسب تأييد بعضها لأول مرة لصالح الموقف المغربي من الصحراء، إذ سحبت بعض هذه البلدان اعترافها بالجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء، بل إن هذه البلدان فتحت ممثليات قنصلية لها في مدينة العيون، عاصمة الصحراء، والداخلة، إلى جانب بلدان عربية أخرى كالأردن والإمارات العربية المتحدة، ودول أوروبية مثل إيطاليا والبرتغال.
وقد جاء هذا التحوّل النوعي في مواقف هذه البلدان بعد القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في ديسمبر 2020، التي اعترفت بسيادة المغرب على المناطق الجنوبية، مقابل اعتراف الرباط بإسرائيل، الأمر الذي شكل تغيرا كبيرا في ميزان القوة بين المغرب والجزائر، التي باتت شبه معزولة على الصعيد الإقليمي، وبدأت تخسر مواقعها السابقة في القارة الإفريقية بعد نهاية الحرب الباردة والتحولات الدولية والأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية.
دفعت هذه التطورات الجديدة في ملف الصحراء إلى إطلاق مرحلة من التصعيد بين البلدين، ففي أكتوبر من عام 2020 أغلق ناشطون مسلحون تابعون لجبهة البوليساريو المعبر الحدودي “الكركرات” الذي كان المغرب قد فتحه في وقت سابق لإيصال منتجاته إلى بلدان غرب افريقيا، في إطار الشراكة الجديدة التي فتحها الملك محمد السادس مع بلدان القارة، تلاه إعلان جبهة البوليساريو إنهاء قرار وقف إطلاق النار الساري المفعول منذ بداية التسعينات، مما يعني تجدد الاشتباكات. وقد اتهمت الرباط الجزائر بالوقوف وراء الحادث وتحريض مقاتلي الجبهة، وردت من خلال ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة عبر الدعوة إلى منح حق تقرير المصير لسكان منطقة القبائل الجزائرية، وهو الملف الشائك لدى قصر المرادية، ما دفع الجزائر إلى قطع العلاقات مع الرباط وغلق مجالها الجوي أمام المغرب، واتخاذ قرار عدم تجديد عقد خط استغلال أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري عبر التراب المغربي، الأمر الذي فوت على هذا الأخير أزيد من مليار ونصف دولار كان يحصل عليها سنويا.
وبالرغم من أن الحدود مغلقة بين البلدين منذ العام 1993، لدى وقوع تفجير في فندق أطلس أسني بمراكش نفذه مواطنون فرنسيون ذوو أصول جزائرية، لا يزالون معتقلون بالمغرب، إلا أن التعاون بين البلدين ظل قائما في بعض الملفات المشتركة، مثل مواجهة الجريمة المنظمة على الحدود والتهريب والمخاطر الأمنية، بيد أنه منذ أشهر توجد هذه العلاقات في حالة جمود. وكان الملك محمد السادس قد دعا أكثر من مرة، في خطبه، إلى إعادة فتح الحدود وإحياء العلاقات الثنائية، لكن الجانب الجزائري لم يكن يتفاعل مع تلك النداءات المتكررة.
غير أن ما زاد الطين بلة ودق آخر مسمار في نعش العلاقات بين البلدين هو الاعتراف الإسباني الجديد بمغربية الصحراء. ففي شهر مارس من هذا العام أعلنت حكومة الاشتراكيين بقيادة بيدرو شانسيز أنها تعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو موقف غيّر اتجاه الديبلوماسية الإسبانية تجاه المغرب وأحدث تحولاً في الموقف الإسباني للمرة الأولى منذ القرن التاسع عشر، علما بأن حكومة مدريد كانت من الداعمين الرئيسيين لجبهة البوليساريو منذ نشأتها. وقد صدم هذا الموقف الجديد كلا من الجزائر والبوليساريو، وخلق أزمة ديبلوماسية بين مدريد والجزائر.
ولا يبدو في الأفق أي ضوء يشير إلى إمكانية تحسن العلاقات في الآجال المقبلة، خصوصا وأن موضوع الصحراء خرج من أطروحته التقليدية القديمة التي كانت سائدة منذ قرار وقف إطلاق النار عام 1991، هي أطروحة الاستفتاء، بعد أن فشل الطرفان، المغرب واليوليساريو، في الاتفاق على إحصاء السكان المسموح لهم بالمشاركة فيه. ومنذ العام 2007 أصبح النزاع خاضعاً لأطروحة جديدة هي “الحكم الذاتي” الذي اقترحه المغرب كحل نهائي، وهي أطروحة تتبنى حل النزاع في إطار السيادة المغربية؛ وخلال العقد الماضي تمكن المغرب من الحصول على تأييد دولي واسع لخيار الحكم الذاتي، بيد أن الجزائر والبوليساريو لا يزالان يرفضان هذه الأطروحة.
وينظر الكثير من المراقبين إلى الزيارة المتوقع أن يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، نهاية شهر أغسطس الجاري، باعتبارها فرصة لحلحلة العلاقات بين البلدين والقيام بوساطة تنهي الخلاف بينهما. ففي دوائر القصر الإليزي يتسرب أن ماكرون سيدعو إلى قمة ثنائية بين المغرب والجزائر، ربما تشرك إسبانيا، بوصفها المحتل السابق للصحراء. بيد أن الرهان على باريس يظل محدودا، بالنظر إلى تراجع النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة لصالحين فاعلين جدد كالولايات المتحدة الأمريكية.
ملاحظة: لايتحمل المركز أي مسؤولية عن آراء الباحثين و لايصادر مواقفهم