مقال رأي
كتب الباحث السعودي: عبد الكريم مهدي رشيد مهنا
الملخص: تسعى إسرائيل وخاصة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الى التوصل لاتفاق مع السعودية لتطبيع العلاقات. اتفاق قد يكون الأضخم في العصر الحديث لما قد يحمله من تداعيات كبرى على مستقبل شعوب المنطقة. الا ان تحقق هذا الاتفاق يبدو بعيد المنال رغم تحديد الإدارة الأمريكية نهاية هذا العام كموعد محتمل لحدوث تطور في مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية في مقدمتها السعودية.
المملكة حددت شروطا لعل أبرزها حل القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس، وضمان نقل تكنولوجيا فائقة التطور للسعودية خاصة في مجال الدفاع والقطاع النووي من أجل بناء قوة ردع ضخمة توازي أو تفوق القوة الإسرائيلية.
ويمكن القول إن مسار التطبيع قد يكون معقدا جداً، وذلك بسبب رفض كافة الأطراف التنازل عن مطالبهم، حيث لا ترغب إسرائيل بالتنازل عن مطالبها، ولا ترغب السعودية كذلك، كما لا ترغب أمريكا الوسيط في عملية السلام التي تنشدها الحكومة العبرية التنازل أيضاً. حيث ترفض نقل تكنولوجيات نووية للسعودية كما يرفض المتشددون في الحكومة الإسرائيلية الشروط السعودية، في حين تتمسك المملكة بقوة بشروطها. وان لم تتحقق فهي ماضية في مسار بناء قوتها مستقلة عن أي ضغوط دولية ومنفتحة أكثر على محور الشرق وفق منطق تحقيق مصالحها اولاُ.
المقدمة:
على مر التاريخ الحديث ومنذ (نشأة دولة اسرائيل) كانت العلاقة بين الدولة العبرية والدول العربية هي “علاقة تصارعية”، قائمة على الحروب والصراعات والاستخبارات والاغتيالات. فمنذ الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948، ومرورا بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، والنكسة العربية المشهورة بنكسة حزيران سنة 1967، مرورا لحرب أكتوبر والمسماة (استعادة العزة العربية) عام 1973، شهدت العلاقات سنوات من الشد والجذب. فتارة تعلن عملية استخباراتية وتارة أخرى يتم الكشف عن محاولة انقلاب، ومرت السنين على هذه الحال لحين ظهور معاهدة كامب ديفيد سنة 1978، التي فتحت أفقاً جديداً في التعامل مع القضية الفلسطينية وعلاقات اسرائيل مع الدول العربية.
وفي الوقت الذي وقعت فيه معاهدة كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية وبين الدولة الاسرائيلية، حصل تحول مثير في الأحداث، فبعد أن كانت العلاقة قائمة على الصراعات اتجهت أكثر إلى علاقة جديدة عنوانها (السلام) بين الدول العربية والدولة الإسرائيلية.
وبعد مبادرة مصر في عقد اتفاق مع إسرائيل، اختارت الأردن أيضا تطبيع العلاقة مع إسرائيل في سنة 1994 ثم في نفس السنة مع منظمة التحرير الفلسطينية. تطور شجع إسرائيل على طلب السلام مع الدول العربية بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات بغرض توطيد العلاقة وتثبيت أركان الدولة.
استمرت العلاقة الإسرائيلية العربية على نحو متوتر أحيانا ومعتدل أحيانا أخرى دون تسجيل تصعيد أو انفراج، وذلك حتى عام 2002 حين أعلنت المملكة العربية السعودية في ظل تأييد الجامعة العربية عن إعلان (مبادرة السلام العربية) وهي مبادرة أطلقها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تهدف للسلام في الشرق الأوسط وإلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، بيد أن إسرائيل لم توافق على هذه المبادرة وقامت بالتنصل منها.
على اثر ذلك، حدث ركود في العلاقات العربية الاسرائيلية لحين ظهور حدث مهم وهو (عملية السلام الابراهيمية) التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سنة 2020 واختارت دول عربية جديدة تطبيع العلاقات مع إسرائيل على غرار (الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة المغربية، وجمهورية السودان).
قيام هذه الدول الأربعة بعملية التطبيع الكامل مع إسرائيل كان مقابل تفاهمات وشروط ضمنت تحققها الولايات المتحدة وتهدف إلى فتح آفاق جديدة للتعاون بشأن حل سلمي للقضية الفلسطينية والعمل بالمبادرة العربية. توسع دائرة التطبيع زاد من حرص اسرائيل على القيام بحملة تطبيع أكبر تستهدف جميع الدول العربية وبالأخص المملكة العربية السعودية، حيث ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن اتفاقا مع السعودية يعني اتفاقاً مع العالم الإسلامي ككل، وذلك لرمزية المملكة ومكانتها على الصعيد العربي والإسلامي.
من الناحية السياسية والاقتصادية، تعتبر دوائر اتخاذ القرار الأميركي والاسرائيلي أن السعودية هي الدولة الأهم عربياً والقادرة على حلّ كافة المشكلات التي يمكن أن تواجه مسار التطبيع مع كافة الدول العربية. وعليه حاولت الحكومة العبرية جاهدة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتسريع وتيرة التفاوض والتفاهم مع السعودية والجلوس على الطاولة للقيام بمحاولة لتذليل العقبات أمام إمكانية تطبيع العلاقات، بينما ترفض السعودية التقدم بأي عملية تطبيع خارج شروط المبادرة العربية للسلام 2002، والتي تقتضي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتوقف عن المضايقات الاسرائيلية لقاصدي بيت المقدس.
ما بعد اتفاق سلام ابراهيم
لازال القول سارياً بأن اتفاقيات إبراهيم للسلام لم تحقق السلام المنشود لإسرائيل، وذلك لاصطدام مسار التطبيع بعد اتفاقيات ابراهيم 2020 برفض من دول عربية أهمها السعودية التي تصرّ على عدم الانخراط في أي عملية سلام الا بتنفيذ بنود المبادرة العربية لعام 2002، والتي تعتبرها اسرائيل ورقة ضغط من شأنها أن تزعزع شعبية الحكومة الاسرائيلية في الداخل وخاصة لدى الجماعات اليهودية المتطرفة في حال وافقت على المبادرة العربية.
لم تيأس إسرائيل من محاولة اقناع المسؤولين السعوديين بأهمية حدوث أي اتفاق وحاولت مرارا على مدار ثلاث سنوات ماضية أن تجعل المملكة العربية السعودية تجلس على طاولة الحوار حتى تحقق أهدافها وتبتعد عن ورقة المبادرة العربية، بيد أن المملكة لاتزال ترفض القيام بأي عملية حوار قبل تحقيق الأهداف المطلوبة.
كما حصل تطور لم يكن بالحسبان بالنسبة لإسرائيل ولم تعر لتداعياته اهتماماً، ألا وهو وصول جوزيف بايدن إلى الرئاسة الأمريكية في سنة 2021 بدل الرئيس السابق دونالد ترامب عراب اتفاق إبراهيم. وصول بايدن عقد عملية التأثير على السعودية من أجل اقناعها بأهمية توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. حيث أعطى وعداً انتخابيا بـ(جعل السعودية دولة منبوذة) وأنه لن يتحدث مع المملكة العربية السعودية طوال فترة رئاسته وأنه لن يتكلم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واستمرت سنة 2021 بهذا النسق الذي ولد تصاعد التوتر في العلاقة الأمريكية السعودية، الأمر الذي أفقد إسرائيل ميزة أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية حليفها في المفاوضات مع المملكة وبقية الدول العربية لتيسير مسار التطبيع.
وفي غياب دور محور أمريكي، حاولت إسرائيل القيام بملئ هذا الفراغ من خلال الدول العربية القريبة من السعودية بغرض أن تكون وسيطا بينها وبين إسرائيل، بيد أن هذا الأمر لم ينجح ومن ثم أصبح هذا المسعى في ركود.
لاحقاً حدث ما كان مفاجئا وهو: قيام روسيا بغزو أوكرانيا، حيث أن العقوبات الغربية المتخذة بشأن روسيا بهدف تدمير اقتصادها لم تنجح وذلك بفضل اعتماد روسيا على قطاعي النفط والغاز في استمرار استقرار اقتصادها، الأمر الذي جعل أمريكا تبحث عن آلية تلو الأخرى لإيذاء الاقتصاد الروسي وإيذاء قطاع الطاقة، بيد أن كل المحاولات للقيام بهذا الأمر فشلت، وعليه رأت الولايات المتحدة والتي رأت أن الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي متجه نحو التضخم والكساد، رأت أنه لابد من القيام بخطوة تدعم قوة الاقتصاد العالمي وتؤثر في قطاع الطاقة على روسيا وعلى العالم، وعليه كان لابد من القيام بالمصالحة مع السعودية ونبذ بايدن لوعده الانتخابي الذي فشل سريعاً لتظهر رغبة ملحة لتصحيح الأمور مع المملكة.
وبالضبط حصل ما كان مرجوا، فقد اجتمعت أمريكا مع الرياض في قمة جدة سنة 2022، وذلك لحل الخلاف السعودي الأمريكي، كما حصل قبلها حادث حرك عملية التطبيع الاسرائيلية، حيث قام بايدن بزيارة اسرائيل قبل التوجه إلى السعودية وأعلن من هناك أنه سيتوجه إلى المملكة مباشرة للتفاوض بشأن عملية التطبيع الإسرائيلية السعودية، وتوجه الى السعودية وتم العمل على تسويات لحلّ الخلاف، بينما لم يرشح أي جديد بخصوص عملية السلام مع السعودية لحين وصول حدث آخر ألا وهو (عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء في إسرائيل سنة 2022)، حيث عاد نتنياهو بحكومة هي الأشد تطرفاً في إسرائيل، ونتنياهو هو أحد أبرز المفاوضين في عملية السلام الإبراهيمية وهو من وقّع على اتفاق السلام الإبراهيمي مع الدول العربية بصفته رئيسا للوزراء في ذلك الوقت. ومع عودته لرئاسة الحكومة العبرية، أعلن منذ أن هدف هذه الحكومة الأساسي هو القيام بالتطبيع مع السعودية والعمل على ذلك بأسرع وقت ممكن، بينما اصطدمت طموحاته بالعلاقة السيئة بينه وبين الرئيس الأمريكي بايدن، الذي يختلف مع نتنياهو في الكثير من القرارات. فمنذ وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تحرّك بشكل قوي لمحاولة القيام بالتطبيع مع السعودية واستمر هذا الأمر لنهاية العام الماضي وبداية العام الجاري.
ومنذ بداية هذا العام تحرك الأمر بشكل متسارع، حيث كشفت وكالات إخبارية أن الولايات المتحدة تبدو مستعدة للتوسط في سبيل الوصول إلى حل شامل للتطبيع بين السعودية وبين إسرائيل، حيث أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد جيك سوليفان في مؤتمر للتعاون الاسرائيلي الأمريكي في شهر أبريل 2023 أن الإدارة الأمريكية تعتبر عملية التطبيع هذه أحد أولوياتها حالياً وهدف للأمن القومي الأمريكي، وأنه سيتوجه للسعودية لمحاولة تقريب وجهات النظر بشأن هذا الأمر ومحاولة حل الخلافات والأمور العالقة بين البلدين وذلك استمرارا لعملية السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والتأكيد على قوة وعمق استمرار التواجد الأمريكي في المنطقة.
مطالب الأطراف بشأن عملية التطبيع
حسب تقارير إخبارية فان أي اتفاق للتطبيع من شأنه أن يتضمن شروطاً بين الأطراف الثلاثة (السعودية وإسرائيل والوسيط الأمريكي). حسب ما أوضحت تقارير صحفية أمريكية فأن اسرائيل اشترطت أن يحصل اتفاق حول تطبيع كامل من طرف السعودية مع حثها لبقية الدول العربية والاسلامية بجدوى اتفاقيات السلام مع إسرائيل. التطبيع المرجو يهدف أيضا الى إعلان عن تعاون اقتصادي استخباراتي عسكري في كافة المجالات، والسماح لليهود والمسلمين الإسرائيليين بزيارة كافة المواقع في المملكة مع منح الحرية لشركات الطيران الإسرائيلية بالطيران في كافة أجواء المملكة. في الوقت نفسه قد ترغب الولايات المتحدة (وسيط السلام) بضمانات من الطرفين بالالتزام بعملية التطبيع مع الحصول على ضمان من المملكة العربية السعودية بعدم التوجه بشكل كامل نحو المعسكر الشرقي الصيني-الروسي. كما قد تطلب أميركا من الطرفين (السعودية وإسرائيل) بالدخول في حلف مشترك لمواجهة التحديات في المنطقة بالإشارة الى إيران وردع قيامها بزعزعة استقرار الشرق الأوسط ووقف عملياتها التخريبية في المنطقة العربية.
في مقابل كل ذلك، يمكن تلخيص المطالب السعودية في قسمين: قسم مخصص لإسرائيل، وقسم مخصص لأمريكا. فبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” وموقع “آكسيوس” الاستخباراتي، وجريدة “تايمز أوف إسرائيل” في شهر مارس وأبريل من عام 2023، فقد طلبت السعودية من الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة مطالب رئيسية مقابل الجلوس في حوار مباشر مع إسرائيل وهي (أولاً: دخول الولايات المتحدة الأمريكية في عملية مشتركة مع المملكة العربية السعودية بخصوص البرنامج النووي السعودي، حيث طلبت السعودية من أمريكا تعاوناً كاملاً في نقل وبناء وتوطين الخبرة الأمريكية في البرنامج النووي السعودي السلمي، وأن تتم عملية تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي السعودية.
وثانياً: التوقيع على آلية دفاع مشترك أمريكي سعودي ملزمة لأمريكا ضد التهديدات الموجودة والمحتملة والمستقبلية في المنطقة، حيث يتم التوقيع بين الطرفين على آلية موحدة وجديدة وشاملة للدفاع المشترك بين السعودية وأمريكا وبموافقة الكونغرس الأمريكي.
وثالثاً: الموافقة على استئناف عمليات شراء ونقل خبرات وتوطين الأسلحة المتطورة والتي اما أوقفها الكونغرس أو أوقفتها الإدارة الأمريكية، كما يتم نقل الأسلحة والمعدات المتطورة بحيث يصبح كل ما هو موجود لدى إسرائيل وقادرة على استخدامه من معدات متطورة يكون لدى المملكة مثل هذه المعدات، (بمعنى أي شيء متطور تحصل عليه إسرائيل تحصل عليه المملكة بالمثل، ولا يتم إعطائها معدات أقل جودة مما هو موجود لدى إسرائيل، بل ويتم توطين صناعة هذه المعدات في السعودية ونقل خبرات الصانعين والموظفين في هذا المجال للعمل في المملكة العربية السعودية).
كما اشترطت السعودية على إسرائيل من خلال الوسيط الأمريكي والعربي أنه لا حلّ للقضية ولا سلام ولا تطبيع مع إسرائيل، إلا مع حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وذلك يتمثل بالمبادرة العربية للسلام وإقامة دولة فلسطينية معترف بحدودها دوليا قبل العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعدم الاستمرار بعمليات الحفر التي تحصل أسفل المسجد الأقصى وعدم الاستمرار في مضايقة الفلسطينيين، وتأسيس قوة للشرطة الفلسطينية وجيش فلسطيني نظامي يشرف على المقدسات الدينية ويشرف على بناء الدولة الفلسطينية وحمايتها.
كل هذه المطالب السعودية قد توضع على الطاولة في مقابل ما ستحصل عليه إسرائيل من الدول العربية بشكل عام ومن السعودية بشكل خاص، وهو الاعتراف بالدولة الإسرائيلية وإعلان التطبيع التام معها وتبادل العلاقات التجارية والأمنية وغيرها من العلاقات.
المكاسب التي سيحصل عليها الأطراف من التطبيع
لا يخفى على الجميع أن التطبيع سيكون ذو فائدة لجميع الأطراف، فالمكاسب التي ستحصل هي للجميع تقريباً، ولا تكون هنالك خسارة تذكر في هذا الأمر. فإسرائيل قد تحصل على عملية اعتراف عربي إسلامي بوجودها وهذا سيمنح شرعية للدولة العبرية وتأكيد وجودها في المنطقة، كما ستحصل على عمليات تبادل اقتصادية ضخمة، وذلك يتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وبالأخص السعودية مع إسرائيل، كما قد تنضم إسرائيل في قوة عسكرية موحدة في منطقة الشرق الأوسط، مما يضمن لها الجانب الأمني، وأيضا دخول عمالقة الطاقة العربية في الاستثمار في قطاع الطاقة مثل أرامكو وأدنوك والغاز القطرية في إسرائيل مثل التنقيب عن النفط أو التنقيب عن الغاز، ربط الدول العربية بإسرائيل في ما يتعلق بالسياحة، حيث يتوجه الكثير من العرب للسياحة في إسرائيل أو العكس، كما قد يتم ربط إسرائيل في المشروع العربي المحتمل الذي تم سيتم الإعلان عنه وهو الربط السككي بين الدول العربية، حيث أن الموضح أن الربط السككي سيربط دول الخليج والعراق والأردن ومصر بقطارات عالية السرعة.
أما بالنسبة للسعودية فالمكاسب الكبيرة، وإن لم تكن كثيرة مثل مكاسب إسرائيل، إلا أن أهم مكسب سيتم الحصول عليه، والذي يمكن أن يكون مكسباً مثالياً في العملية كلها، هو حل القضية الفلسطينية، لما له من تأثير قوي وتأكيد على قوة وزعامة وتأثير المملكة الكبير على العالم العربي والعالم الإسلامي وقدرتها على إنهاء الصراعات الإقليمية والعالمية.
كما ستنجلي قوة تأثير السعودية في القدرة على بسط السلام والاستقرار في المنطقة وقدرتها على التأثير في هذا المجال في أي بقعة في الأرض، كما ستحصل المملكة على نقل وتوطين صناعات كبيرة أهمها: الطاقة النووية، والأسلحة المتقدمة والعديد من الصناعات المؤثرة، كما ستحصل على الاستثمارات من رجال الأعمال والشركات الإسرائيلية في المجالات المطلوبة في السعودية للاستثمار، الى جانب ذلك، من المتوقع أن يزدهر قطاع السياحة في السعودية، وذلك من شأنه أن يزيد من فرص تعزيز الاقتصاد، وأيضا أحد المكاسب التي أراها يمكن أن تستغل ألا وهي جماعات الضغط الإسرائيلية في أمريكا، حيث أن فرصة التطبيع قد تمكن المملكة من استغلال جماعات الضغط لدى إسرائيل للقيام بالتأثير على موضوع معين في أمريكا وتعزيز استخدامها في ما يصب في مصلحة المملكة العربية السعودية.
آراء المسؤولين عن عملية التطبيع
تعددت أراء المسؤولين في الدول الأطراف في عملية التطبيع، إلا أنها اتفقت جميعها على شيء واحد ألا وهو أن التطبيع مفيد لجميع الأطراف، حيث أفاد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في عدة لقاءات صحفية أن التطبيع مفيد للجميع ويصب في مصلحة المنطقة، لكن يجب معالجة وحل القضية الفلسطينية أولاً.
وأفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عدة لقاءات أن التطبيع مع السعودية هو أمر عظيم وضخم جداً، وله تأثير على العلاقات الإسرائيلية العربية، وله تأثير على فرص السلام في جميع أنحاء العالم.
كما تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن فرص التطبيع قائلاً أنها فرصة عظيمة للتأكيد على الدور الأمريكي في المنطقة والعالم بأسره، كما تحدث عن أن عملية التطبيع ستكون جزءا من وعده الانتخابي للاستمرار في الرئاسة سنة 2024، وذلك بحسب تقرير نشره موقع “آكسيوس”، وتحدث عن هذا الأمر أيضا مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل هي مصلحة أمن قومي لأمريكا ومن أولويات الرئاسة الأمريكية، وذهب الى القول نفسه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
اتجاهات مستقبلية للعملية
حسب التقرير الذي نشره “آكسيوس” في تاريخ 17 مايو 2023، فقد أعطت الإدارة الأمريكية أمرا لدفع عملية تحقيق السلام لمحاولة التوصل لاتفاق قبل نهاية السنة الحالية 2023، كما حددت موعدا أخيرا للعمل على هذه القضية لنهاية شهر أبريل من عام 2024، حيث ستحاول الإدارة الأمريكية الضغط بكل قوة على الأطراف للتنازل عن بعض الشروط المعوقة لإتمام عملية السلام المنشودة.
كما تفيد بعض التقارير الصحفية مثل تلك الصادرة من “وول ستريت جورنال” و”فايننشال تايمز” أن الإدارة الأمريكية تتواصل مع المملكة العربية السعودية من أجل تعديل بعض المطالب والشروط، حيث أوضحت أن أمريكا لن تعمل على نقل التقنيات لبرنامج نووي سلمي في السعودية أو تخصيب اليورانيوم هناك، حيث ترفض أمريكا القيام بهذا الأمر، واقترحت على السعودية بناء برنامج نووي بإشراف أمريكي فقط، على أن يتم تخصيب اليورانيوم في مكان آخر مثل أمريكا نفسها أو كازاخستان، وهذا الأمر الذي رفضته السعودية وأصرّت على بناء البرنامج بشراكة سعودية أمريكية ونقل التقنيات، كما أن الإدارة الأمريكية أوضحت للجانب السعودي أنها لن تستطيع الضغط على الكونغرس بشأن قبول صفقات الأسلحة ذات التطور العالي وهذا الذي ترفضه السعودية، ولكن المفاجأة حسب تقارير موضحة من صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن إسرائيل نفسها على استعداد من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية والكونغرس من أجل تحقيق هذه المتطلبات، كما حدد وزير الخارجية الإسرائيلي كوهين أن عملية السلام ستتطلب وقتا وقد تظهر نتائجها الجلية في نهاية السنة 2023، كما أنه تم تحديد وقت من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي يقدر بستة أشهر لنهاية شهر ديسمبر من العام الجاري من أجل إنهاء عملية السلام مع السعودية.
تقييم المواقف بين الأطراف
لا شك أن الطرف الذي يسعى جاهداً لعملية التطبيع هي إسرائيل، لما يحققه هذا المشروع لها من مكاسب هامة واستراتيجية، وعليه أرى أنها هي من تتحمل العبء الأكبر في دفع عملية السلام نحو النتيجة المطلوبة وليست السعودية، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يصرحون أن السلام في يد السعوديين وهم القادرين على التحكم في الشروط وتعديلها. لكن الحقيقة تكمن في أن من يسعى جاهدا وراء إتمام اتفاق التطبيع هي إسرائيل، وأنها على استعداد لممارسة التأثير من خلال جماعات الضغط لديها في دوائر القرار الأمريكي على تنفيذ الشروط السعودية.
في الجانب الآخر، السعودية أوضحت مطالبها، وأوضحت شروطها بشكل علني وكامل، ومن يرغب بإتمام العملية عليه تحقيق هذه الشروط حتى تتم عملية التطبيع وعملية السلام بشكل كامل، وأوضحت أن الخطة متاحة للحوار وأنها على استعداد للتعاون فيما يحقق مصالحها وشروطها.
الاستنتاج:
يمكن القول أن مسار التطبيع قد يكون معقدا جدا، وذلك بسبب رفض كافة الأطراف التنازل عن مطالبهم، حيث أنه لا ترغب إسرائيل بالتنازل عن مطالبها، ولا ترغب السعودية كذلك بالتنازل عن مطالبها، ولا ترغب أمريكا الوسيط بالتنازل أيضاً.
وما يعقد المسألة أيضاً وجود أكثر حكومة متطرفة في إسرائيل، حيث أن النافذين في هذه الحكومة غير مستعدين للتنازل إطلاقاً عن الشروط، بل وحتى بعض المسؤولين يرفضون فكرة التطبيع، لكن رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي هم المتحمسين بشكل كبير للقيام بالعملية.
أرى أن العملية برمتها بعيدة التحقق بسبب تباعد وجهات نظر الأطراف المعنية، وبسبب عدم وجود المرونة في الجانب الأمريكي، حيث أن الأمريكيين هم من يضمنون تنفيذ المطالب السعودية من أجل الجلوس على طاولة الحوار مع الإسرائيليين. ومع أن التطبيع هو هدف للأمن القومي الأمريكي على حد تعبير المسؤولين الأمريكيين، إلا أنهم في الواقع لا يبذلون جهداً كبيراً للتعامل مع الشروط الموضوعة. لكن قد يتغير الأمر في المستقبل، وقد توافق أمريكا على الشروط، ولكن حالياً لاتزال الأمور ضبابية وغير واضحة في الواقع.
ملاحظة: المقال يعبر عن موقفه كاتبه ولا يتحمل المركز أي مسؤولية
الباحث السعودي: عبد الكريم مهدي رشيد مهنا
جامعة الملك سعود، كلية الحقوق والعلوم السياسية
karooom684@gmail.com