بقلم د. فهد الشليمي، رئيس المركز
مهما كانت مآلات الخلافات الحدودية بين الكويت والعراق خاصة البحرية، ليست هناك أي حاجة للجوء الكويت الى الدعم الأميركي لحماية حدودها نظرا لتمسك الحكومتين الكويتية والعراقية بمبدأ حسن الجوار والتفاهم، رغم تعمد ايران تأجيج فرص التوتر بين العراق وجيرانه. الا أن واقع العلاقات مع العراق، لا يمثل أي تهديد قائم على الكويت.
وعلى الأرجح أن مسألة ترسيم الحدود بين الكويت والعراق سواء البرية أو البحرية رغم التحديات المطروحة لن تصاحبها مخاطر محدقة قد تهدد مسار تحسن العلاقات بين البلدين. في ظل ارادة قوية لقيادات الكويت والعراق بالتمسك بحسن الجوار والحوار وتغليب الحلول الديبلوماسية وطرق التفاوض لما يخدم صالح الشعبين وفق ما تنص عليه التوافقات والقرارات الدولية.
وعكس ما يتم الترويج له، فان العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الكويت والعراق مستقرة وتنمو منذ سنوات مع تعزز عامل الثقة. أما الضجة الإعلامية المروجة لخلاف عراقي كويتي في الآونة الأخيرة فتأتي تحت تأثير ضغط فئات شعبية محدودة وتكسب سياسي وتدخل إقليمي.
بعض النواب الطائفيين العراقيين يسعون للتكسب السياسي من خلال خطابات شعبوية لإثارة الخلافات الحدودية التي حسمت أغلبها بقرارات دولية. لكن لا يمكن انكار وجود دور خفي لإيران في تأجيج مثل هذه الخلافات حيث هي المستفيد الأكبر من تصعيد التوتر بين العراق وجيرانه.
في هذا الصدد، من المستبعد أن مسألة ترسيم الحدود قد تثير خلافاً بين البلدين لا حاضراً ولا مستقبلاً لطالما تمسك العراق بتنفيذ التزاماته الدولية. فرغم الضجة المثارة حول ترسيم الحدود البرية وما سيترتب عليها من إزالة لمنازل عراقية، هناك توافق قوي ومستمر بين الحكومات العراقية والكويتية طيلة السنوات الماضية على الالتزام بتنفيذ قرار عدد 833 بترسيم الحدود الدولية الصادر عن مجلس الأمن عام 1993. القرار ملزم للطرفين وحسم بشكل نهائي ترسيم الحدود البرية، وترسيم الحدود البحرية الى حد علامة 162 الواقعة في منطقة خور عبد الله، في حين يبقى التفاوض مفتوحاً حول ما بعد هذه العلامة بالنظر الى وجود بعض الخلافات الاقليمية يمكن تجاوزها.
بالنسبة لملف الترسيم البري، لم تأخذ الكويت سنتيمترا واحدا من الأراضي العراقية، وهي ملتزمة بتنفيذ قرار عدد 833. العراق كذلك. ومن المرجح أن يتم تنفيذ القرار عقب الانتخابات النيابية العراقية وذلك بهدف امتصاص التوتر المفتعل. وعلى إثر ذلك، يجدر التوضيح أنه لا وجود لمزاعم بيع العراق لأراض للكويت كما أكد ذلك بيان الخارجية العراقية عقب الجدل المفتعل والاحتجاجات المدفوعة بخطابات عدد من نواب البصرة.
هذه المزاعم التي تم اثارتها هي فقط للتكسب الانتخابي. حيث أن بعض نواب البصرة أثاروا هذه القضية بعد تصريحات وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، الذي قام بزيارة لبغداد، متحدثاً عن وعود عراقية بشأن إزالة منازل عراقيين في أم قصر الحدودية، وتسليم مناطقها إلى الكويت، وإسكان سكانها في مجمع سكني جديد خُصص لها بعيداً من الخط الحدودي. حيث مثلت هذه المنازل التي بنيت منذ الستينات عوائق صناعية أمام العلامات الحدودية البرية، وتم تعويض أصحابها بملغ 82 مليون دولار لبناء مجمع سكني راق.
حسب قرار مجلس الأمن عدد 833، فان العلامات الحدودية القريبة من هذه المنازل في منطقة أم قصر، تقضي بوجود منطقة حرم حدودي فاصلة بنحو 500 متر على أراضي كلا الطرفين (الكويت والعراق). بحيث يكون حارس الحد العراقي يستطيع مشاهدة حارس الحد الكويتي بدون عوائق طبيعية. وبذلك فان هذه المنازل شكلت عوائق صناعية تم التوافق على ازالتها والحكومات العراقية متعاونة في ذلك. واعتقد أن تنفيذ القرار بالإزالة قد يكون بعد الانتخابات العراقية مباشرة.
الجدل المثار حول خلاف عراقي كويتي، قضية يتم استغلالها في الداخل العراقي، قُبيل الانتخابات النيابية. فنواب البصرة الذين لم يحققوا إنجازات ملموسة خلال فترتهم النيابية، يسعون للتكسب الانتخابي عبر اثارة مثل هذه القضايا الحساسة. فالقضية الأبرز التي تطرح للتكسب السياسي في العراق هي قضية الحدود العراقية الكويتية.
فهؤلاء النواب الذي يثيرون مثل هذه المطالب الشعبوية محسوبين على مجموعات ليست متوافقة مع خط رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولا مع خط محافظ البصرة أحمد العيداني. وبالتالي فان الحكومة العراقية مطالبة بامتصاص هذه الضجة والجدل في حين أن الكويت ملتزمة بالقانون الدولي وحسن الجوار والتعاون لازدهار مصلحة الشعبين الشقيقين. وبالتالي ليس هناك أي تغيير في الحدود البرية مطلقاً، كما ان الحكومة العراقية أبدت تفهما والتزاما بقرار 833.
تأخر ترسيم الحدود البحرية الكويتية-العراقية والإيرانية قد ينذر بمخاطر على التنمية والامن القومي الكويتي
بالنسبة لترسيم الحدود البحرية، هناك بعض الخلافات على بعض النقاط الحدودية لا سيما ترسيم الحدود بعد العلامة 162. هذه العلامة تقع في منطقة خور عبد الله، وما بعد هذه العلامة هناك خلافات كثيرة حول حق استغلال الثروات الطبيعة المتوفرة بسبب عدم ترسيم الحدود. بين أبرز هذه الخلافات، يبرز النزاع حول حق استغلال حقل الدرة للغاز الذي تختلف حول ملكيته الكويت والسعودية وإيران.
بالنسبة للخلافات بين الكويت والعراق حول النقاط الحدودية ما بعد علامة 162، يجدر أن يكون هناك تفاهم وتسهيلات مقدمة من البلدين بالنظر لضيق المنطقة البحرية الفاصلة. وفي ظل ضيق ممرات الموانئ العراقية، من الممكن أن تمنح الكويت حق المرور للسفن العراقية. لكن ذلك لا ينفي وجود اعتراضات عراقية حول بعض النقط الحدودية البحرية. فهناك بعض الخلافات التقنية حول اعتماد بعض العلامات الحدودية الطبيعية.
وأعتقد أي تأخير لترسيم الحدود فيما بعد العلامة 162 سيزيد من توتر العلاقات المستقبلية، حيث سيكون موضوع استثمار سياسي لبعض الأطراف لتوتير العلاقات بين البدين. وبذلك، فقبل التوصل الى اتفاق نهائي يفضي لترسيم نهائي للحدود البحرية، قد تبقى علاقات الكويت مع العراق وايران عرضة لتجدد الخلافات. ويجدر القول إن تأخير ترسيم الحدود البحرية يمثل أيضا خسارة للكويتيين والعراقيين على حد سواء.
لكن يجدر التأكيد على أن تأخير حسم الحدود البحرية للكويت في منطقة ما بعد 162 لا يثير دوافعاً للتوتر المستقبلي مع العراق فحسب، بل قد يشكل دافعاً لتوتر العلاقات مع إيران خاصة حول حقل الدرة للغاز.
ففي حين تحتاج الكويت للاستفادة من ثروات الغاز الطبيعي الواقعة في مناطقها البحرية، تصطدم بمعارضة إيران لحق استغلال الكويت لثرواتها بدعوى عدم استكمال ترسيم الحدود البحرية الإقليمية بين كل من ايران و الكويت والسعودية. ظلت طهران تطالب بحقها المزعوم في استغلال حقل الدرة بشكل مشترك مع كل من السعودية والكويت، في حين تتمسك الدولتان بأنهما تملكان وحدهما حق استغلال الثروات الطبيعية في المنطقة المقسومة، بما فيها “حقل الدرة” للغاز. وكانت الكويت والسعودية دعت في 2020 إيران للتفاوض من أجل ترسيم الحدود، بحيث تكونان طرفا تفاوضيا واحدا، بينما يكون الجانب الإيراني طرفا ثانيا. وهو ما رفضته طهران. ويمثل هذا الرفض سبب للتوتر الذي قد يتطور لاحقا بتطور الأحداث.