26 ابريل 2020
قسم أبحاث مركز (MenaCC)
ملخص التقرير :
المنتج السعودي أو الاماراتي قد يكون له مستقبل واعد وأكثر رواجاً في أسواق المنطقة خلال مرحلة ما بعد جائحة كورونا المستجد (covid 19). فنظرا لتسجيلهما أسرع وتيرة نمو خليجياً على مستوى الصناعات الغذائية والاستهلاكية والمنتج الزراعي، تتجه الأنظار الى الشركات السعودية والاماراتية لزيادة دعم النقص المتوقع في السلع المستوردة بسبب اضطراب مسالك التوريد جراء إجراءات الحد من تفشي فيروس كورونا.
وفي ظل استمرار الجائحة العالمية التي قلصت إجراءات الوقاية منها واردات دول مجلس التعاون الخليجي خاصة من المنتوجات الاستهلاكية والغذائية، تتعزز احتمالات على المدى القريب حسب رصد (MenaCC) لزيادة التعويل على المنتجات المحلية والخليجية المنشأ لتعويض النقص في السلع المستوردة من الأسواق الدولية، وهو ما يتيح فرص أكبر أمام الشركات والمستثمرين خاصة في الدول الصناعية الخليجية الكبرى كالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة لرفع حجم وجودة مختلف المنتوجات في ظل زيادة الطلب خاصة من دول المنطقة.
وقد تكون من بين التداعيات الإيجابية للجائحة منح أولوية أكبر لزيادة الاستثمارات في القطاع الغذائي وتفعيل سياسات رفع القدرة الإنتاجية لعدد من الشركات في عدد من السلع الحيوية والأساسية وتحسين مستوى الاكتفاء الذاتي الخليجي خاصة من المنتجات الاستهلاكية والغذائية ما يترتب عنه تقليص التبعية الكبرى للأسواق الأجنبية، وما يشجع على هذا المسار الاتفاق الخليجي الأخير حول تفعيل شبكة الامن الغذائي الخليجية.
ويمثل المشروع الذي وافقت عليه دول مجلس التعاون الخليجي الست بإنشاء شبكة موحدة لأمن إمدادات الغذاء لمجابهة الآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا المستجد على دول الخليج، فرصة أمام المستثمرين والمبادرين الخليجيين لزيادة تعزيز تمويل استثمارات في قطاع الأغذية والسلع الاستهلاكية. اذ من المرجح تسهيل الاجراءات لأجل ضمان انسياب السلع الأساسية والضرورية بين دول المجلس، ودعم توافرها في منافذ البيع.
المشروع من المرجح أن يحفز الشركات الخليجية المنتجة على زيادة حصتها التصديرية في أسواق منطقة الخليج، كما يفتح أبواب أكبر أمام المؤسسات السعودية والامارتية والتي تعتبر القيادية في قطاع انتاج السلع الاستهلاكية والغذائية في المنطقة لرفع معايير الجودة والتسويق من أجل الحفاظ على نمو حصتها السوقية في المنطقة في مرحلة ما بعد الجائحة. حيث أن تباطء واردات دول الخليج الغذائية من الأسواق الدولية قد يستمر بشكل تدريجي لأشهر مقبلة بسبب تأثيرات الإغلاق الاقتصادي على الشركات العالمية. اذ ان انتشار الفيروس التاجي الجديد مثل أزمة صحية يمكن أن تشكل خطراً جسيماً على الاقتصاد الكلي من خلال وقف أنشطة الإنتاج، وانقطاع حركة الناس وقطع مسالك التوريد[1].
ومن المتوقع أن يتسبب انتشار الفيروس في حدوث خلل في صناعة المواد الغذائية والبقالة خاصة على مستوى اضطراب انتاج وتوزيع بعض المنتجات حيث تسود حالة من الذعر حول تقلص شبكات الإمداد كما لم يحدث من قبل. وان سيتوفر لدى المستهلكين ما يكفي من الطعام حسب وفرة المخزون الاستراتيجي لكن قد لا يكون لديهم التنوع المعتاد[2]. وهو ما دفع حكومات دول كبرى على غرار الولايات المتحدة ودول أوروبية الى تشجيع ترويج صناعاتها المحلية لتعويض النقص في المنتجات المستوردة في ظل حرب تجارية عالمية قد تزيد وتيرتها باحتمالات عودة موجة أخرى للوباء في الخريف المقبل. وهو احتمال حذرت منه تقارير أمريكية وهو ما يقود لتوقع زيادة القيود المفروضة على حركة السلع في العالم، ما ينذر بملامح سياسات أكثر تشددا في التبعية للأسواق الدولية على المدى القريب. اذ من المرجح أن العالم مقبل على مرحلة قد تزيد فيها نسبة تطبيق عدد من الدول الكبرى سياسات الحمائية الاقتصادية وهو ما يعني تشجيع الإنتاج المحلي وتقليص الانفتاح على الواردات الخارجية مقابل تعزيز الصادرات.
وقد تسرع تداعيات الوباء خاصة على مستوى نقص الموارد الغذائية في دول الخليج الى تغير طفيف في أولويات تحقيق الرؤى التنموية في بعض دول المنطقة على غرار السعودية والامارات. فمن المرجح أن تدفع اضطراب مسالك التوريد الى مساعدة المملكة على سبيل المثال لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي ورفع الطاقة التصديرية وهو ما ينسجم مع رؤيتها 2030 حيث من المتوقع أن تزيد نسبة نمو الصناعات الغذائية في المملكة بوتيرة كبيرة على مدى السنوات المقبلة[3].
توقعات بزيادة تدفق الصادرات السعودية لدول الخليج
من المرجح أن تزدهر الصناعات الغذائية والإنتاج الزراعي في المملكة العربية السعودية على المدى القريب مدفوعاً بتوقع تضاعف الطلب في الأسواق الخليجية على المنتج الخليجي وهو ما قد يقلص مخاطر الاعتماد على مسالك التوريد البحرية أو الجوية غير المستقرة في ظل توقعات تسارع وتيرة الأوبئة والمخاطر الإقليمية على المدى المتوسط. وبالتالي فان تعزيز السوق الخليجية المشتركة من شأنه أن يوفر فرض استثمارية واعدة للشركات والمبادرين في السعودية على المدى القريب. وهو ما يقود حتما الى توقع زيادة وتيرة الإنتاج السعودي في مجال المنتجات الغذائية والزراعية والاستهلاكية ما سيدفع الى نمو الإمدادات الغذائية السعودية الى الأسواق الخليجية.
ويعد قطاع الصناعات الغذائية والاستهلاكية بين أهم القطاعات الواعدة في المملكة العربية السعودية في حيث من المرجح أن تنمو بمعدل كبير في المستقبل القريب مدفوعاً بزيادة الطلب المحلي والإقليمي والدولي على المنتجات الغذائية والاستهلاكية السعودية. ويستفيد القطاع أيضًا من نظام بيئي متطور يلبي المعايير العالية والطلبات المتزايدة للسوق الآخذ في التوسع.
ويستحوذ قطاع صناعة الأغذية السعودية على 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي ظل نمو الواردات الغذائية تعمل الحكومة السعودية على استبدال الواردات الغذائية ببعض المنتجات المحلية. علاوة على ذلك تتاح اليوم تسهيلات محفزة أمام المستثمرين في المملكة العربية السعودية للوصول إلى أسواق قليلة الإمداد في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحسب الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، من المتوقع أن تشهد المملكة استثمارات تبلغ قيمتها حوالي 59 مليار دولار في صناعتها الغذائية بحلول عام 2021[4].
طفرة متوقعة للمنتجات الإماراتية نحو دول الجوار
مزارع الإمارات العربية المتحدة والشركات المتخصصة في القطاعات الغذائية بشكل خاص من المتوقع أن تشهد طفرة في الانتاج في ظل عدم انتظام عمليات الاستيراد بسبب قيود الوباء. وفي الوقت الذي توقفت فيه اجراءات إغلاق الأعمال والاستثمار للحد من انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، تتطلع مشاريع الإنتاج الغذائي والزراعي في الإمارات العربية المتحدة إلى نمو كبير مع قيام السلطات بزيادة الاستثمار في مثل هذه القطاعات.
وتعتمد دول الخليج على الواردات الغذائية بنسبة 80-90 في المئة وهو ما دفعها الى إنفاق مليارات الدولارات على الاستثمارات الزراعية لسنوات خارج حدودها سعيا لتحقيق الأمن الغذائي. ولكن في الوقت الذي يهدد فيه الفيروس سريع الانتشار مسالك الإمدادات الغذائية العالمية، ويقلص من الصادرات الزراعية، يأمل المنتجون المحليون في الامارات[5] أن يكون لهم دور أكبر في المستقبل القريب لتأمين الطلب القوي من الأسواق الخليجية على السلع والمنتجات الغذائية.
ويعد قطاع الصناعات الغذائية بين أهم القطاعات الصناعية في الإمارات العربية المتحدة. وتم اختيار قطاع انتاج المأكولات والمشروبات على سبيل المثال كواحد من بين 6 مجالات حيوية في استراتيجية دبي الصناعية 2030. وتفتخر دولة الإمارات العربية المتحدة ببيئة مواتية للغاية لقطاع الصناعات الغذائية، وفقًا لمؤشر BMI Risk / Reward، حيث تحتل المرتبة الأولى في المنطقة والرابعة عالميًا في بيئة الاستثمار في الأغذية والمشروبات.
وبفضل تركيز الحكومة القوي على الزراعة، ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من عدة منتجات مثل الحليب والبيض والسكر والحلويات والمشروبات واللحوم المعبأة والخضروات المجهزة ومنتجات الألبان والحبوب والتمر والزيوت النباتية والمعكرونة والشاي المعبأ والشوكولاتة والمكسرات وغيرها[6]. وارتفعت قيمة صادرات السلع الاستهلاكية والأغذية والمشروبات الى نحو 18 مليار درهم اماراتي[7] وسجلت قفزة منذ نهاية العام الماضي بنحو 30 في المئة. وهو ما يدل على نمو قطاع الصناعات الغذائية والاستهلاكية والذي من المرجح أن يسجل طفرة أكبر في المستقبل القريب مستفيداً من تداعيات الجائحة على تآكل مخزون الأغذية في دول المنطقة.
وفي مقابل الفرص الواعدة التي دفعت اليها تداعيات الجائحة على مستوى سوق الأغذية والمأكولات والسلع الاستهلاكية، تبرز تحديات كبيرة أمام نمو الإنتاج الزراعي والغذائي في السعودية والامارات، ولعل أهمها وأكثرها الحاحاً هي تنظيم آليات التوزيع وتعزيز الجودة، فضلا عن إشكاليات استراتيجية طبيعية كالتصحر ونقص الموارد المائية ومحدودية المساحات الصالحة للزراعة. هذه التحديات تستوجب دراسة زيادة تعزيز حلول ناجعة على مستوى توفير بنى تحتية مشجعة واستصلاح الأراضي وتعزيز مصادر مائية بزيادة اعتماد تقنيات تحلية مياه البحر وتوسيع شبكة ري بهدف تحفيز الاستثمارات في قطاع الصناعات الغذائية.
ومن المرجح أن يصبح الأمن الغذائي مصدر قلق لصانعي السياسات في دول الخليج مستقبلا. اذ يستمر استيراد جز كبير من السلع الغذائية من دول أخرى لأن إنتاجها المحلي لا يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية. حيث يتم استيراد معظم الحاجة من الحبوب واللحوم الحمراء. وتبقى العوامل الرئيسية التي تحد من الإنتاج الزراعي هي محدودية الأراضي الصالحة وشح المياه. حيث أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن تستورد أغلب دول الخليج جميع احتياجاتها المحلية. ولاستباق هذه المشكلة سعت السعودية على سبيل المثال لاعتماد العديد من تقنيات توفير الأراضي الصالحة للزراعة وتعزيز مصادر المياه، حيث استفادت بعض المؤسسات من ذلك وعززت قدرة انتاجها تدريجياً لتوفير ما يكفي لتلبية متطلبات الأسواق المحلية. وبات من المهم دراسة جميع الاستراتيجيات الممكنة المتعلقة بالإرشاد الزراعي لمواجهة التحديات الزراعية في المملكة[8] من أجل تسريع وتيرة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة حصص التصدير نحو الأسواق الإقليمية خاصة دول مجلس التعاون.
المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية |MenaCC|
الهوامش:
[1] United Nations Conference on trade and development (UNCTAD), Global trade impact of the Coronavirus (COVID-19) epidemic, feb 2020, https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/ditcinf2020d1.pdf
[2] New york times, The Supply Chain for Food Is Stressed, april 2020,
https://www.nytimes.com/2020/04/13/business/stocks-today-coronavirus.html
[3] Industrial And Manufacturing, Invest saudi, موقع رؤية 2030
[4] The largest and fastest growing food market in the region; predicted to grow at a rate of 6 percent over the next five years, foodex Saudi, March 2020, https://www.foodexsaudi.com/en/news/555
[5] Maha El Dahan and Tarek Fahmy, UAE farms see boom not gloom in coronavirus lockdowns, Reuters, https://www.stltoday.com/business/local/uae-farms-see-boom-not-gloom-in-coronavirus-lockdowns/article_7c67ef98-ecdb-5c36-a03d-70b34ef64c85.html
[6] Faisal El Amir, Food and Beverages Sector In UAE, 1/29/18 Ref3 – Q1/2018, Goverment of Dubai,
http://www.dedc.gov.ae/StudiesAndResearchDocument/Food-and-Baverages-Sector-Report.pdf
[7] According to the Federal Competitiveness and Statistics Authority, FCSA. UAE
[8] Sajid Fiaz, Mehmood Ali Noor, Fahad OwisAldosri, Achieving food security in the Kingdom of Saudi Arabia through innovation: Potential role of agricultural extensionJournal of the Saudi Society of Agricultural Sciences, Volume 17, Issue 4, October 2018, Pages 365-375 Journal of the Saudi Society of Agricultural Sciences, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1658077X16300996