بقلم الخبير الاستراتيجي ورئيس المركز، د. فهد الشليمي
يمكن القول أن مجموعة بريكس الصاعدة تقوي البلدان العربية لا تضعفها، لكن قد يتم استبعاد الدول الصغيرة من العضوية بسبب أجندة ورؤية الأعضاء المؤسسين. وبالنهاية فان الصين أكبر مستفيد لأنها لاعب صامت يستفيد من كل التحالفات ومن كل النزاعات. دول الخليج كالسعودية والامارات ودول عربية أخرى كمصر قد تستفيد بشكل كبير من انضمامها لهذا التحالف الدولي الناشئ الجديد الذي سيمثل ثقلا اقتصاديا موازن للغرب.
قبل مناقشة شروط الانضمام، يتعين على الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” أن تتفق أولا على فكرة التوسع في ذاتها، إذ إن الصين والهند، أقوى اقتصادين في الكتلة، منقسمتان بشأن هذه المسألة. في حين تريد بكين توسيع نفوذها العالمي وتعتبر مجموعة بريكس “وسيلة فريدة” للقيام بذلك، لكن نيودلهي لديها تحفظات، إذ تتخوف من نوايا منافستها الإقليمية. من ناحية أخرى تعتبر موسكو أكثر الدول دعما لدخول أعضاء جدد، أما البرازيل فهي الأكثر ترددا.
تحت ضغط من روسيا والصين، قبلت مجموعة بريكس بعضوية 6 دول جديدة بما فيها ثلاثة دول عربية. ومع ذلك، فإن معايير انضمام الدول الجديدة إلى المجموعة تظل غامضة إلى حد ما. فالمعيار الاقتصادي قد لا يكون المعيار الوحيد، فهناك حسابات متعلقة بأولوية المصالح والتحالفات السياسية.
وكانت الصين وروسيا من أقوى المؤيدين لتوسع مجموعة بريكس، حيث يخدم مصلحة تمدد النفوذ الصيني خاصة والروسي بدرجة أقل. اذ يهم روسيا توسع النفوذ السياسي لها أكثر من النفوذ الاقتصادي الذي تطمح له الصين من خلال استكمال انجاز مشروع خط الحرير لتوسيع شبكة امدادات البضائع الصينية في العالم.
معايير قبول اعضاء جدد والقرارات المتخذة في قمم البريكس تتطلب إجماع الأعضاء الخمسة المؤسسين، لكن الوصول الى الاجماع تعوقه خلافات وصعوبات تمثل خطوط صدع تواجه استقرار واستمرار المجموعة في حال توسعها.
وفي حال استجابة الأعضاء الجدد لدعوة الانضمام التي وجهتها مجموعة البريكس في قمة جوهانسبرج، فستمثل بذلك المجموعة 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و46% من سكان العالم. ما يجعلها قوة اقتصادية وسياسية لها تأثير ضخم إذا استمر بين أعضائها الانسجام والتوافق وأقرت منظومة عمل مشتركة. على غرار التكتلات الأخرى كمجموعة السبع ومجموعة العشرين والاتحاد الأوروبي.
توجيه الدعوة للمملكة العربية السعودية والامارات أمر بديهي، حيث لم تخفي كل من الدولتين الخليجيتين في السابق اهتمامهما بالانضمام إلى فضاء بريكس الذي يبحث عن بدائل للنظام العالمي الأحادي وللهيئات العالمية التي تهيمن عليها القوى الغربية تقليدياً. وفي حال قبول المملكة والامارات الدخول في هذا الفضاء بعد توجيه الدعوة اليهما فقد يهدف البلدان المعروفان باقتصادهما القوي وموقعهما الاستراتيجي الى تنويع الايرادات غير النفطية والوصول أكثر إلى مصادر تمويل التنمية المستدامة وزيادة فرص التجارة والاستثمار وتنويع شراكاتهما الاقتصادية مع الدول حول العالم.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية فهي دولة ذات وزن نفطي ثقيل وقوة إقليمية، وتمثل دعوتها للانضمام إلى المجموعة إضافة نوعية لقوة نفوذ بريكس. انضمام المملكة الى مجموعة البريكس ينسجم أيضا مع الاستراتيجية الجيوسياسية الأوسع للمملكة العربية السعودية لتنويع تحالفاتها وموارد اقتصادها المعتمد حاليا على النفط. كما ستستفيد المملكة من عضويتها في بريكس لتعميق شراكاتها مع أعضاء المجموعة، وخاصة في قطاعات الطاقة والتجارة والبنية التحتية.
السعودية والامارات لديهما علاقات قوية مع أميركا، لكن في الوقت نفسه تبحثان عن فضاء سياسي واقتصادي آخر خارج الهيمنة الغربية، لأن الدور الأمريكي في الشرق الأوسط والخليج منذ قدوم الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض كان متخاذلاً. الآن يريد الأمريكيون العودة لتعزيز مصالحهم مع الخليجيين وباتوا يتوددون بعد أن كانوا يهددون في بداية ولاية بايدن.
على صعيد آخر، الامارات والسعودية لديها علاقات قوية مع الصين وروسيا والهند. وبالتالي فهي تبحث عن توازن في علاقتها الخارجية بين الغرب والشرق. وتضع مصالحها أولاً. في المجمل، انضمام السعودية والامارات الى نادي بريكس سيمنحها قوة مناورة ويمنحها فرصا تنافسية أكبر لتعزيز مصالحها بالابتعاد تدريجيا على الاعتماد المفرط على التحالفات مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما سيمثل رسالة ضغط خليجية على الغرب لتفهم نمو الدور السعودي والاماراتي في فضاءات أخرى لا تهيمن عليها أميركا. وهو ما يعزز علاقات الندية.
العقوبات الغربية على روسيا دفعت دول “البريكس” إلى مزيد من التقارب
العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا دفعت دول “البريكس” إلى مزيد من التقارب. فهي تخلق روابط أقوى بين هذا التحالف، والذي بدوره يمثل نوعًا من القوة المعاكسة، ومن الأقطاب المتناقضة مع السياسة الغربية. اذ يعتبر اليوم ثقل اقتصادي ناشئ موازن للغرب.
ويضم تحالف “البريكس” كل من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا. وقد عقدت مجموعة البريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى قمتها الخامسة عشرة وناقشت توسيع الكتلة وزيادة استخدام العملات المحلية وإمكانية إنشاء عملة لدول البريكس والتي قد يكون لها القدرة على تحدي هيمنة الدولار الأمريكي. الأمريكيون بدورهم على يقين أن زيادة الاهتمام بتفعيل هذه المجموعة يهدف لضرب مصالحها واضعاف قيمة الدولار كعملة عالمية.
وتركز هدف هذه المجموعة على منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60 بالمئة من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40 بالمئة من مساحة العالم حيث إنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة.
أخذت البريكس اهتماما متزايدا بعد الحرب الأوكرانية والجدل الحاصل حول اتجاهات النظام العالمي وبروز تكتلات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية أو جيو-استراتيجية. وقد أثارت الحرب في أوكرانيا وتجميد احتياطيات النقد الأجنبي الروسية في عام 2022 الكثير من النقاش حول “هيمنة” الدولار، واحتمالات تفكك الكتل الجيوسياسية، وعدم استبعاد نظرية “التخلص من الدولار”. في المقابل زاد الاهتمام بتطور بعض التجمعات الجيوسياسية مثل بريكس التي تسعى لتحدي الدور الدولي الذي يلعبه الدولار.
وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها. ففي 20 سبتمبر 2006 تم عقد أول اجتماع وزاري للمجموعة بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يذكر أن الكتلة أنشئت بأربعة أعضاء في العام 2009، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010. وخلال قمة بريكس بالبرازيل في يوليو 2014، تم الاتفاق على إنشاء بنك للتنمية. وكان مصرف التنمية الجديد الذي أنشأته مجموعة “بريكس” بهدف تقديم خيار آخر غير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قبل أعضاء جددا، هي بنغلادش والإمارات ومصر. ويفترض أن يقبل عضوية أوروغواي أيضا. وتؤيد شعوب عديدة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة، هدف مجموعة بريكس بصفتها بديلا قويا يمكن الاعتماد عليه في حلول التمويل البديل عن المؤسسات المالية التقليدية التي أصبحت أكثر تشددا في تقديم القروض والمنح.
وكانت قد انعقدت قمة بريكس نهاية أغسطس في جنوب افريقيا للنظر في توسيع المجموعة. وقد وجه تحالف بريكس الدعوة لانضمام أعضاء جدد بداية من عام 2024 وأبرزها الدول النفطية ذات الوزن الثقيل بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك إيران وإثيوبيا ومصر والأرجنتين.
وتشترك بلدان “بريكس” في بما فيها الجزائر والسعودية والأرجنتين وبنغلادش وكوبا ومصر وإثيوبيا وإيران وفيتنام. وأعربت أخرى مثل المكسيك وباكستان وتركيا عن اهتمامها بالعضوية المطالبة بتوازن اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب. لكن أهم نقاط ضعف تماسك المجموعة تتمثل أولا في أنها غير متجانسة، فالدول الخمس الأعضاء المؤسسين، الموزعة عبر أربعة قارات، لديها اقتصادات ذات نمو غير متكافئ. وكان قد طلب نحو 40 بلدا الانضمام إلى الكتلة.
الهدف من العضوية في بريكس
شروط العضوية وان لم تحدد الى اليوم الا أنه يمكن تلخيصها في معايير كحجم الناتج القومي للبلدان وعدد السكان وحجم السوق الاستهلاكية ومدى تطور البنية التحتية ومدى تنوع الاقتصاد والموقع الجيو-الاستراتيجي للدول الأعضاء.
بالنسبة لروسيا فهي تعمل على توسع جيوسياسي في العالم ردًا على عقوبات وحصار الأمريكيين والأوربيين لمصالحها. بالنظر لأهداف هذه المجموعة، يبدو أن روسيا تسعى لمواجهة أوروبا وأميركا من خلال القيام بتوازن قوى جديد يخدم مصالحها ومصالح حلفائها ضمن رؤية عالم متعدد الأقطاب. فروسيا المؤسسة لهذا التجمع تسعى لتوسيع عدد أعضائه ليبدو كتحالف دولي جيوسياسي ضخم والتطلع لزعامة تحالف معارض للغرب ويطغى النفوذ السياسي على المصالح الاقتصادية حيث لا تملك روسيا مثل الصين تجارة متنوعة لتعزيز امداداتها الى الدول العالم فهي الى اليوم ما يزال اقتصادها معولا بشكل أساسي على عائدات صناعة الاسلحة والنفط والغاز.
بالنسبة للصين فهي تبدو منافسا قويا للولايات المتحدة والهند على المستويين الاقتصادي والتجاري. وبوجود الهند والصين في هذه المجموعة فنعتقد أن هناك تحالفات متضاربة بسبب المصالح المتعارضة والتنافس بين البلدين.
فتكتل بريكس فضاء تسعى من خلاله الصين التي تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أميركا لتوسيع شبكة مصالحها التجارية والاستثمارية وتعزيز قيمة عملتها المحلية وصولا الى الاستغناء عن الدولار في المستقبل.
بالنسبة للهند فهي سوق نامية بقوة، وهو ما يبرر نمو استهلاكها المتزايد للطاقة وخاصة الغاز والنفط. وهو ما يدفعها الى تعزيز علاقتها مع روسيا أكبر مصدر للطاقة في العالم. في المقابل علاقات مضطربة مع الصين بسبب التنافس المستمر. بالنسبة لجنوب افريقيا العضو الخامس في المجموعة فهي تسعى لأن تكون الدولة الأفريقية الوحيدة المستفيدة من الفرض التي توفرها مجموعة بريكس والامتيازات المقدمة مقابل عضويتها.
على صعيد آخر، يفتح بريكس قاعدة أوسع لاستقطاب دول نامية مثل مصر وإيران باعتبارهما سوق استهلاكية كبيرة بالنظر لعدد السكان. وانضمام مصر قد يعزز استفادتها من مساعدات أعضاء بريكس ومن الأدوات المالية الجديدة المتاحة. وهو ما قد يصب في مصلحة المصريين حيث يتوقع زيادة تحسن القدرة التنافسية للسلع المصرية.