ثلاثة شعوب خليجية في قائمة أكثر المجتمعات النموذجية في العالم

قائمة أفضل عشر مجتمعات نموذجية في العالم أحداث مهمة

9 ديسمبر، 2022


–         الاماراتيون والقطريون والكويتيون ضمن أكثر المجتمعات النموذجية عالمياً

–         سكان سان مارينو أفضل مجتمع نموذجي في العالم

ادارة الأبحاث

 (MenaCC)

9 ديسمبر 2022

الملخص: حلّت ثلاثة شعوب خليجية ضمن قائمة أكثر المجتمعات النموذجية في العالم لعام 2022. حيث جاء الاماراتيون والقطريون والكويتيون على التوالي ضمن قائمة أكثر عشرة شعوب محققة لتطور سريع خلال عقدين ينسجم مع الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة والأهداف المرتبطة بالتنمية المستدامة بحلول 2030.

وفي حين تصدر سكان سان مارينو قائمة المجتمعات النموذجية في العالم، تصدر الاماراتيون عربيا التصنيف بفضل الاستثمارات الضخمة في خدمات مرتبطة مباشرة بسعادة المواطنين حيث خصصت وزارة للسعادة، في حين حل القطريون في المرتبة الثانية عربيا بفضل الاستثمارات الكبيرة أيضا المنجزة والهادفة بشكل مباشر لتنمية جودة حياة المواطن وأجيال الغد، في حين جاء الكويتيون في المرتبة الثالثة عربيا بفضل التوجه الحكومي لاستمرار دعم رفاه المواطن ودفاع مجلس الأمة عن هذا التوجه على حساب إصلاحات أخرى.

وعلاوة على اعتماد مؤشرات مختلفة، ركز التصنيف على دراسة مؤشر رئيسي يتمثل في نسبة استثمار الحكومات في رفاه وسعادة الفرد مع تقييم درجة الاستفادة المباشرة للمواطن من ذلك. كما اعتمد التصنيف على دراسة المؤشرات على المدى القريب فقط.

والى غاية نهاية العقد الجاري تعتبر الشعوب الخليجية عموماً بما في ذلك السعوديون والعمانيون والبحرينيون ضمن الشعوب المستقرة مع تفاوت، وذلك على مستوى مقومات أمان وجودة الحياة. ويستند هذا التوقع لاستمرار الحكومات الخليجية اعتماد استراتيجيات الدعم الحكومي للفرد وللتنمية المستدامة بشكل مباشر وغير مباشر.

وتطابق مثال المجتمع النموذجي تقريبا على المجتمعات ذات الكثافة السكانية المحدودة والأقل تسجيلاً لاختلافات وفروقات عرقية، والأكثر دخلاً ورفاهية بالمقارنة مع الموارد والخدمات المتوفرة، والأكثر تبنيا لثقافة التعايش والتسامح، والأقل مواجهة لتوترات اجتماعية أو تهديدات أمنية واقتصادية محدقة. لكن تبقى تهديدات مناخية وأخرى مرتبطة بمحدودية النمو الديمغرافي قد تمثل تحديات جدية مستقبلية لمثل هذه المجتمعات خاصة الخليجية.

وعرّف تصنيف مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) المجتمعات النموذجية بتلك التي تحظى بمستويات عالية من السلم الاجتماعي والاندماج المجتمعي والرفاه والتمكين الاقتصادي. كما برز مؤشر ممارسة الحقوق والحريات بين المعايير المعتمدة في التصنيف. كما يمكن تعريف الشعوب النموذجية بتلك تستفيد بدرجة قصوى وفي وزمن وجيز من أي تدخل حكومي بقصد تحسين جودة حياة الفرد. بالإضافة لاحتساب مؤشر درجة التحول الى المجتمعات الرقمية.

واهتم التقرير الذي ينشر في ملخص مقتضب بتصنيف أكثر عشرة شعوب في العالم لا تواجه تهديدات محدقة وتعيش داخل مجتمعات مستقرة ومترابطة وقابلة للتطور النموذجي مع الحفاظ على مستوى عال من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للفرد على المدى القريب.

تم اختيار الشعوب العشرة على أساس مقومات الاستقرار وجودة الحياة بعد تداعيات جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. من بين هذه المقومات تمت دراسة (الرفاه الاقتصادي والاندماج الاجتماعي للفرد وتوافر مصادر الثروة والدخل والدعم الحكومي).

قادت بعض الاستنتاجات الى رصد انعدام نسب الفقر والبطالة في بعض المجتمعات النموذجية المصنفة، في المقابل تعزز الدعم الحكومي لجميع فئات المجتمع خاصة الهشة وتم ملاحظة ذلك خاصة في المجتمعات الخليجية. كما لا تواجه الشعوب المصنفة مخاطر محدقة على المدى القريب وخاصة على مستوى الوصول الى موارد الحياة الأساسية أو مواجهة مخاطر الجوع على المديين القصير والمتوسط. وهو ما يقود لملاحظة تحسن مؤشرات التنمية البشرية مع تفاوت بين الدول كل حسب أولوياتها.

وقد قطعت الامارات وقطر أشواطاً مهمة في تعزيز مؤشرات التنمية البشرية وتحسين جودة حياة الفرد. وكذلك الكويت لكن بدرجة أقل، في حين يراهن كل من مجلس الوزراء والبرلمان الكويتي على تحقيق قفزة في هدف النهوض بمقومات حياة الرفاه وتحقيق مشاريع التنمية المستدامة بالنسبة للأجيال الحالية وأجيال المستقبل مع الالتزام النيابي بالدفاع عن استمرار الدعم الحكومي والامتيازات الممنوحة للمواطن، وذلك رغم تحديات تأخر انجاز الإصلاح الهادف لترسيخ مسار تنويع إيرادات الحكومة غير النفطية والتردد في التحول لمفهوم الدولة غير الريعية القائمة على الضريبة.

وضمن التصنيف العام، حلّ مجتمع سان مارينو كأكثر مجتمعات العالم النموذجية من خلال تماسك مجتمعه وتحسن مستمر لجودة حياة الفرد. صدارة القائمة كانت بفضل الامتيازات الكثيرة التي ينعم بها المواطنون في هذه الدولة الصغيرة خاصة على مستوى البيئة ودخل الفرد والاندماج وخدمات الرفاه والاستجابة لمعايير مجتمع المعرفة علاوة على التسهيلات المقدمة للفرد على مستوى التعليم والصحة والعمل والزواج والاندماج والاقامة. حيث تعتبر هذه الدولة من أصغر الدول الأوروبية وهي تقع على هضبة جبلية بجوار إيطاليا والفاتيكان. ولا يتعدى حجمها الديمغرافي 34 ألف ساكن على رقعة جغرافية تبلغ نحو 61 ألف كم مربع. كما ساعدت جهود حكومة سان مارينو في تحسين سجلها في الحريات والحقوق الانسان من تعزز جودة حياة الفرد.

أما بقية المراتب، فقد تقاربت بقية الدول مع تفاوت طفيف في مؤشرات مختلفة. وضمّت قائمة أفضل المجتمعات النموذجية كل من شعوب سان مارينو وليكسمبورغ، ماكاو، سلطنة بروناي وليختنشتاين، سويسرا، وسنغافورة، الامارات، قطر، والكويت.

وفي حين تختلف بعض هذه الدول المصنفة في بعض المؤشرات المحدودة كمكتسبات وممارسة الحقوق والحريات وجودة خدمات التعليم والصحة، وهو مؤشر مهم في التصنيف، الا أنها تشترك في مؤشرات كثيرة أبرزها نسب البطالة والفقر المحدودة والمعدومة في بعضها، فضلاً عن مؤشرات دخل الفرد المرتفع، ونسب الحجم الديمغرافي المحدود للسكان الأصليين بالإضافة الى كون مجتمعاتها لا يوجد فيها اختلافات أو فروقات عرقية أو لغوية أو دينية كثيرة من شأنها أن تؤثر على الانسجام بين أفراد المجتمع.

ومع ذلك، هناك بعض النقاط التي لا تشترك فيها جل الدول المصنفة والمتمثلة خاصة في حجم منح امتيازات الدعم الحكومي والعفو الضريبي التي تتمتع بها بعض الشعوب خاصة الخليجية، والتي تستثمر في تحسين بيئة حياة مواطنيها حاضرا ومستقبلاً، رغم التحديات الضخمة المتعلقة خاصة بالبيئة والوضع الجيو-سياسي غير المستقر في منطقة الشرق الأوسط.

وبالإضافة لهذه الدول العشرة برزت كل من النرويج وهونكونغ وايرلندا وبرمودا وأيسلندا والسعودية بين الدول الصاعدة على مستوى تحسن مؤشرات جودة حياة الفرد وتماسك المجتمع وتقلص التهديدات وحجم استثمار الدول في رفاه الفرد. واعتبرت هذه الشعوب محظوظة بفضل خطط التنمية المستقبلية وملامسة الفرد لسياسات الحكومات التنموية.

خصوصية التصنيف

القائمة التي صدرت ضمت الدول الغنية بالموارد والتي لا تعاني عجزا ماليا محدقا أو تراكماً للديون والأقل عرضة للتحديات والمخاطر الاقتصادية والاجتماعية وخاصة تلك التي أنجزت قفزة في مسار تحقيق الأهداف الانمائية للأمم المتحدة لعام 2030 خاصة على مستوى الجهود المبذولة لتحسين مستويات التعليم والقضاء على الفقر والبطالة وتحقيق الرفاه للفرد وتمكينه من بيئة متطورة تمكنه من الابتكار والابداع. كما احتسب التصنيف مستويات جودة البنية التحتية الرقمية ومدى وصول الفرد لخدمات لأنترنت ومعدل امتلاكك الحاسوب أو الهاتف الذكي.

وتم استثناء دول غنية ومتقدمة من التصنيف بسبب مواجهتها لمشكلات اجتماعية كبرى تهدد استقرار مجتمعاتها أبرزها التفكك الأسري أو العنف أو التهرم السكاني.

وبالنظر لشرط تحقيق التطور في التعليم وتحسين جودة الحياة كمتطلبات الدخول في التصنيف، تم التشديد على شرط التحضر والانفتاح والتسامح والحفاظ على الخصوصية الثقافة والهوية المحلية أيضا.

ولم تستجب الا نسبة قليلة من دول العالم لمقاييس التصنيف، حيث تواجه أغلبها مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية متراكمة فلا عن مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش. وبذلك فان حتى القوى العظمى لم تستجب لجل معايير المقاييس في ظل التحديات الضخمة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها في المستقبل القريب.

ويشترط التصنيف توفر حد أقصى من الانسجام المجتمعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي في الدول المصنفة في القائمة فضلاً عن مؤشرات تعزز مستويات دخل الفرد ونسبة الأمان والمعدلات المنخفضة للجريمة علاوة على احتساب مستويات الفقر والبطالة والأمية والمساواة بين الجنسين ومستويات التمكين والمشاركة في الحياة العامة الى جانب احتساب حجم احتياطات أجيال المستقبل، وخاصة للدول التي ترصد مدخرات للإنفاق على مشاريع يستفيد منها أجيال المستقبل بهدف تأمين استدامة الموارد. ونظرا لالتزام بعض الحكومات في معالجة بعض التحديات المشتركة، لم يحتسب التصنيف مؤشر التهديدات البيئية التي باتت تواجهها أغلب دول العالم، حيث تبحث أغلب البلدان عن حلول لها، وتختلف إمكانية وضع الحلول وتطبيقها من دولة لأخرى. فالتصنيف اعتمد مؤشرات الإيجابيات والمخاطر على المدى القريب فقط.

الشعوب الخليجية المحظوظة

اعتبرت الشعوب الخليجية محظوظة بفضل توافر الموارد من عوائد النفط المرتفعة أسعاره منذ سنوات رغم التذبذب وتوجه الحكومات رغم التفاوت للاستثمار في رفع مستويات رفاه الفرد، فضلا عن الاحتياطيات التي ترصد للأجيال المستقبل والتي تعتبر ضمانة لمشاريع تحسين مقومات حياة أجيال الغد. وهو ما يعتبر من اهم مقومات الحفاظ على مستويات الرفاه للرفد. لكن تبقى تحديات مختلفة لكها اقل حدة من الدول الأخرى خاصة تلك المرتبطة بجودة البيئة ومحدودية التنوع الاقتصادي.

ولم يتم احتساب مؤشر حصة الفرد من الدخل القومي الإجمالي كمؤشر أساسي، لكنه متداخل مع مؤشرات أخرى مرتبطة بواقع الاستقرار الاجتماعي ومستويات الفقر والبطالة. وتتمتع الشعوب الخليجية الثلاثة بامتيازات كثيرة أهمها توافر خدمات التعليم والصحة فضلا عن امتيازات العفو الضريبي على دخل الأفراد، الى جانب نسب هامة من الدعم الحكومي الممنوحة مباشرة في مجالات كثيرة مرتبطة بأساسيات الحياة. بالإضافة الى النسبة العالية لحصة الفرد من الدخل المحلي الإجمالي فضلا عن تمتع أجيال المستقبل باحتياطات مالية ضخمة مودعة في صناديق ثروة سيادية. علاوة على ذلك، حسنت كل من الكويت وقطر والامارات من بيئة ممارسة الحقوق والحريات رغم بعض التحفظ والانتقادات المطالبة بإصلاحات أكبر.

وقفزت مؤشرات التعليم والتنمية البشرية في كل من قطر والامارات والسعودية والكويت بشكل لافت خلال عقدين فقط، وهو توجه لا يمكن تحقيقه بسلاسة وسرعة داخل مجتمعات ذات كثافة سكانية كبرى، حيث تعترض الحكومات في المجتمعات السكانية الكثيفة صعوبات تحديد أولويات التنمية ما ينعكس عادة على بعض الخيارات مثل جودة التعليم والصحة وشمولية انتفاع الأفراد بها، وهذا ما يعني في النهاية محدودية تأثر الفرد ايجابا بسياسات الحكومات التنموية خاصة على مستوى التعليم والعمل وملامسة المساواة في الحقوق وحجم الاستفادة من برامج الدعم الحكومي. وهذه التحديات قد تغيب داخل المجتمعات السكانية المحدودة ذات الموارد العالية مثل بعض الدول الخليجية. وفي حين تستطيع حكومات هذه الشعوب تحسين جودة حياة مواطنيها في زمن وجيز، تعجز أكثر من 80 في مئة من دول العالم عن ذلك في ظل التحديات المستجدة وزيادة الطلب على الخدمات المدفوعة بالكثافة السكانية.

ويختلف تصور الحلول من دولة لأخرى فكلما كانت دولة بحجم ديمغرافي أقل ومقدرات أكبر يمكنها تطبيق الحلول وترجمتها في الواقع للوصول الى المجتمع النموذجي، وكلما كان الثقل الديمغرافي كبيرا فانه يرهق على المدى القريب مجهودات الحكومة في تحسين أفاق ازدهار الشعوب التي تواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى مخاطر مزدوجة.

عموما، المجتمعات النموذجية المصنفة تتمتع بدرجة اندماج اجتماعي عالية، مع ترابط أسري متماسك مع تفاوت، حيث تبقى ظاهرة التفكك الأسري محدودة فضلا عن ضعف معدلات نمو ظاهرة العنف والجريمة والتي تبقى متفاوتة بين هذه الدول.

بالنسبة للمجتمعات الخليجية، يمكنها ان تكون في صدارة قائمة المجتمعات النموذجية مستقبلاً، لكن في حال عززت الحكومات من حوكمة ادارتها وترشيد انفاقها وتقليص مؤشرات الفساد فيها، عندئذ، يمكنها أن تحقق معادلة (الدولة النموذجية والشعب النموذجي). فالمجتمع النموذجي يتفاعل إيجابا أكثر مع خطط التطوير والتنمية الحكومية كما صبح فعالا أكثر عند تعزز مشاركته في صنع القرار، حيث يشعر كل فرد خليجي أن له دور في تنمية مجتمع.

وأمام تطور المجتمعات الخليجية، تطفو بعض التحديات المقلقة خاصة فيما يتعلق بمدى استمرار منظومة الريع واعتماد الفرد على الدولة في تحقيق الرفاه. فالقلق يتزايد حول مصادر التمويل إذا تراجعت بشكل كبير ايرادات الطاقة بفعل توقع انخفاض مستقبلي لأسعار النفط. المخاوف في بعض الدول خاصة كالكويت تزيد كلما تقلبت أسواق النفط، حيث يسود قلق من تداعيات تراجع إيرادات الدولة على مستويات الرفاه والاستقرار.

 

2022 ©  مركز الشرق الأوسط للاستشارات الاستراتيجية والسياسية MenaCC